الموارنة خارج الحكم

نشر في 23-04-2008
آخر تحديث 23-04-2008 | 00:00
 بلال خبيز

إن إضعاف الجيش في المعركة التي دارت رحاها طوال الشهور العجاف السابقة، ضرب الحصن الأخير الذي كان الموارنة يتحصنون به في داخل الدولة. وما إن أعلن قائد الجيش عدم رغبته بالاستمرار في منصبه بعد انتهاء خدمته في شهر أغسطس المقبل، حتى توضحت الصورة على نحو مريع.

خاض الجنرال ميشال عون في السنوات الثلاث الماضية معركة استعادة الطائفة المارونية في لبنان دورها الأول والأساس في العلاقة مع الطوائف الأخرى، كبيرها وصغيرها. لكن حصاد المعركة تمخض عن خسارة فادحة، وأتى انسحاب ميشال المر من التكتل ليشكل ضربة قاسية لهذا الخيار الذي مثله عون خير تمثيل، فضلاً عن التصدعات الكبيرة التي أصابت التيار الوطني الحر جسماً تنظيمياً وقوة شعبية.

على نحو تراجيدي فقد الجنرال عون، الذي طوبه بطريرك الموارنة زعيماً أوحد للطائفة على غرار الطوائف الأخرى بعد انتخابات العام 2005 النيابية وفوزه الكاسح في الدوائر ذات الغلبة المسيحية، كل أسلحته. والراجح في الأمر أن المعركة التي خيضت على الرئاسة الأولى في لبنان كانت حاسمة وفاصلة بالنسبة للتيار العوني. وبصرف النظر عن التحالفات والتقلبات التي قام بها هذا التيار، وهي تقلبات ليست غريبة عن المشهد السياسي اللبناني، إلا أن نتائج المعركة التي خاضها أفضت إلى خلو الموقع الماروني الأول في كرسي بعبدا الرئاسي من شاغل يشغله. وهذا ما جعل الموارنة يستشعرون بدنو الخطر من آخر معاقلهم. بل إن الجنرال عون لم يلبث أن خاض معركة الحد من حظوظ الجنرال ميشال سليمان قائد الجيش في الوصول إلى كرسي الرئاسة، وبالتعطيل الذي مارسه مع حلفائه في المعارضة لعملية انتخاب الرئيس والشروط التي وضعها أمامه كان يغامر في إضعاف الموقع الماروني الأخير في الدولة اللبنانية. وعلى عكس ما يبدو الرئيس نبيه بري متحكماً في المجلس النيابي اللبناني، وبالتالي مستأثر بالموقع الذي يشغله، وتلك هي حال الرئيس السنيورة في رئاسة الحكومة، فإن إضعاف الجيش في المعركة التي دارت رحاها طوال الشهور العجاف السابقة، ضرب الحصن الأخير الذي كان الموارنة يتحصنون به في داخل الدولة. وما إن أعلن قائد الجيش عدم رغبته بالاستمرار في منصبه بعد انتهاء خدمته في شهر أغسطس المقبل، حتى توضحت الصورة على نحو مريع: 21 أغسطس هو موعد خروج آخر ماروني من آخر موقع مهم من مواقع الدولة. هذ الموقع الذي تم تكبيله أهلياً وطوائفياً شيئاً فشيئاً، إلى حد أن كل لبناني اليوم يجد في نفسه القدرة على حمل السلاح وإطلاق النار في مناسبة وغير مناسبة، عدا الجيش اللبناني تشكيلات وأفراداً، الذي بات أمر استعمال سلاحه في المنازعات الداخلية ممنوعاً أهلياً وسياسياً. فضلاً عن تكبيل موقع قيادة الجيش بألف قيد وقيد.

واجهت الحكومة اللبنانية قبيل انعقاد القمة العربية في دمشق مشكلة بليغة التعبير، في أواخر شهر مارس المنصرم. حيث كان ثمة اتجاه في فريق 14 آذار، يدعو إلى المشاركة في أعمال القمة وضرورة حضور لبنان فيها لئلا يستغيب في أي قرار، وتناقش قضيته في غيابه. وكان أن قررت الحكومة التي يرأسها السيد فؤاد السنيورة عدم المشاركة معلنة بلسان رئيسها أنها لن تسلم قضيتها للمناقشة في دمشق وبالتالي المساومة على ما تراه حقاً من حقوقها الشرعية.

لكن الأسباب التي دعت الحكومة إلى اتخاذ هذا القرار لم تكن كلها متعلقة برجحان وجهة نظر في الأداء السياسي على وجهة أخرى، بل إن المناقشات التي دارت في لبنان في تلك الأثناء حول ضرورة المشاركة اصطدمت بصعوبة أن يتشكل الوفد اللبناني من دون أن يضم بين أعضائه، إن لم يترأسه، شخصية مارونية رسمية من الصف الأول. يومها أدرك اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً أن التعطيل المتمادي لانتخاب الرئيس آتى أولى ثماره تضئيلاً متمادياً لدور المورانة اللبنانيين في حكم لبنان، وبالتالي في رسم سياساته العامة.

هكذا اتخذت زعامة الجنرال عون الطائفة المارونية منحى إخراجها شيئاً فشيئاً من دائرة الفاعلية والتأثير وجعلها طائفة ملحقة على المستويات كافة، وإذا ما أضفنا إلى هذا السلوك السياسي الطائش الذي اتبعه تيار الجنرال واقع أن الطائفة المارونية في لبنان فقدت معظم مواردها في الحرب الأهلية الطويلة وما تلاها من وقائع سياسية بدا كما لو أن هذه الطائفة باتت في أمس الحاجة إلى مشروع إنقاذي سريع وعاجل، يعيد إنتاج معنى داخلي على الأقل لدور الطائفة المارونية في لبنان. عل في إطلاق مثل هذا المشروع ما يحفظ ما تبقى من مقوماتها وما يعيدها إلى واجهة التأثير بين الطوائف اللبنانية الأخرى.

* كاتب لبناني

back to top