خذ وخل: ماراثون التهاني الرمضانية!

نشر في 30-09-2007
آخر تحديث 30-09-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

صحيح أننا نتغنى جميعاً بقولة «الله لا يغير علينا» بمناسبة ومن دونها، لكن دوام الحال من المحال، لاسيما أن الدواوين تتكاثر مثل الفطر والأرانب والقطط! فبات الآن لكل مواطن ديوانية... اللهم زد وبارك! والأنكى من ذلك أن بعض العائلات صار لها أكثر من ديوانية! زد على ذلك ديوانيات النساء التي اقتحمت فضاء التواصل، وفي سبيلها للانضمام إلى الماراثون إياه! والويل لنا نحن معشر المهنئين من زعل حواء وعتابها!

غبطت بشدة، حيوية وفتوة ونشاط السفير العربي الذي تمكن من زيارة 250 ديوانية، خلال الأيام التي انصرمت من رمضان الكريم، ورحت أضرب أخماساً في أسداس علَّني أعرف سر هذه القدرة الخارقة التي مكنته من ممارسة «ماراثون» التهاني الرمضانية في غضون هذه المدة القصيرة! قلت لنفسي وأنا أحاورها: لعل مرد هذه الحيوية المعجزة يكمن في أن قوم سعادة السفير يطعمون «الحمص والتبولة، وزنود الست والمحاشي والمشاوي» وغيرها من لذائذ المطبخ الشامي (لبنان فلسطين سورية الأردن) التي تحتشد بها موائد الإفطار!

وتوقفت ملياً عند بيض الغنم «المخاصي كرّمكم الله» لكونها شهية ويزعم أنها تساعد على الباه والفحولة والنشاط! لكني استبعدت هذا السبب لأني لم أسمع أو أقرأ أن بقية السفراء الشوام قد حققوا الرقم القياسي الفلكي الآنف الذكر!

والحق أني لا ألوم سعادة السفير لأنه يستجيب للقول المأثور «إذا كنت في روما فتصرف كما يفعل أهلها».

ذلك أن أغلب المهنئين مشتركون في الماراثون الرمضاني المحموم، ومن ثم يشرعون في الشكوى من صعوبة المهمة لكثرة الدواوين وتناميها وزيادتها سنة تلو أخرى، وإني أتساءل ببراءة شديدة كيف يمكن للمشتركين في «ماراثون» التهاني تحقيق هذا الفعل المعجز، من دون أن يصاب أحدهم بعارض صحي، من جراء هذه الفعلة الاتصالية البرقية، التي تنم عن عجالة لها العجب؟!

قلت لنفسي ثانية: لعل المهنئ من هؤلاء «الماراثونيين» يكتفي بأن يطل برأسه، عند مدخل الديوانية، قائلا: السلام عليكم.. عساكم من عواده! ثم يغادرها مسرعا إلى ديوانية أخرى!

والحق أن عادة التواصل الأصيلة الجميلة، المتبدية في زيارات الدواوين، في سبيلها إلى أن تتحول من تواصل إلى اتصال يتم بإيقاع سريع لاهث يقطع الأنفاس، ويرفع الضغط والسكري والأملاح وغيرها من العلل التي يكابدها الكويتيون!

إن الذريعة التي يتكئ عليها المهنئون الماراثونيون تكمن في أن عدد الدواوين في دولة الكويت وضواحيها بات فلكياً يصعب على الإنسان العادي زيارتها كلها... أو جلها، الأمر الذي يتمخص عنه بداهة «زعل» وعتب أهالي الدواوين التي يستحيل على المرء زيارتها. لكن المؤسف هنا أن العذر مرفوض قطعياً ولا مجال فيه لدحرجة أي مبرر يقال في هذا السياق!

وقد حاول بعض أهالي الدواوين تنظيم عملية التهاني، في رمضان الماضي بحيث يجتمع أهالي كل قطعة سكنية في ديوانيتين مثلاً، لكن الاقتراح أخفق وفشل فشلاً ذريعاً... كما هو متوقع! ذلك أن هذا الخيار «الزين» المريح للجميع يسلب من أهالي بقية الدواوين الجماهيرية التي يحظون بها في دواوينهم الخاصة! ومن هنا تحولت عادة التواصل «الزينة» إلى اتصال برقي سريع بإيقاع... «الفمتو ثانية» مولاة الدكتور «زويل» -طال عمره الإبداعي!- فتجد المهنئ يقوم بالتهنئة، مكتفياً بحسوة قهوة مرة عاجلة، غير عابئ بالتعطر بالبخور ولا عادة «ليس بعد العود قعود»! فتراهم يغادرون بينما حامل المبخرة يلاحقهم إلى مخرج الديوانية... وربما إلى مواقف السيارات!

وقد صارت تهاني المناسبات مجرد حضور شكلي لرفع العتب، وتسجيل «موقف» اتصالي اجتماعي على الطاير «المينون» الذي كان ميموناً!

ولأن الاقتراح المذكور آنفا أخفق في تحقيق «اللمة» الجماعية التواصلية التي تُمكن الجميع من تهنئة الجميع، فإنه يستحيل علينا اقتراح قاعات الأعراس مكاناً لتبادل التهاني، لظني أنها مرفوضة هي الأخرى، ولن يقبل بها سوى القلة القليلة من الناس، لذا لا مناص ولا خلاص من هذا الماراثون المرهق جداً، سوى باللجوء إلى استحداث بدعة تواصلية حديثة تتبدى في اللجوء إلى تقنية «الإنترنت» حيث يتم تبادل التهاني بفعل «الشاتينغ» وكفى الله المهنئين عناء ممارسة «الماراثون»، الذي أفرغ قيمة التواصل من كل ما تنطوي عليه من قيم جميلة! فهي تحقق غاية رفع العتب، ومهمة تسجيل الموقف... بسهولة ويسر، وبلا عناء يذكر!

صحيح أننا نتغنى جميعا بقولة «الله لا يغير علينا» بمناسبة ومن دونها، لكن دوام الحال من المحال، لاسيما أن الدواوين تتكاثر مثل الفطر والأرانب والقطط! فبات الآن لكل مواطن ديوانية... اللهم زد وبارك! والأنكى من ذلك أن بعض العائلات صار لها أكثر من ديوانية! زد على ذلك ديوانيات النساء التي اقتحمت فضاء التواصل، وفي سبيلها للانضمام إلى الماراثون إياه! والويل لنا نحن معشر المهنئين من زعل حواء وعتابها!

والمشكلة العويصة، كما ترون، في سبيلها إلى أن تكون «شرباكة» عصية على الحل.

وقد تبدو هذرة العبد لله طافحة باليأس والتشاؤم أكثر مما ينبغي... ليكن! ذلك أن التشاؤم هنا يتكئ على الانقلاب المذهل الذي اقتحم حياتنا اليومية، بكل ما تنطوي عليه من قيم وعادات وتقاليد وطقوس... لم توفر شيئاً يحدث في حياتنا. خذ مثلا: التطور المذهل الذي حدث في لهجتنا العامية، فأولادنا وأحفادنا صاروا يجهلون قاموس اللهجة العتيقة التي كانت حاضرة إلى حين عقد السبعينيات!

وقد يحتاجون الآن، في الألفية الثالثة، إلى «مترجم» من الجيل المخضرم يفسر لهم الأحاجي والطلاسم التي «يرطن» بها الممثلون المسرحيون في مسرحيات «الأسود والأبيض» والتي اختفت تماماً من سياق حديثنا اليومي!

من هنا فإن اقتراح إخوتنا في «الضاحية والفيحاء» الذي طرحوه العام الماضي حري بالانصياع له، والترحيب به، إذا كنا حريصين على حضور قيمة التواصل واستمرارها... والتخلص من عادة الاتصال البرقي الذميم!

back to top