افتتاحية: كويت الاعتدال ترفض منع الاختلاف

نشر في 10-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 10-02-2008 | 00:00
ليست قضية منع الاختلاط قضية شرعية ليختلط فيها حابل المزايدات بنابل الفتاوى. لكن رب ضارة نافعة، ذلك أن اقتراح إلغاء «منع الاختلاط» والردود السلبية والإيجابية التي أثارها سلطت الضوء على مسار اجتماعي ثقافي ديني يجب عقلنته ورده إلى جادة الصواب.

لا أحد يريد فرض «التعليم المشترك» على غير الراغبين أو على المقتنعين بأنه مخالف لقناعاتهم، لكن لا يحق لفئة من الناس إرغام الآخرين على السير في هذا الاتجاه، لأنه انتهاك لحرية الخيار الشخصي على الأقل، إضافة إلى أنه تعبير عن نزعة إلغائية جديرة بالطالبانيين، وليس بأهل الكويت المعروفين بالاعتدال واحترام المختلف.

إنه حق الاختلاف الذي نريده قاعدة للتعامل بين كل فئات المجتمع الكويتي، لأن إقرار هذا الحق أو العودة إليه ليس مجرد إنصاف للذين يشعرون بالغبن، بل هو سبيل مجتمعنا إلى ترويض النزعات الجامحة، مهما كانت الجهة التي أتت منها، وطريقه الى حل نزاعاته سلما وديمقراطيا. ولا يخفى على أحد أننا نشهد منذ أكثر من عقد من الزمن هجمة متشددة تريد فرض الرأي الواحد والهيمنة عبر حرف عاداتنا وعقائدنا عما اعتدناه من وسطية أُوصينا بها، واعتدال دعينا اليه دعوة صالحة، ومجادلة بالتي هي أحسن كانت سبيلنا إلى قبول الآخر ومذاكرته من القلب إلى القلب ومن العقل إلى العقل.

حان الوقت للخروج من هذه الحال، والمسألة لا تحتاج إلى كثير من التحليل ولا إلى فتاوى تناقض القانون المقيم على شبهة فساد، ذلك أن القانون فشل فشلا ذريعاً لأنه مناقض للحياة ولطبيعة الأشياء، ولأنه يعادي حرية الأفراد والعائلات في اختيار نوع الاجتماع الذي يريدون لأبنائهم الانخراط فيه، ولأنه ينطلق سلفا من نوايا تشكك في أخلاق الناشئة وفي تربية ذويهم لهم، وتضع قواعد سلوك وأخلاق قابلة للنقض في كل بند وتفصيل، وتجعل منها حقيقة نهائية رغم نسبيتها.

وببساطة شديدة، إن كويت اليوم التي ننعم في ظل دستورها وعقدها الاجتماعي بالديموقراطية والحريات، هي وليدة الاعتراف بالآخر لا نكرانه، ونتيجة تسويات هي ميزة العقل المعتدل الذي بنى حياتنا الدستورية لبنة لبنة، انطلاقا من روح اجتماعنا ومن تطور المجتمع بالتفاعل مع التطور الحضاري في العالم.

ليست الخيارات كثيرة أمامنا، فإما أننا نريد الكويت جزءا من الدول الديموقراطية ومن البناء الحضاري العالمي، تتمتع بانفتاح وتستطيع ممارسة دور سياسي واقتصادي ومالي، وإما أننا نريد الحجر عليها لتعود الى الخلف أو تتماثل مع نماذج الجمود القاتل. ولا نعتقد أن هنالك مكانا رماديا نستطيع الاحتماء فيه متقوقعين على أنفسنا ومحققين إنجازات في آن معا.

اقتراح إلغاء «منع الاختلاط» ليس حرباً تشن على المقتنعين بالمنع، ولا هو تكتيك سياسي لعلمنا أنه غير مجز لدى المتأثرين بالملتبس من حلو الكلام. إنه اقتراح يريد تحقيق الاعتراف المتبادل بين فئات المجتمع الكويتي على أساس مفهوم اللاإكراه الذي نستوحي منه، والعدالة التي يجب أن تعم، وسقف الدستور الذي يجب أن يبقى خيمة تظلل الجميع.

الجريدة

back to top