اليونان... ونحن

نشر في 09-08-2007
آخر تحديث 09-08-2007 | 00:00
 إيمان علي البداح

متى ستبدأ المساجد والجماعات الدينية في تسخير أموالها لما فيه المصلحة العامة بدلاً من دعم الإرهاب وترسيخ التطرف والتعصب؟

اليونان -كمهد لأعرق الحضارات الإنسانية- تزخر بالكنوز الأثرية والمواقع التاريخية. ففي العاصمة أثينا فقط ما يزيد على 50 متحفاً وعشرات من المواقع التاريخية مثل؛ «الأكروبليس» ومعبد «زيوس»، والسوق القديم، وأول ملعب أولمبي، وصخرة القديس بولس، والمئات من الكنائس والمعابد التاريخية. وأغلب المواقع الأثرية منقبة بالكامل. وتقع كلها ضمن برامج مسهبة من الترميم الذي يُمول من قبل اليونسكو والاتحاد الأوروبي وقطاع كبير من الشركات والمؤسسات الخاصة الربحية وغير الربحية. ومن مشاريع الترميم الحديثة ترميم كنيسة جمعت لها كنائس اليونان ما يزيد على خمسة ملايين يورو.

وعند زيارتك أي متحف لا يسعك إلا أن تعجب بالنظافة والنظام ودرجة المهنية في العرض والخدمة، بما في ذلك المكتبات ومراكز المعلومات والبيع. ورغم تفاوت المتاحف في حجمها وتعقيدها، فإنها تزخر جميعها بالخرائط الواضحة والتعليمات المفصلة باللغتين اليونانية والإنكليزية، على الأقل.

أما المواقع التاريخية، فهي تحت حماية صارمة لوقف مسلسل النهب الذي عانته خلال عقود الاحتلال والحروب. ولا تختلف عن المتاحف بدرجة النظام والترتيب وتوافر الخدمات الأساسية مثل الإرشاد السياحي (بلغات العالم كلها) ومشارب الماء ودورات المياه ومراكز البيع والبحث والاستعلام.

ومن ناحية أخرى، خاضت اليونان معارك دبلوماسية وقانونية طاحنة وفي العديد من الجبهات، معظمها مع بعض دول الاتحاد الأوروبي؛ مثل انكلترا وإيطاليا، لاستعادة كنوزها التي سُرقت من قبل السفراء وجنرالات الحرب وتجار السوق السوداء، وانتهى بها المطاف في متاحف تلك الدول. وبدأت اليونان تكسب قضاياها القانونية في المحاكم الدولية واستعادت بالفعل بعض إرثها من متاحف أوروبية وأميركية.

ما هو شعور اليونانيين يا ترى، وهم يرون الاتحاد الأوروبي يدعم ثقافتهم وتاريخهم واقتصادهم؟ وما مدى ثقتهم في كنائسهم التى تدفع مبالغ جزيلة لحفظ حقوقهم التاريخية وحماية رموز عقيدتهم؟ وما هي درجة الرقي والحضارة التي تسمح لدولتين أن يتعاركا في المحاكم الدولية من جهة، وأن يتعاونا على الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية، من جهة أخرى؟

أين نحن كعرب ومسلمين من كل هذا؟ متى سيأتي اليوم الذي نرى فيه علم مجلس التعاون الخليجي أو – لا سمح الله – علم جامعة الدول العربية يرفرف على مشاريع ثقافية وتاريخية تحفظ هويتنا وتبرز للعالم دورنا في سفر التاريخ؟

متى ستبدأ المساجد والجماعات الدينية في تسخير أموالها لما فيه المصلحة العامة بدلاً من دعم الارهاب وترسيخ التطرف والتعصب؟ متى سنرى الجماعات تبني مشاريع ثقافية واجتماعية تنموية وفعالة بدلاً من «تفريخ» المساجد و«زراعة» الإرهابيين في مناطق المجاعات والأمراض والتخلف الاجتماعي والاقتصادي؟

هل سيأتي اليوم الذي ترقى فيه حكوماتنا للنزاع والاختلاف ضمن حدود المهنية والآداب الدبلوماسية والعقل والمنطق؟ وهل من الممكن أن تتعارك حكوماتنا على جبهات وتتفق وتتعاون على جبهات أخرى غير قمع الشعوب وتعزيز الدكتاتوريات؟! أم أنه ولى زمن المعجزات؟

***

سؤال جانبي: بعد ألف عام من اليوم، ما الذي ستعرضه متاحف الكويت (إن وجدت) عن عصرنا هذا؟ ما هو الأثر التاريخي الذي سنتركه لذلك الجيل؟

ملاحظة: الإلكترونيات اليابانية والسيارات الأميركية والأثاث الأوروبي... لا تُعد آثاراً كويتية!

back to top