موريتانيا واستحقاق الذاكرة!

نشر في 16-08-2007
آخر تحديث 16-08-2007 | 00:00
 د.عبدالحسين شعبان

النجاح السياسي الكبير وتداولية السلطة سلماً عبر انتخابات ديموقراطية فتح الباب أمام تحدّيات كبيرة أيضاً، يتوقف على مواجهتها وحل إشكالياتها توطيد وتعزيز هذه التجربة الجنينية أو تعرضها للتصدع والنكوص!

أثارت التجربة الموريتانية بالانتقال السلمي إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع جدلاً واسعاً على المستوى العربي والأفريقي والدولي، خصوصاً السعي إلى وضع حد للانقلابات العسكرية التي طبعت مرحلة العقود الثلاثة الماضية. الاستحقاق الجديد الذي بدأته التجربة الجنينية يتطلب الوقوف عنده في ما يتعلق بآفاقه وقدرته على تجاوز التحديات التي تواجهه. ففي يوم 19 أبريل 2007 سلّم علي ولد محمد فال، الذي قاد انقلاباً عسكرياً، السلطة إلى رئيس منتخب، كما وعد وأوفى بوعده، حيث انتخب رئيس مستقل هو سيدي ولد الشيخ عبدالله.

هذه الخطوة المهمة والواعدة لابدّ من قراءتها انطلاقاً من التاريخ الموريتاني المعاصر وفي سياق تاريخي وكوني، ففي العام 1900 «خضعت» موريتانيا للاحتلال الفرنسي. وبعد كفاح طويل حصلت على الحكم الذاتي عام 1958، ثم على الاستقلال في العام 1960، الذي قاده مختار ولد داده، واستمر في الحكم كزعيم وطني ومسالم لغاية العام 1978، حيث انقلب عليه المصطفى ولد السالك، الذي فتح بوابة الانقلابات العسكرية، فبعد أن حكم عامين (لغاية العام 1980) أطيح به بانقلاب عسكري جديد بقيادة محمد خونة ولد هيداله، الذي استمر في السلطة حتى العام 1984، حيث حُكمت البلاد من قبل معاوية ولد الطايح، الذي جاء بانقلاب عسكري واستمر في الحكم حتى 8 مارس 2005، يوم استطاع الجنرال علي ولد محمد فال الوصول إلى السلطة، واعداً بفترة انتقالية قصيرة ليسلّم السلطة سلماً بعد إجراء انتخابات شرعية لبرلمان منتخب، وهو ما حصل أخيراً!

النجاح السياسي الكبير وتداولية السلطة سلماً عبر انتخابات ديموقراطية فتح الباب أمام تحدّيات كبيرة أيضاً، يتوقف على مواجهتها وحلّ إشكالياتها توطيد وتعزيز هذه التجربة الجنينية أو تعرّضها للتصدّع والنكوص!

التحدي الأول: حياة الناس، وتحسين ظروف معيشتهم وتوفير المستلزمات الضرورية لمستقبلهم، في ما يتعلق بالخدمات الصحية والتعليمية والمعاشية، إضافة إلى توفير فرص العمل والحدّ من ظاهرة الفقر، حيث يعيش الكثير من الموريتانيين في العاصمة نواكشوط في بيوت الصفيح ومن دون بنية تحتية وهياكل ارتكازية، خصوصاً الطرق والمواصلات وغيرها. وقد واجهت موريتانيا موجة فيضان أدّت الى مقتل شخصين وتشريد الآلاف، الأمر الذي يتطلب لإنجاح التجربة السياسية الجمع بينها وبين الأهداف الاجتماعية والتنموية.

التحدي الثاني: اللاجئون، الذين يقدّر عددهم بنحو 60 ألفا معظمهم موجودون في السنغال ومالي، وهؤلاء يعيشون ظروفاً قاسية في معسكرات اللجوء، تتطلب علاجاً قانونياً وسياسياً وإنسانياً لأوضاعهم. جدير بالذكر أن عدد سكان موريتانيا يبلغ ثلاثة ملايين نسمة، أغلبيتهم الساحقة من العرب (أكثر من %85) ونحو %15 من الزنوج الأفارقة، في دولة مساحتها مليون و39 الف كيلومتر مربع، جميع سكانها من المسلمين.

التحدي الثالث: العبودية، التي لاتزال مستمرة في بعض المناطق رغم صدور عدد من القوانين التي تمنعها منذ العام 1981 والعام 2003. وقد اتخذ البرلمان (الجمعية الوطنية المنتخبة) قراراً جريئاَ ينص في مادته الأولى على معاقبة الذين يمارسون أعمالاً لها علاقة بالاسترقاق. وينص هذا القانون الذي أُقرّ بالإجماع على معاقبة من يقومون بتلك الأعمال بالحبس مع النفاذ بين 5 إلى 10 سنوات. كما يحظر القانون أي إنتاج ثقافي أو فني يشيد بالرق، وينص على عقوبات بحق السلطات التي لا تطبّق هذا القانون. وقد حدد القانون فترة 6 أشهر للقضاء على ظاهرة الرق بشكل نهائي، الأمر الذي يستوجب حملة توعوية وتثقيفية على الصعيدين السياسي والاجتماعي، يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تؤدي دوراً مهماً فيها!

التحدي الرابع: المجتمع المدني، فالديموقراطية كآليات وممارسات سياسية تستند إلى حكم القانون والمساءلة وتداولية السلطة، بقدر حاجتها إلى مؤسسات وخطط تنموية، تحتاج إلى مجتمع مدني ناشط. وتسنّى لي أخيراً الاستماع إلى قادة المجتمع المدني الموريتاني في مناقشة حيوية حول عقوبة الإعدام، عكست نضجاً كبيراً، وهو ما يضع على عاتقها مسؤولية إنجاح التجربة الوليدة، بحيث تتحول مؤسسات المجتمع المدني إلى قوة اقتراح للأنظمة واللوائح ومشاريع القوانين، وإلى شريكة حقيقية في الرصد والمساءلة للانتهاكات والتجاوزات، وهو ما لمسته في لقاء الأخ زين ولد زيدان، رئيس وزراء موريتانيا الشاب الحيوي والخبير الاقتصادي، الذي شاطر نخبة من المفكرين العرب بتأكيده على دور المجتمع المدني والتنمية الاقتصادية لإنجاح التجربة.

التحدي الخامس: الخصوصية العربية والإسلامية، التي تتعلق بعلاقات موريتانيا الإقليمية والدولية، وكان هذا الاستحقاق جزءاً من البرنامج الانتخابي للفائزين بالسلطة، الأمر الذي يقتضي إعادة النظر بالعلاقات الموريتانية- الإسرائيلية، التي أقيمت في فترة سابقة وتعزيز وتطوير علاقاتها العربية والإسلامية.

*كاتب ومفكر عربي

back to top