ثورة التعليم المفتوح
الأمر المثير في عملية التعليم المفتوح أن الإتاحة المجانية له ليست سوى البداية. فالتعليم المفتوح يَـعِد بتحويل خط إنتاج الكتب التعليمية الحالية إلى نظام بيئي معرفي ديناميكي شاسع في حالة دائمة من الإبداع والخلق والتحسين والتطوير.اتهمنا بعض الناس بأننا من الحالمين بسبب تأسيسنا لاثنين من أضخم المنابر الإعلامية المفتوحة في العالم- «ويكيبيديا» (Wikipedia) و«كونيكشنز» (Connexions). كان كل منا قد تملكته فكرة إنشاء منبر على شبكة الإنترنت لتمكين أي شخص من المساهمة بمعارفه في المصادر المجانية المفتوحة للتعليم. وكان جيمي قد بدأ بموسوعته الشعبية المعروفة، «ويكيبيديا». أما ريتشارد فقد أسس منبراً للمؤلفين، والمعلمين، والطلاب الهدف منه إنشاء وجمع وتبادل الدورات التدريبية والكتب المدرسية والجامعية والمرجعية.كان الجميع تقريباً يسخرون من أحلامنا هذه. أما الآن، وبدعم من حشد غفير من الناس- من حائزين على جائزة «نوبل» إلى صبية في المدارس الإعدادية، من تيمور الشرقية إلى شرق لوس أنجلوس- انتشرت «ويكيبيديا» و»كونيكشنز» حول العالم، وأصبحت كل منهما قاعدة بيانات عضوية نامية يستعين بها مئات الملايين من البشر.ونحن نريد أن نصيبكم بعدوى هذا الحلم الذي يجعلنا نرى أن أي إنسان بوسعه أن يصبح جزءاً من حركة جديدة من شأنها أن تغير وجه التعليم على مستوى العالم. إن هذه الحركة قادرة على إعادة صياغة الكيفية التي تنشأ بها المعرفة والطريقة التي نستطيع بها استغلال هذه المعرفة إلى الأبد.اليوم يضطر بعض طلاب الجامعات والكليات العامة إلى التخلي عن الدراسة بسبب ارتفاع أسعار الكتب والمراجع التعليمية إلى الحد الذي جعلها تتجاوز تكاليف أو رسوم الدراسة ذاتها؛ واليوم يضطر بعض تلاميذ المرحلة الابتدائية إلى المشاركة في اقتناء كتب الحساب المدرسية لأن المتوفر منها لا يكفي الجميع. ولكن فلنتخيل عالمنا هذا وقد أصبحت الكتب التعليمية وغيرها من المواد والوسائل التعليمية متاحة للجميع بالمجان على شبكة الإنترنت.إن حواجز اللغة تمنع الكثير من الآباء المهاجرين من مساعدة أطفالهم في أداء فروضهم المنزلية، وذلك لأن الكتب المدرسية متاحة باللغة الإنجليزية فقط. ولكن دعونا نتخيل عالمنا هذا وقد تكيفت فيه الكتب التعليمية مع العديد من أساليب التعليم وترجمت إلى أعداد لا تحصى من اللغات. حتى اليوم ما زال «بلوتو» على قائمة الكواكب في كتب العلوم المدرسية، ومن يدري كم قد يستغرق الأمر لتصحيح هذا الخطأ. ولنتخيل معاً عالمنا هذا وقد أصبحت الكتب التعليمية تحدث وتنقح على يد حشد غفير من المساهمين المتبرعين.مثل هذا العالم كان مجرد حلم منذ عقد من الزمان. أما اليوم فقد تجمعت وتراصت أجزاء لغز حركة التعليم المفتوح، حتى بات بوسع أي إنسان، في أي مكان على وجه الأرض، أن يكتب ويجمع ويفصل وينشر دورته التدريبية أو كتابه التعليمي الخاص. والترخيص المفتوح يجعل استغلال هذه المواد أو إنتاجها بصورة جديدة أمراً قانونياً. كما أصبح تسليم هذه المنتجات ممكناً من الناحية الفنية وغير مكلف، بسبب الإبداعات الفنية مثل (XML) والطباعة حسب الطلب (print-on-demand).أصبحت نماذج التطوير والتوزيع الجديدة التي تروج لها حركة التعليم المفتوح تشكل تطوراً طبيعياً وحتمياً لصناعة نشر المواد التعليمية. وهي تماثل تطور صناعة برامج الحاسب الآلي (نحو لينوكس وغيره من البرامج ونظم التشغيل المفتوحة المصدر)؛ والنشر التعليمي التثقيفي (أمرت حكومة الولايات المتحدة مؤخراً بإتاحة الوصول إلى الأبحاث كافة الممولة بواسطة المؤسسات الوطنية للصحة، التي بلغ تمويلها 28.9 مليار دولار أميركي هذا العام).إن الأمر المثير في عملية التعليم المفتوح أن الإتاحة المجانية له ليست سوى البداية. فالتعليم المفتوح يَـعِد بتحويل خط إنتاج الكتب التعليمية الحالية إلى نظام بيئي معرفي ديناميكي شاسع في حالة دائمة من الإبداع والخلق والتحسين والتطوير. والتعليم المفتوح يَـعِد بتزويد أبنائنا بالمواد التعليمية المفصلة طبقاً لاحتياجاتهم الفردية الخاصة، وذلك على النقيض من المواد التعليمية الجامدة الحالية، فضلاً عن توفير الفرصة للحصول على المردود السريع الذي يسمح بتطوير المحتوى وتحسينه بصورة أكثر مباشرة. كما يَـعِد التعليم المفتوح بنشوء التوجهات الجديدة في التعامل مع التعليم التعاوني على نحو يُعلي من شأن وقيمة التفاعل الاجتماعي بين الطلاب والمعلمين على مستوى العالم.في العام الماضي انضممنا إلى الوفود القادمة من أنحاء العالم كلها إلى مدينة كيب تاون، في محاولة للتوصل إلى إجماع على التوجهات والأفكار الخاصة بالتعليم المفتوح، ولقد ألزمنا أنفسنا بما توصلنا إليه من توجهات وأفكار في «إعلان كيب تاون للتعليم المفتوح»، الذي تم إطلاقه رسمياً في الثاني والعشرين من يناير. (للاطلاع على الإعلان برجاء زيارة الموقع التالي على شبكة الإنترنت: www.capetowndeclaration.org).إن كل إنسان لديه ما يعلمه، وهناك دوماً ما يستطيع أن يتعلمه. وبتوحيد الجهود نستطيع أن نساعد في تبديل وتحويل الهيئة التي يتطور عليها العالم ويستغل معارفه. ونستطيع معاً أن نحول حلم التعليم المفتوح إلى حقيقة واقعة.* واليس مؤسس «ويكيبيديا» - وبارانيوك مؤسس Connexions وأستاذ الهندسة بجامعة رايس. «بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»