حين ميسرة فضح الواقع القائم في العشوائيات المصرية
يعري فيلم «حين ميسرة» لخالد يوسف، الذي بدأ عرضه قبل عشرة ايام، ما يجري في المناطق العشوائية في مصر ارتباطا بوقائع الفساد والاقتسام الظالم للثروة بين طبقات المجتمع، وتفاعلها مع تردي الواقع العربي المهزوم.يصور الفيلم الذي ألفه ناصر عبدالرحمن «بوفيه مفتوحا للفساد وتردي المجتمع المصري بين المناطق العشوائية والريفية، وانتهاك الكرامة الانسانية بسبب الواقع الذي يعيشه اهالي هذه المناطق نتيجة للاقتسام الظالم للثروة بين فئات المجتمع الاخرى»، كما يؤكد الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي.
فأحداث الفيلم تدور ضمن عدة محاور، من اهمها الحالة التي تعيشها عائلة بطل الفيلم ثاني ابناء العائلة «عمرو سعد»، وتصور الحالة الاقتصادية والمعيشية السيئة التي يعيشونها في إحدى المناطق العشوائية في العاصمة المصرية، في حين يعيش الابن البكر «خالد صالح» في العراق، ويتبين انه عضو في احدى الجماعات الاسلامية.كما تسلط الضوء على طبيعة العلاقات القائمة في هذه المنطقة العشوائية، إذ ينتشر الادمان على المخدرات، وتبادل العنف بين سكان المنطقة، وسيطرة الاقوى على مجريات الاحداث فيها، تاكيدا على ان مثل هذه المنطقة مفرخة لظاهرة البلطجة، حيث يفرض الجوع اللجوء الى القوة، كما يظهر ذلك في الصراع بين بطل الفيلم، وبين زعيم إحدى عصابات توزيع المخدرات وانتقال قيادة البلطجة بينهما.ويكشف الفيلم أيضا عن العلاقات الانسانية التي يتضامن فيها الاهالي بعضهم مع بعض، كما يظهر في العلاقة القائمة بين بطل الفيلم والشخصية الثانية «عمرو عبد الجليل» الذي قدم دورا يعتبر من افضل ما قدمه على شاشة السينما بعد قيامه ببطولة فيلم «اسكندرية كمان وكمان» ليوسف شاهين.وتظهر كذلك العشوائية وسوء الوضع الاقتصادي في الريف المحيط بالعاصمة من خلال شخصية «سمية الخشاب» زوجة بطل الفيلم، الذي يتخلى عنها وعن ابنه منها مما يضطرها بسبب سوء اوضاعها الاقتصادية الى التخلي عن ابنها ايضا لتدخل بعد ذلك في تجارب متعددة تبرز آلية المجتمع بسحق الكرامة الإنسانية والجسد الإنساني. ورغم صمودها الطويل وتجاوزها العديد من الإغراءات بما في ذلك الدعوة الى علاقة جنسية شاذة مع امرأة تمتهن بيع اجساد النساء الا انها تضطر لبيع جسدها بعد ان يقوم اربعة شباب باغتصابها فتشعر بعدها بانه لا جدوى من الصمود، وعليها ان تستفيد من رأسمالها الأساسي (جسدها) في الخروج من المهانة التي تعيشها.ويأتي المحور الثاني الذي يظهر الصورة القمعية لاجهزة الأمن في اكثر من صورة، من بينها اجبار المواطنين على العمل معهم كمخبرين او اعتقالهم، كذلك تبرز صورة التعذيب عندما تقوم اجهزة الامن بتعذيب اسرة بطل الفيلم لمحاولة انتزاع اعترافات عن شقيقهم الحاضر الغائب «خالد صالح» كأحد اعضاء الجماعات الإسلامية بطريقة وحشية.وضمن السياق ايضا يبرز محور إرهاب الجماعات الدينية التي يساعد على ظهورها في المناطق العشوائية سوء الاوضاع الاقتصادية، وعدم وجود فرص للعمل لأغلبية الشباب فيلجأوا الى الاحتجاج عن طريق الجماعات، وفي ما بعد ترابط نشاط الجماعات مع رجال عصابات المخدرات في زيادة معاناة سكان العشوائيات.تتقاطع هذه المشاهد في اكثر من محطة مع ما يجري في العراق واحتلاله على مدار عشر سنوات من حرب احتلال الكويت، وحتى حرب احتلال العراق واعدام صدام حسين للإشارة الى الترابط القائم في العالم العربي وتدني الاوضاع بين الاحتلال واهدار كرامة الانسان، وبين الفساد وسوء الاوضاع الاقتصادية، وانه لا يمكن عزل البلاد العربية عن بعضها لانها مترابطة.وبعيدا عن وجهات نظر النقاد فإن المخرج خالد يوسف قال ان «هذا الفيلم هو فعلا اول افلامي، وانا لا اتنصل من افلامي السابقة بل أعتز بها، ولكن هذا الفيلم يستجيب الى رغباتي كمخرج ملتزم بقضايا وطني، فأشعر اني قدمته كأول فيلم لي».(القاهرة - د ب أ)