جامع عمرو بن العاص... أول محكمة إسلامية في مصر

نشر في 16-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 16-09-2007 | 00:00
No Image Caption
يأتى جامع عمرو بن العاص زمنيا في الترتيب الرابع بين المساجد الألفية، حيث سبقه كل من مساجد المدينة والكوفة والبصرة، وشيده عمرو بعد فتح مصر في سنة 21 هـ (642 م) وجعله بحذاء نهر النيل الذي اصبحت ضفته بمثابة الجدار الشرقى للجامع الذي يعرف بالجامع العتيق وتاج الجوامع (25 × 15 مترا) كانت كلها مظلة للصلاة مغطاة بسعف النخل والخشب وكان السقف مرتكزا على جذوع نخل ولم يكن للجامع صحن.

وحسب أقوال المؤرخين، فإن بناء الجامع الاول كان شديد البساطة، اذ تخلو جدرانه من الزخارف، ولا يوجد به محراب مجوف او مئذنة، وله بابان في الضلع الشمالى وآخران مثلهما من ناحية ارض الامارة، وعندما اتخذ عمرو بن العاص فيه محرابا كتب اليه عمر بن الخطاب يأمره بكسره، قائلا له «اما يكفيك ان تقوم قائما والمسلمون جلوس تحت عقبيك» فكسره. ولكن يقال انه أعاده فور وفاة الخليفة عمر بن الخطاب.

ورغم ان عدد الصحابة الذين اجتمعوا على اقامة اتجاه القبلة فيه يقدر بحوالي ثمانين صحابيا، الا ان اتجاه القبلة لم يكن محددا بدقة واضطر المسلمون في وقت لاحق الى تحديد القبلة. وقد ظل الجامع محتفظا بمساحته ومعالمه الأولى حتى العام 53 هـ (672م) عندما قام الوالي الأموي مسلمة بن مخلد الأنصاري بهدمه وأعاد تشييده بعد زيادة مساحته ليستوعب اعداد المسلمين المتزايدة، وفي هذه المرة تمت زخرفة الجدران والأسقف وزود الجامع لأول مرة بأربع صوامع للمؤذنين في اركانه وفرش كذلك بالحصر بدل الحصباء.

وتوالت أعمال التجديد والاصلاح فيه خلال العصر الأموي فعمره الوالي عبد العزيز بن مروان وزاد من مساحته في سنة 79 هـ (698م) وهدمه الوالي قرة بن شريك العبسي في سنة 93 للهجرة (710م) واعاد بناءه بعد زيادة رقعته وتصحيح اتجاه المحراب الذي شيد على هيئة حنية مجوفة لأول مرة ووضع به منبرا خشبيا واحدث به المقصورة وذهب تيجان اربعة اعمدة تجاه المحراب، كما فتح ابوابا في اضلاعه عدا جهة القبلة.

ورغم ان العباسيين شيدوا مسجدا جامعا جديدا بوسط العاصمة الجديدة (العسكر) الى شمال الفسطاط، فانه لم يهملوا امر الجامع العتيق، اذ عمره ووسعه صالح بن علي والي مصر العباسي في سنة 133 هـ (750م).

ووصل الجامع الى مساحته الحالية في سنة 212 هـ (827م) على يد القائد عبد الله بن طاهر الذي ارسله الخليفة المأمون الى مصر للقضاء على اسرة السري بن الحكم الذي اغتصبت حكم مصر منذ سنة 200 هـ وتعادل الزيادة التي اضافها عبد الله بن طاهر مساحة كل الاعمال السابقة في الجامع. وقد احتفظ جامع عمرو بهذه المساحة حتى اليوم وهي عبارة عن مستطيل يبلغ طوله 120.5م وعرضه 112.5م، اي ان مساحته تقترب من 15 ألف متر مربع. بيد أن اعمال

عبدالله بن طاهر احترقت عن آخرها تقريبا اثناء الحريق الذي اجتاح الجامع في عام 275 هـ (888م) فقام الوالي الطولوني خمارويه بن احمد بن طولون بتجديده واكمل محمد بن طنج الاخشيد زخرفته في سنة 324 للهجرة (935 م).

ولاقى الجامع عناية خاصة من الخلفاء الفاطميين، فزوده الحاكم بأمر الله بمصاحب وربعات وبتنور فضي ضخم، كما عمره في سنة 406 هـ (1015م) وفي سنة 438 هـ (1046 م) امر الخليفة المستنصر بالله بعمل منطقة من الفضة في صدر المحراب الكبير وجعل لعموده المحراب اطواقا من الفضة، كما زود بعد ذلك بأربع سنوات بمقصورة خشبية وبمحراب متنقل من خشب الساج المنقوش بعمودين من الصندل.

وانتهى هذا الازدهار الذي عرفه الجامع في العصر الفاطمي بكارثة الفسطاط الشهيرة عندما احرقت في سنة 564 هـ (1168م) اثناء النزاع بين الوزيرين شاور وضرغام خوفا من اقتحام الصليبيين لمصر وأدى تدمير المدينة الى اهمال امر جامع عمرو وتشعث جدرانه وانهيار اسقفه.

ولم يتح النشاط الحربي المتزايد في العصر الايوبي للجامع ان ينعم بأعمال اصلاح مهمة الا لمرة واحدة على يدي صلاح الدين الايوبى سنة 568هـ (1172م) وان جدده سلاطين وامراء المماليك خمس مرات، اولاها على يدي الظاهر بيبرس البندقداري وآخرها تمت في عهد السلطان قايتباي سنة 876 هـ (1471م)

أما آخر التجديدات الأثرية في جامع عمرو ، فهي تلك التي امر بها مراد بك في عام 1212 هـ (1797م) ويذكر الجبرتي ان بعض اليهود اوعز اليه انه سيجد كنزا ضخما عند تجديده للجامع وهو ما دفعه لتجشم اعباء هذه العمارة.

ومهما يكن من امر الدافع وراء مسلك مراد بك فإن ما قام به يعتبر من أسوأ ما نزل بالمسجد، فقد تم الترميم على صورة غير علمية ولا هندسية وأضرت بهيئة المسجد وبعض اجزائه.

وجدد الجامع ايضا في سنة 1922م وتم التنقيب في ارضيته عن اصول تخطيطه والتي تمت وفقها اعمال الترميم التي اعادت الجامع الى هيئته.

ويتألف تخطيط الجامع الآن من صحن اوسط مكشوف تحدق به اربع ظلات للصلاة اكبرها واعمقها ظلة القبلة التي تتكون من سبعة اروقة حملت عقودها على عمد رخامية تم نقلها من عمائر قديمة اما الظلتان الجانبيتان فتتكون كل واحدة منهما من خمسة اروقة، في حين يبلغ عدد اروقة الظلة الخلفية سبعة اروقة.

ومن المعروف ان الجامع كان يقوم بالاضافة الى وظيفته كمسجد يؤدي المسلمون فيه الصلوات بعدة وظائف اخرى فكانت به اول محكمة للمسلمين، كما كانت تعقد به جلسات المحاكم الشرعية في العهد العثماني وكانت جلسات المحكمة القديمة تعقد في زيادة الجامع الغربية الموجود في جزء منها الان المحراب الجصي الخارجي.

كذلك، كان بالجامع بيت المال وحسبما وصفه الرحالة ابن رسته في القرن الثالث الهجري (9م) فقد كان مكانه امام المنبر وهو شبه قبة عليها ابواب من حديد.

وقد اطلق على اماكن حلقات دروس كبار العلماء بالجامع اسم (زوايا) فعرف درس الامام الشافعي بزاوية الامام الشافعي لانه كان يدرس فيها الفقه، ومنها الزاوية المجدية نسبة الى واقفها مجد الدين ابي الاشبال بن الحارث بن مهذب الدين المتوفى سنة 628 هـ (1230م) وكانت في صدر الجامع بجوار المحراب الكبير، وكان يقام بالجامع حلقات دروس ووعظ للسيدات تصدرتها في ايام الفاطميين على عهد الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله واعظة زمانها ام الخير الحجازية وقد توقف الجامع عن اداء وظيفة التدريس منذ القرن التاسع الهجري (15م).

وقد ظل جامع عمرو بن العاص حتى احترقت الفسطاط في نهاية العصر الفاطمي مقرا لعقد المزايدات حول قبالات الاراضى الزراعية، اي اداء حقوق خراجها لبيت المال ثم متابعة تحصيل ذلك من الفلاحين والمزارعين.

وخلال السنوات القليلة الماضية تم ترميم الجامع وإعادته الى رونقه القديم، كما نظمت به بعض الدروس الدينية وهو اليوم من اشهر المساجد الجامعة في مصر حيث يستقطب العديد من مشاهير العلماء ورجال الدين.

back to top