أطفال تخدعهم هوليوود بأحلام النجومية

نشر في 18-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 18-08-2007 | 00:00

أيّ طفل لا يحلم سراً بأن يصبح نجم سينما؟ أي ولد لا يفرح إذا «اكتشفه» أحد الباحثين عن المواهب، حتى لو كلّف الأمر ذويه أموالاً طائلة؟ هذا المقال يظهر الوجه الآخر للشاشة الفضية.إنها الحيلة الأقدم في كتاب عالم التسلية والترفيه: ترى أناساً يسيرون في الطريق في أمان الله. فجأة تقترب منهم امرأة لبقة جذابة تحمل بعض الأوراق وتخبرهم أن ابنهم أو ابنتهم هو الممثل الذي تبحث عنه لفيلمها أو برنامجها الجديد. مَن لا تثير هذه الكلمات فضوله أو تشعره حتى بالفخر؟

حدث ذلك لي أكثر من مرة خلال إقامتي في لوس أنجلس. اعتدت رفض مثل هذا العرض، لكنني اصطحبت ابني، ذات مرة وكان في السادسة أو السابعة من عمره إلى مكتب تمثيل مكتظ بالطامحين إلى الشهرة. ما إن دخلت حتى بدلت رأيي وغادرت. قبل بضعة أسابيع قبلت أحد العروض التي قُدمت إلى فاكتشفت من خلال هذه التجربة بعض الأوجه البشعة في كواليس هوليوود.

بدأت القصة ذات أحد فيما كنت أتجول في مركز تجاري ضخم مصطحباً ابنتي الصغيرة ذات الأعوام الثمانية اقتربت منا امرأة في متوسط العمر قائلة أن ابنتي فائقة الجمال. سألتني إن كنت مهتماً بأن تجري ابنتي مقابلة لتشارك في برامج قناة «ديزني». كان حرياً بها أن تسأل ابنتي إن كانت مهتمة بالحصول على مخزون من المثلجات يكفيها العمر كله. على غرار فتيات عديدات، تعشق ابنتي قناة «ديزني» وتحفظ مقاطع كاملة من مسلسلاتها وأغاني لمغنين يطمحون إلى الشهرة وأولاد عباقرة غريبي الأطوار يظهرون في أفلامها وبرامجها. لذا سارعت إلى القول: «بلى، أرجوك!». لم يبهرني العرض. لكننا كنا نملك متسعاً من الوقت والمسرح الذي ستخضع فيه للتجربة صغير يضم خمسين مقعداً واسمه آمبتي ستايج لم يكن بعيداً فقبلت عرضها.

تبيّن لي أنهم أشخاص محترفون جداً. لم ننتظر طويلاً ولم يطلب أحد منا المال أو تقديم أي التزام. عاملنا الموظفون بلطف واحترام. وضعت ابنتي ضمن مجموعة من ثمانية أولاد. طلب إلى كل منهم أن يذكر اسمه أمام عدسة الكاميرا ويتلو كلمات إعلان أُعطي إليهم قبل لحظات. تحدث إعلان ابنتي عن معجون أسنان وهمي بنكهة العلكة. وجَّه إليها المخرج بعض الملاحظات عن تعابير وجهها وصوروا لقطة ثانية وانتهى الأمر.

حماسة الصغار

طوال الأسبوعين التاليين، بقيت ابنتي تنتظر بشوق اتصالاً منهم. صارت تتحقق من بريدها الإلكتروني يومياً في حين حاولت أن أهدئ من حماستها قائلاً إننا قمنا بهذه التجربة للتسلية فحسب. حين اتصلوا بها طارت فرحاً طلبت إلينا امرأة ودودة جداً تُدعى آلي هارتمان الحضور إلى مبنى قريب من بيتنا كي تخضع ابنتي لتجربة ثانية. كما سألت ابنتي أن ترتدي ملابس «عادية إنما ظريفة».

راحت تغدق المديح على ابنتي وابني الذي رافقنا هذه المرة. خضع بدوره لتجربة فوقف أمام معدات تصوير من أحدث طراز. قيل لنا إن ولدينا كليهما قد يحصلان على أدوار ثانوية أو ربما أدوار أكبر، بحسب النجاح الذي يحرزانه. استنتجت من كل ما قالته السيدة هارتمان أن شركتها تبحث عن المواهب أو هي على اتصال مباشر بوكالات التمثيل.

تجاذبنا لساعة من الوقت أطراف الحديث. أخبرتنا عن تفاصيل الحسابات المصرفية للممثلين الصغار السن وعن أفلام «ديزني» ومسلسلاتها التي شارك فيها زبائنها. مستمعين إلى كلامها، كبرت احلام ولديّ تدريجياً.

في النهاية أفصحت عن المهم فخدمات شركتها تكلّف 1350 دولاراً أميركياً. أعطتنا ورقة واحدة تشمل المصاريف الأخرى: 49 دولاراً تكاليف كل جلسة تصوير توصي بها الشركة، فضلاً عن ثمن الصور وما لا يقل عن أربع جلسات تدريب كلفة كل منها 10 دولارات وغيرها من النفقات.

ما إن بدأتْ تتحدث عن التكاليف حتى قررتُ صرف النظر عن هذا المشروع. راح ولداي يرجوانني أن أدفع المال المطلوب، لكنني صممت على ألا أدفع فلساً واحداً، خاصة أن السيدة هارتمان تكلمت أيضاً عن عمولة 20% لكل عمل يؤديانه. في الواقع، شككت في أن يكون طلب المال مسبقاً مخالفاً للقانون. تبيّن أن شكي في محله. ينص أحد القوانين التي أقرت في كاليفورنيا عام 1999 على أن أي وكالة تريد أن تتقاضى المال مقابل خدمات التسلية والترفيه يجب أن تحوز على رخصة من مكتب معايير العمل وتقدم سنداً بقيمة 10000 دولار. لكن الشركة هذه لم تكن مدرجة على الموقع الإلكتروني الخاص بالمكتب. علاوة على ذلك، يمنع أحد القوانين «طلب المال أو محاولة طلب المال، مباشرة أو غير مباشرة، من فنان مقابل إدراج اسم الفنان كمرشح لأحد الأعمال». كما يعاقب القانون على محاولة تقاضي المال والادعاء أن هذا المال سيؤمن عملاً للفنان.

عندما أخبرت أحد أصدقائي الفنانين عما حصل لنا سارع إلى القول إنها خدعة. ذاك ما سمعته أيضاً من مسؤولي اتحاد عملاء المواهب ونقابة الممثلين. وكم كانت تلك الخدعة متقنة! تملقت هذه الشركة لولديّ ولآخرين كثر. كما علمت لاحقاً، قبل أن تطلب منهم المال. لكن أدهشني أن شركات كثيرة مثل هذه الشركات تغذي شبكة هوليوود بأكملها، إذ تزود الاستوديوات ووكالات التمثيل وغيرها بالاولاد الذين تحتاج إليهم كي يستمر عملها.

وكالات زائفة

إليكم كيف تدور عجلة الأعمال في هوليوود. أشارت آلي هارتمان مرات عديدة إلى «مكتب بربنك» التابع للشركة. لكنها في الواقع كانت تتحدث عن شركة تمثيل للأولاد تُدعى «كيدس باكغراوند تالنت» التي تبحث عن أولاد للتمثيل في البرامج التلفزيونية والأفلام. لا تتقاضى هذه الشركة أي رسوم مسبقة، باستثناء رسوم تسجيل قيمتها 30 دولاراً تعاد إلى الزبون إن لم تسر الأمور على ما يُرام. وتهدف الشركة من رسوم التسجيل هذه إلى إبعاد الزبائن غير الجادين.

تدعي شركة «كيدس باكغراوند تالنت» أنها لا تتفاضى المال من شركة السيدة هارتمان أو من أي وكالة أخرى زائفة. لكنها تقبل طوعاً تأمين الوظائف للأولاد الذين يتعاقدون مع هذه الوكالات. سبق أن خضع هؤلاء الأولاد لتجارب أمام الكاميرا ودفع أهلهم مبالغ طائلة ويرغبون في استرداد ولو جزء صغير من أموالهم المهدورة. يقول الخبراء في هذا المجال إن الأموال التي يدفعها الأهل تتراوح بين 500 دولار و5000 دولار.

يذكر رئيس شركة «كيدس باكغراوند تالنت»، ريتشارد سبيكر، «أن الأولاد الذين ترسلهم هذه الشركات يبلون حسناً في معظم الأحوال. بما أنهم أنفقوا كل هذه المبالغ فهم مستعدون أن يبذلوا جهداً أكبر لينجحوا. لا يفكرون البتة في التغيّب عن عمل أُوكل إليهم. أما الأولاد الذين يأتون إلينا مباشرة فلا يبدون هذا النوع من الالتزام».

يضيف: «أعتقد أن طريقة عمل هذه الشركات رهيبة... لكن مما لا شك فيه أنني أستفيد منها بطريقة غير مباشرة».

أصر السيد سبيكر أنه لم يحاول يوماً خداع أحد في مجال عمله. أوضح أن من الأفضل تأمين العمل للأولاد الذين وقعوا ضحية هذا الخداع بدلاً من إرسالهم خائبين. قال: «فكرنا في رفض هؤلاء الأولاد. لكننا أدركنا أننا بذلك ندفعهم في الطريق الخطأ. فبمساعدتنا سيحظون على الأقل بفرصة العمل مع محترفين». بيد أن «كيدس باكغراوند تالنت» ليست المستفيد الوحيد من هذا الخداع، فالاستوديوات تستفيد أيضاً. يجعلها ذلك تغض النظر عن الخداع الذي يتعرض له هؤلاء الصغار. يروي الخبراء في مجال التسلية والترفيه أن هذه الشركات الزائفة تظهر وتختفي بسرعة، وفقاً للسرعة التي يُفتضح بها أمرها. تبين لي أن شركة السيدة هارتمان تعمل في السوق منذ ثلاث سنوات على أقل تقدير وهي مسجلة أيضاً تحت أسماء أخرى.

ويضيف الخبراء أن المخادعين يصنَّفون في خانتين. تعمل الفئة الأولى خارج لوس أنجلس فتنزل في بلدة صغيرة وتمطر الناس بإعلانات عبر الإذاعة وعبر هواتفهم الخلوية. تستأجر مكتباً أو جناحاً في فندق أو مستودعاً كبيراً لبضعة أيام. «توظف» نحو عشرة أولاد واعدة أهلهم بنجومية في هوليوود، وتطلب منهم دفع مبالغ كبيرة سلفاً. كما تعمد هذه الشركات أحياناً إلى توظيف شخصية معروفة أو أحد الممثلين المراهقين ليوم واحد كي تجتذب الناس إلى الفخ.

يكشف عامل في هذا المجال رفض ذكر اسمه: «في بعض المناطق، مثل جورجيا وكارولينا الشمالية والجنوبية وداكوتا الجنوبية، تحاول هذه الشركات إغراء الزبائن المحتملين فتطلب منهم السفر بالطائرة إلى هوليوود كي يقابلوا عملاء يريدون تمثيلهم. لا شك في أن الطامحين إلى الشهرة يدفعون نفقات السفر كلها. يُقابلون أحياناً عملاء تكون الشركة قد دفعت لهم مسبقاً. لكن المسألة تنتهي عند هذا الحد».

غالباً ما تمضي تلك العائلات شهوراً في شقق فخمة قرب الاستوديوات الكبرى في بربنك وشمال هوليوود. يحاولون جاهدين القيام بتجارب لبرامج تلفزيونية جديدة أو أدوار صغيرة في أفلام، آملين في دخول عالم التمثيل. ومن دون أن يدروا ينفقون مدخراتهم على أساتذة التمثيل وأساتذة أداب المجتمع والمصورين ومصممي الأزياء ومصففي الشعر والمدربين الخاصين وسواهم.

وعد بالشهرة

أما النوع الآخر من هذه الشركات فيعمل في الظل في لوس أنجلس نفسها. تقول شيلي جلتون، مديرة اتحاد عملاء المواهب: «أتلقى اتصالات عن أمور مماثلة طيلة الوقت. فهم يعملون بهذه الطريقة. يجتذبون الأولاد ويمطرونهم بالوعود، لكن المسألة تنتهي عند هذا الحد». لكن يبدو أن هذه الشركات ليست الوحيدة التي لا تقوم بواجباتها. فلا يُعقل أن تتمكن من خرق القانون من دون أن تنال أي عقاب، حتى أن عملياتها صارت جزءاً من نظام عمالة الأولاد في هوليوود.

تظهر نظرة هوليوود السلبية إلى الأولاد بوضوح من خلال برنامج قناة «سي بي أس» من نوع تلفزيون الواقع الذي يُدعى «كيد ناشين». في هذا البرنامج تعيش مجموعة من 40 ولداً تتراوح أعمارهم بين ثماني وعشر سنوات طوال أكثر من شهر معاً من دون أب أو أستاذ، في مزرعة في نيو مكسيكو. يظهر هؤلاء الأولاد على شاشات التلفزيون طوال أكثر من 14 ساعة يومياً على مدار الأسبوع. مع ذلك، لم تدفع لهم الشركة أكثر من 5000 دولار للولد الواحد. اتهمت مجموعات الدفاع عن حقوق الطفل شركة «سي بي أس» باستغلال ثغرة في قانون نيو مكسيكو لتنتهك كل معايير تلك الصناعة المتفق عليها.

هذا ليس سوى برنامج واحد، لكن شركات مثل الشركة التي وقعت ضحية خداعها تعمل على مدار السنة. حاولت عدة مرات الاتصال بمايكل زان، أحد مالكي هذه الشركة، لكنني لم ألقَ رداً عندما قصدت نقابة الممثلين بدا المدير الوطني لعلاقات الوكالات، زينو ماكالوسو، شديد الحرص وكان كلامه مقتضباً لأن الأولاد في النهاية ليسوا أعضاء في النقابة.

لكنه قال: «إن الوكالات المرخصة والمحترمة لا تطلب المال مسبقاً. تتقاضى المال عندما تؤمن العمل للممثلين. يجب أن يحذر الأهل الوكالات التي تسلبهم مالهم وتبيع أولادهم أحلاماً».

لا شك في أنه يسهل في مدينة مثل لوس أنجلس بيع الأحلام. تقول وندي بولينغ، الأم التي أوشكت على دفع المال المطلوب لهذه الشركة: «المحزن أن ابني البالغ سبعاً متحمس جداً لهذا العمل». أضافت أنها قد تتصل بشركة «كيدس باكغراوند تالنت» مباشرة على أمل أن يتمكن ولدها ذات يوم من لعب دور في مسلسل أو فيلم، بغض النظر على أهمية هذا الدور.

حقيقة «نجومية الأولاد»

يتوقع الأولاد الذين يطمحون إلى الشهرة وذووهم أن يصبحوا مثل ليوناردو دي كابريو وجودي فوستر. لكن الحقيقة تظهر أن قلة قليلة من الأولاد تفوز بالأدوار الكبرى في الأفلام والبرامج التلفزيونية. كما أن عدداً أقل يتخطى قسوة حياة الأولاد النجوم ويواصل مسيرته في عالم الفن، مثل فوستر ودي كابريو.

ينجح بعض الأولاد النجوم في دخول عالم التمثيل من خلال معارفهم، في حين يسلك البعض الآخر الدرب الطويلة الصعبة فيصوّرون الإعلانات والأدوار الصغيرة قبل أن يتقدموا في هذا المجال. على سبيل المثال، بدأ هالي جويل أوسمنت بطل The Sixth Sense مسيرته في إعلان لـ{بيتزاهات».

قلما يكتشف فاعلو الخير في عالم التمثيل مواهب جديدة، كما حدث مع شيرلي تامبل، تلك الفتاة الظريفة التي تظهر على شاشات التلفزيون والسينما. لفتت موهبتها في الرقص نظر مدير تنفيذي في شركة «آدوكايشنل بيكتشير» كان يزور دار الحضانة، مع أنها لم تكن تجاوزت الرابعة.

ساهم الرواج الذي حظي به التلفزيون في تحويل تمثيل الأولاد إلى صناعة. وجاءت الأقمار الاصطناعية والفضائيات لتسلّط الضوء على هذه الصناعة، ما عرّض هؤلاء الأولاد للخطر سواء نجحوا في عالم التمثيل أو لا. ويقع العديد من الممثلين الأولاد في المشاكل. فماكولي كالكن بطل أفلام Home Alone تألم كثيراً حين تطلّق والداه واختلفا بسبب الأموال التي جناها. وتعرض هالي جويل أوسمنت لحادث سيارة السنة الفائتة بسبب إفراطه في الكحول. أما ليندسي لوهان فمشاكلها تتصدر الصحف ونشرات الأخبار. حتى إن بعض الأشخاص الذين مثلوا في صغرهم شكلوا مجموعات لتأمين بعض الحماية للأولاد، أمثال بول بيترسن الذي ظهر في برنامج دونا ريد على شاشة التلفزيون في أواخر خمسينات القرن العشرين وستيناته فقد أدمن الشرب في العشرين من عمره ويترأس اليوم منظمة للدفاع عن حقوق الممثلين الصغار تُدعى «A Minor Consideration».

back to top