الخيل العِراب 1 - 2 : 2010 عام الحصان العربي!

نشر في 10-04-2008
آخر تحديث 10-04-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

تقتصر محبة الخيل الآن عندنا نحن العرب على ثلة صغيرة من الأثرياء فقط ولم تعد شأناً عربياً عاماً للأسف، ولا أقول إن كل عربي يجب أن يمتلك إسطبلاً، فهذا أمر يفوق مقدرة الأغلبية الساحقة من العرب، ولكن على الأقل المكتبة التراثية الخاصة بالخيل، فالمحبة ليست بالضرورة قرينة الامتلاك.

تسعى كل الأمم لاختيار حيوان يرمز إليها ويجمع صفات محببة تريد أن تنسبها لنفسها، فالصين مثلاً قرنت نفسها بالتنين الذي يرمز إلى المهابة والقوة فيقال التنين الصيني، وروسيا تماهت مع الدب حتى صار قول «الدب الروسي» شائعاً بين المحللين السياسيين لوصف روسيا، وأستراليا اختارت الكنغر الذي يحمل ابنه في كيس ببطنه، والبلاد الأوروبية الإسكندنافية اختارت الوعل رمزاً لها تضعه على منتجاتهاK فيسبق اسمها إلى ذهنك وقبل أن تقرأ على المنتج صنع في كذا. أما في الولايات المتحدة الأميركية فقد اختار حزباها الكبيران الجمهوري رمز الفيل والديموقراطي رمز الحمار دلالة عليهما، وانتخبت فرنسا لنفسها رمزها الديك بما فيه من جمال ريش ورشاقة. أما نحن العرب فارتبطنا منذ قدم التاريخ بالخيل، ومنذ الجاهلية وحتى بعث الله نبيه –صلى الله عليه وسلم- فأمره الله باتخاذها وارتباطها، وهو ما لم يحدث في أي دين آخر سماوياً كان أم وضعياً.

يندر أن توجد حضارة في التاريخ لها مثل هذا الارتباط والحب بالحيوان مثل الحضارة العربية وارتباطها بالخيل، حيث ارتبط العرب بالخيل في الجاهلية والإسلام عارفة بفضلها وما جعل الله تعالى فيها من العز. والخيل مدعاة للفخر، وقلما يوجد رمز جامع مانع لحضارة العرب أكثر من الجواد العربي، الذي ضربت شهرته الآفاق وصار معلوماً لدى الجميع في أنحاء العالم رمزاً للجمال والرشاقة والذكاء. ودأب العربي على إكرام الخيل وقربها إليه مثل أولاده وافتخر بذلك، فكان العربي يدخل فرسه إلى داخل خيمته ليبيت مع عياله في ليالي الشتاء القارس، في تجسيد عملي لقول العرب «الحصان أخو الإنسان». ولكن الخيل أهملت في عصرنا الراهن عند العرب للأسف الشديد وقلب الدهر لها ظهر المِجن، بعد أن كانت المفضلة على الأهل والعيال، وبعد أن كان العربي يبيت الطوى ليشبع فرسه. وأصبحت محبة الخيل مقتصرة على حفنة قليلة من أثرياء العرب، وفي الوقت الذي تنتشر فيه الآلاف من نوادي الفروسية في العالم وتسابقت الأمم لاقتناء الخيل العربي عارفة بفضله، حتى غدت الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تتنافسان على اقتناء أفضل وأعرق السلالات العربية.

يحض الله سبحانه وتعالى على اقتناء الخيل والتعريف بفضلها، فيقول في كتابه العزيز: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم». ويعود المولى جل وعلا ليؤكد على الخيل في القرآن الكريم في سورة العاديات ليقول: «والعاديات ضبحاً فالموريات قدحاً فالمغيرات صبحاً فأثرن به نقعاً فوسطن به جمعاً». ولأن الخيل ترهب الأعداء أيضاً، فقد اختيرت يوم معركة القادسية لتريع الفرس بجمالها وهيئتها، وهو ما حقق للعرب نصراً تاريخياً مؤزراً مازالت آثاره ماثلة حتى اليوم. ومن خيل قريش التي خلدها التاريخ «أطلال» وهو فرس بكير بن عبد الله الشداخ الليثي، وكان وجه مع سعد بن أبي وقاص وشهد القادسية، فيزعم -والله أعلم- أن الأعاجم لما قطعوا الجسر الذي على نهر القادسية وقد أحجم الناس عن عبور نهرها وخندقها، صاح بكير بفرسه «أطلال» وقال: وثباً «أطلال»!. فالتفتت له وقالت: «أي وسورة البقرة»، فاجتمعت ثم وثبت، فإذا هي وراء النهر، فهزم الله به المشركين يومئذ، ويقال إن عرض نهر القادسية يومئذ أربعون ذراعاً. فقال الأعاجم: هذا أمر من السماء فانهزموا.

تقتصر محبة الخيل الآن عندنا نحن العرب على ثلة صغيرة من الأثرياء فقط ولم تعد شأناً عربياً عاماً للأسف، ولا أقول إن كل عربي يجب أن يمتلك إسطبلاً، فهذا أمر يفوق مقدرة الأغلبية الساحقة من العرب، ولكن على الأقل المكتبة التراثية الخاصة بالخيل، فالمحبة ليست بالضرورة قرينة الامتلاك. هل جمعنا نحن العرب على مستوى كل دولة كتب التراث الخاصة بالخيل؟ لا أعتقد بوجود رمز يجمع العرب من المحيط إلى الخليج اليوم أكثر من الحصان العربي، ولا توجد هواية عربية أصيلة تمارس بهذا الانتشار في العالم كله مثل الفروسية وتربية الخيول الأصيلة، وهي التي تساهم في رؤية العالم للعرب من جانب آخر غير الجانب الذي اعتادت وسائل الإعلام إظهارنا به منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الخبيثة. يقول خبراء الإعلام والسياسة إن بناء الصورة Image Building هو أحد الشروط الضرورية لتسويق الأمم لنفسها في العالم، وما أحوجنا -نحن العرب- الآن لمثل هذه الصورة. وفي هذا السياق يتبقى سؤال: لماذا لا يتفق وزراء الثقافة والتربية في بلادنا العربية على إعلان عام 2010 عاماً للحصان العربي؟

* كاتب وباحث مصري

back to top