التحفظ في الشرق الأوسط

نشر في 21-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 21-10-2007 | 00:00
 ريتشارد ن. هاس في مسرحية الملك لير يقول إدغار: «النضوج هو كل شيء». ولسوف أترك لدارسي شكسبير تفسير القصد من وراء هذه العبارة. بيد أن إدراك مفهوم النضوج يشكل أهمية حيوية بالنسبة لعمل الدبلوماسيين والمؤرخين: فهو يشير إلى مدى استعداد المفاوضات المعقدة أو النزاعات لتقبل الحلول.

قد يبدو هذا التفكير مغرقاً في الأكاديمية، لكنه في الحقيقة ليس كذلك. فالولايات المتحدة والأعضاء الثلاثة الآخرون في اللجنة الرباعية الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة يخططون لدعوة العديد من أطراف الصراع الإسرائيلي-العربي إلى الاجتماع بالقرب من واشنطن في شهر نوفمبر.

المشكلة هنا أن ذلك الصراع لم يقترب حتى من النضوج الذي يسمح له بقبول الحل، وتجاهل هذه الحقيقة من شأنه أن يقودنا إلى الفشل، إن لم يكن إلى الكارثة.

يتألف النضوج من عناصر عديدة: فلابد من وجود صيغة مشتركة تتبناها الأطراف المشاركة، ولابد من تفعيل العملية الدبلوماسية اللازمة للوصول بالأطراف إلى هذه النقطة، ولابد من توافر القدرة والإرادة لدى الأطراف المختلفة للتوصل إلى اتفاق.

ليس من الواضح ما إذا كان أي من هذه العناصر متوافراً في الشرق الأوسط اليوم. والحقيقة أن الكثير قد قيل أو كُـتِب عن الكيفية التي قد يكون عليها «الوضع النهائي» أو السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا أن عدداً من الخلافات المهمة ما زالت قائمة بشأن الحدود، ووضع القدس وما تضمه من أماكن مقدسة، وحقوق اللاجئين، ومستقبل المستوطنات الإسرائيلية، والترتيبات الأمنية.

ثمة أيضاً سؤال بشأن مسار العمل. فما هي الأطراف التي ينبغي لها أن تشارك في المفاوضات؟ وما هي القضايا التي يتعين على المفاوضين بحثها؟ وما نوع الأنشطة، بما في ذلك أعمال العنف وبناء المستوطنات، التي يتعين على الأطراف أن تمتنع عن القيام بها أثناء سير المفاوضات؟

في المقام الأول من الأهمية، لابد من تحديد وضع الزعامات المحلية. فقد يرغب محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في التوقيع على اتفاقية سلام مع إسرائيل، إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأنه في موقف يسمح له بعقد مثل هذه الاتفاقية. فقد خسر سلطته كلها في غزة، كما أصبحت قبضته ضعيفة على الضفة الغربية. وإذا كانت فلسطين دولة حقيقية فإننا قد اعتبرناها دولة فاشلة.

قد يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في موقف أقوى، إلا أنه غير ثابت وغير محدد المعالم حتى الآن. ذلك أن بقاء حكومة الائتلاف التي شكلها يرجع في الأساس إلى إدراك العديد من أعضاء البرلمان الإسرائيلي أنهم سوف يخسرون مقاعدهم في حالة عقد انتخابات مبكرة. والسؤال المطروح هنا هو ما إذا كان أغلب ما يستطيع أولمرت أن يقدمه، أو يرغب في تقديمه، قد يلبي الحد الأدنى الذي يستطيع عباس أن يقبله.

إن محاولات إنهاء الصراع في الشرق الأوسط في مثل هذا المناخ سوف تكون بلا جدوى. والمؤسف في هذا أن الفشل من شأنه أن يعزز قوة هؤلاء الذين يزعمون أن الدبلوماسية ليست أكثر من إهدار للوقت، سواء من الطرف الفلسطيني أو الطرف الإسرائيلي.

ماذا نفعل إذاً؟

في البداية، من الأهمية بمكان أن نتواضع في توقعاتنا؛ ذلك أن «النجاح» يحتاج إلى تعريف محدد ضيق. والأصوات التي تطالب بالاتفاق على أغلب العناصر الخلافية للتسوية السلمية النهائية ليست واقعية. فالاتفاق ببساطة على جدول أعمال يتضمن اجتماعات متابعة دورية يشكل في حد ذاته إنجازاً. وهنا لابد أن تضطلع الولايات المتحدة بدور ريادي؛ ذلك أنه ليس من المنطقي أن نتوقع من الأطراف أن تتوصل إلى الإجماع دون عونٍ خارجي.

ثانياً، لابد أن يشكل هذا الاجتماع نواة لعملية جادة، وليس مجرد حدث ينتهي بانتهاء اللقاءات. ومن الضروري أن نتجنب الجداول الزمنية الصارمة التي يؤكد التاريخ أن أحداً لن يلتزم بها. ولكن لا ينبغي لأحد أن يسير مبتعداً نتيجة لتشككه في صدق عزم الولايات المتحدة وأعضاء اللجنة الرباعية في الوصول بهذه العملية إلى النجاح في أسرع وقت ممكن.

ثالثاً، ليس من الممكن أن تظل العملية الدبلوماسية قائمة، فضلا عن نجاحها، وسط هذا التدهور اليومي للظروف على الأرض. ومن الأهمية بمكان أن يربط الفلسطينيون بين السلام والدبلوماسية وبين تحسن ظروفهم المعيشية. وهذا يتطلب تحسين الحالة الأمنية وزيادة تدفقات المعونة والاستثمار، ووقف مصادرة الأراضي التي توحي بكذب الوعود بشأن قيام الدولة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه يستحق الإسرائيليون أن يتحسن وضعهم الأمني.

رابعاً، لابد من منح الفرصة للأطراف التي لن تحضر الاجتماع للانضمام إلى العملية في وقت لاحق. إن العائق الأكبر أمام «حماس» وغيرها يتلخص في الالتزام الواضح بالتخلي عن العنف المسلح في ملاحقة الغايات السياسية.

خامساً، ليس من العدل أن ننتظر من الزعامة الفلسطينية أن تجازف من أجل السلام دون الحصول على الحماية السياسية اللازمة. وهذا يعني أن الحكومات العربية، بقيادة مصر والأردن، وبمشاركة المملكة العربية السعودية والدول الأعضاء الأخرى في جامعة الدول العربية، لابد أن تعلن صراحة عن استعدادها لدعم السلام القائم على التعايش السلمي مع إسرائيل. ومن المفيد أيضاً أن تؤكد الدول القادرة على استعدادها لتوفير الأرصدة المالية اللازمة للمساعدة في بناء الدولة الفلسطينية وإعادة توطين اللاجئين وهؤلاء الذين سوف يعيشون في المستوطنات التي سيتم إخلاؤها طبقاً لأي اتفاقية سلام.

قد يبدو هذا التناول متواضعاً أكثر مما ينبغي، إلا أن الوقت لم يحن بعد للطموحات الكبرى. فلقد تدهور سياق السلام في الشرق الأوسط بصورة حادة خلال الأعوام السبعة الماضية منذ نجحت إدارة كلينتون في الجمع بين الأطراف. فالزعامات الفلسطينية والإسرائيلية اليوم أضعف كثيراً مما كانت عليه الزعامات السابقة؛ و«حماس» تسيطر على قطاع غزة؛ هذا بالإضافة إلى بناء المزيد من المستوطنات والجدار العازل؛ وإيران ازدادت نفوذاً، والولايات المتحدة غارقة في مستنقع العراق، فضلاً عن خسارتها مكانتها في المنطقة بالكامل.

هذه ليست دعوة إلى التقاعس، فالإهمال في الشرق الأوسط لن يقود العالم إلى نتائج حميدة. ولكن من الأهمية بمكان ألا تؤدي المساعي الجديدة إلى المزيد من الضرر بدلاً من الخير. والحقيقة أن تجنب الفشل قد يكون في بعض الأحيان هدفاً أفضل من الإصرار على تحقيق النجاح الكامل. وهذا ينطبق تماماً على الشرق الأوسط اليوم. لذا يتعين على الدبلوماسيين اليوم أن يتذكروا تحذير رجل الدولة الفرنسي العظيم تاليران: «احذروا من الإفراط في الحماسة».

 

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ومؤلف كتاب «الفرصة: اللحظة التي تستطيع فيها أميركا أن تحول مسار التاريخ».«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top