مخاض الإخوان بين الصّقور والحمائم

نشر في 03-12-2007
آخر تحديث 03-12-2007 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية تمر اليوم بمخاض كبير ولحظة انتقالية مهمة، فعلى خلفية النقاشات حول مسودة برنامج حزب الجماعة السياسي، اشتعل الصراع بين الإخوان على نحو غير مسبوق.

بكل تأكيد لم تغب أبداً عن بورصة الشائعات السياسية في مصر أحاديث متواترة حول خلافات بين قيادات الإخوان إن داخل مكتب الإرشاد أو خارجه، بل وحول تبلور جبهات وأجنحة رجعية محافظة في مواجهة أخرى إصلاحية، وصراعات أجيال بين حرس قديم وحرس جديد تهدد بانفصام عُرى التنظيم وربما انهياره.

نعم لم تكن مثل هذه الأحاديث ببعيدة، إلا أن واقع الجماعة التي تأسست في 1928 دوماً ما برهن على تماسكها التنظيمي وقدرتها العالية على مخاطبة الرأي العام بصوت واحد، واحتواء التيارات المختلفة داخلها، من دون أن تطفو على السطح طوال العقود الماضية سوى محاولة واحدة في أواسط التسعينيات للخروج عن جماعة الإخوان، والسعي نحو تأسيس حزب سياسي مستقل عنها كان بطلها المهندس أبو العلا ماضي صاحب مبادرة «حزب الوسط»، أما اليوم فتبدو صورة الجماعة المتماسكة ذات الصوت الواحد منافية للواقع، وأمام المحللين والمتابعين محطة جد نادرة للتعرف والإمساك بخيوط وقضايا الصراع داخل الإخوان.

خلال الأسابيع الأولى التي تلت تداول مسودة البرنامج في سبتمبر 2007، طفت على السطح رؤيتان متناقضتان ارتبطت أولاهما بالنائب الأول للمرشد العام محمد حبيب والثانية بعضو مكتب الإرشاد عبد المنعم أبو الفتوح.

وفي حين دافع الأول عن النصوص الخلافية الواردة في المسودة بشأن تأسيس هيئة منتخبة لكبار علماء الدين، ونفي أهلية الأقباط والمرأة لمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، انتقد الثاني هذه الطروحات مشدداً على أن مثل هذه المواقف لا تعبر عن الإجماع الإخواني، وانحازت لكل من حبيب وأبو الفتوح قيادات في مستويات تنظيمية مختلفة على نحو تبلور معه بالفعل وجود مجموعتين متقابلتين بروايتين متناقضتين حول الكيفية التي تمت بها صياغة المسودة، وبدينامية صراع واضحة وعلنية لم يعهدها الإخوان من قبل.

فمن جهة، أكد محمد حبيب ومعه الأمين العام للجماعة الدكتور محمود عزت وعضو مكتب الإرشاد الدكتور محمد مرسي، أن مسودة البرنامج صيغت في إطار تشاوري وبشفافية لا غبار عليها، ووفقاً لهم بدأت عملية صياغة المسودة بتكليف المرشد العام محمد مجدي عاكف للجنة مشكلة من خبراء قانونيين وعلماء دين وسياسيين وحركيين، وجرى إنجاز صياغة أولية تم عرضها على كامل مكتب الإرشاد الذي أبدى ملاحظات عليها وأعادها إلى لجنة الصياغة للتغيير والتعديل، ثم أعقب ذلك مناقشة ثانية داخل مكتب الإرشاد تم بها اعتماد المسودة وإقرار توزيعها على الوحدات الإدارية للجماعة في المحافظات المصرية - وتلك تضم في تشكيلاتها أعضاء مجلس شورى الجماعة - لإبداء الرأي كخطوة أخيرة قبل الخروج بالبرنامج إلى الرأي العام.

في مقابل رواية مجموعة حبيب ومفادها هو التشديد على صياغة المسودة بصورة تشاورية داخل الجماعة، أكدت المجموعة الثانية وأهم رموزها بجانب عبد المنعم أبو الفتوح مسؤول القسم السياسي في الجماعة الدكتور عصام العريان والبرلماني السابق الدكتور جمال حشمت، على أن الطرح الوارد في المسودة لا يعبر عن التوافق الإخواني، وأن البعض قد استأثر بعملية الصياغة ولم يأخذ في الاعتبار تنوع الآراء داخل الجماعة، وهؤلاء دفعوا بأن المحكمة الدستورية العليا هي المخولة بتقرير مدى ملائمة التشريعات والقوانين لمادة الشريعة بالدستور، وأن على الإخوان احترام نصوص الدستور التي تساوي في الحقوق السياسية بين المسلمين والأقباط والرجال والنساء دونما استثناء لمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

إلا أن الخلاف بين الفرقاء لم يقف عند حد الروايات والمضامين المتناقضة حول عملية صياغة البرنامج، بل تجاوزه إلى التخلي عن الحذر الإخواني التقليدي لدى ممارسة النقد الداخلي. وقد صاغ رموز المجموعتين مواقفهم بالأساس في الساحة العامة وغلب على اللغة المستخدمة طابع شديد الحَدّية. وبرزت كذلك، إضافة إلى نقل الصراع حول البرنامج داخل جماعة الإخوان المسلمين إلى الساحة العامة، آلية إضافية لإدارته تمثلت فيما يمكن تسميته «حرب الفتوى»، فمؤيدو ومعارضو البرنامج على حد سواء سعوا إلى استصدار فتاوى من رجال دين تدعم مواقفهم المتعارضة بشان هيئة كبار علماء الدين والأقباط والمرأة واستخدمت الفتاوى كإحدى أدوات المواجهة العلنية.

وكرر محمد حبيب ورفاقه أكثر من مرة أن مكتب الإرشاد لجأ إلى عدد من علماء الدين حين إنجاز المسودة وأن هؤلاء أفتوا بعدم أهلية الأقباط والنساء لرئاسة الجمهورية والوزراء باعتبارهما من أمور الولاية الكبرى المكفولة للمسلمين.

أما عبد المنعم أبو الفتوح فكان أكثر تحديداً عندما كشف في حوارات إعلامية أن الشيخ القرضاوي وغيره قد أفتوا بأن المناصب السالفة الذكر لا تندرج في سياق الولاية الكبرى وأن إقصاء الأقباط والمرأة لا مسوغ له.

هي إذاً صورة صراعية بامتياز تلك التي خرجت بها جماعة الإخوان إلى الرأي العام خلال الأسابيع الماضية. نعم حاول المرشد العام محمد مهدي عاكف، الذي تجنب المشاركة في الصراع الدائر حول البرنامج بصورة لفتت الأنظار، إعادة الأمور إلى نصابها والحفاظ على حد أدنى من الالتزام التنظيمي بالإعلان عن تشكيل لجنة برئاسة محمد حبيب، لمراجعة المسودة وحسم القضايا الخلافية، إلا أن علنية الصراع داخل الجماعة وتواكبه مع سيل من انتقادات المحللين والمتابعين خارجها، رتبا استمراراً للتصريحات والمواقف المتضاربة.

ولا شك أن مثل هذه الصورة الصراعية، وعلى الرغم من إمكان تفسيرها نظرياً على أنها دليل حيوية الجماعة وربطها بكون الانخراط في الحياة السياسية، بما تطرحه من قضايا وتحديات حتماً ما يوسع من مساحة الخلافات داخل الحركات المشاركة بها، ما خلق انطباعاً لدى الرأي العام باضطراب الإخوان وافتقادهم عقلا استراتيجيا راجحا يمكّنهم من الحديث بصوت واحد في لحظة سياسية شديدة الدقة وحول قضايا جوهرية.

* أكاديمي مصري في مؤسسة «كارنيجي لدراسات السلام» - واشنطن

back to top