زرقاء اليمامة: أقدارنا أم اختياراتنا؟

نشر في 30-11-2007
آخر تحديث 30-11-2007 | 00:00
نستطيع أن ننجح بالاجتهاد للوصول إلى كل ما نصبو إليه، ولو كان صغيراً فإنه بالمثابرة يكبر، فلا نتطور بمجرد الأماني ونحن قابعون في أمكنتنا ننتظر القدر حتى يُسقِط علينا كل ما نريد، فالقدر ليس بشجرة تُسقِط ثمارها دونما جهد.
 الجوهرة القويضي يعتقد أغلبية البشر بالقضاء والقدر، ويتجاهلون إرادتهم واختيارهم، ومع بداية اتصال الإنسان بالمجتمع أعتقد أن القدر يتحكّم في نصف أعماله وأن الإرادة تتحكم في النصف الآخر، واعترف فلاسفة اليونان وعلماء المسلمين بذلك، الذين أطلقوا على اسم القدر «الموجود الواجب الوجود» وقالوا إنه بداية كل شيء ونهاية كل شيء، وهو الله الموجود وجوداً ذاتياً وليس له زمن لأنه خالق الزمان وليس له مكان لأنه خالق المكان، ولذلك هو موجود قبل الزمان وقبل المكان، وهو خالق الكون، ولكنه لا يشبه الكون، لأن الكون مادة والله ليس مادة، لأن المادة مخلوقة وهي تتغير وتتطور.

لن أخوض في ما وراء الأسرار الإلهية وما تسمى بالميتافيزيقا، ولكنني سأخوض في الأسرار الإنسانية وأسرار حدوث الأشياء من حولنا، قد تتوقف مساراتنا في شيء وتنطلق في أشياء أخرى وبعد زمن تبعث المسارات المتوقفة! فما نفسر هذا الحدث؟ هل هو القدر أم الاختيار؟ فمثلاً قد يبدأ موهوب بالرسم وموهبته في غاية الجمال وينقطع عنها لأنه قد أوجد في حياته مهنة تجاريةً مثلاً أشغلته وأخذت كل وقته، وفجأة يبدأ بالرجوع إلى هواية الرسم ولو بعد سنوات طويلة فما تفسير ذلك؟ هل هو قدره أم اختياره الذي فرض عليه أن يبعث هوايته لأن الهواية لا تنام بل تبقى يقظة ولو بعد حين من الزمن؟ والأمثلة كثيرة في تلك النواحي، فعدة تساؤلات تنحدر من ذلك المنوال: يتزوجون بلا رضا ويقولون قسمتنا ونصيبنا بالرغم من أنها اختياراتهم ويلوكونها بالقدر، إنهم يعلّقون كل أخطائهم بالأقدار، وهناك أناس قدريون فيرمون كل ما يحدث لهم في قفص القسمة والنصيب، فمثلاً الأشياء الموجودة في بيتك لا تتحرك مادمت لا تحركها ولا تُغيّرها، ولو تركتها سنوات في نفس المكان فلا تتغير إن لم يأت آخر ويغيرها، والمعنى من ذلك أننا إن لم نتحرك لتحريك أمورنا فإننا لا نتحرك ونظل كما نحن.

ثمة أشياء في محيط كل إنسان عبارة عن مسارات وطرق يتم اختيارها، ولكل قرار اختيار، بمعنى في حياتنا مسارات عديدة أو بالأحرى خطوط أو طرق هي اهتماماتنا، يتم إقرارها ومن ثم نختارها ونقبل بها، تلك هي قراراتنا واختياراتنا، شيء واحد لا نملك إقراره واختياره وهو الموت، وما سواه فهو من ضمن قراراتنا واختياراتنا، حتى السعادة وتوفير مكان وثير لها واستقبالها بأيدينا، هم وحدهم الضعفاء دائمو اللوم بإضافة كل شيء إلى القدر والحظ الشقي، نستطيع أن نلعق العسل الشهي بإرادتنا، ونستطيع أن ننجح بالاجتهاد للوصول إلى كل ما نصبو إليه، ولو كان صغيراً فإنه بالمثابرة يكبر، فلا نتطور بمجرد الأماني ونحن قابعون في أمكنتنا ننتظر القدر حتى يسقط علينا كل ما نريد، فالقدر ليس بشجرة تسقط ثمارها دونما جهد.

وأخيراً الخلاصة لكل قرار اختيار ولكل اختيار حياة ارتضيناها فلابد من معايشتها أو اختيار حياة أخرى، ورغم كل قراراتنا التي نسعد بها أو لا نسعد فإننا نظل نصبو إلى أن يكون القادم أجمل.

وقفة شفافة:

دهشة ترتشف صمتاً، فما يفسر على بساط الوضوح ويكشف دخيلته هو حاجاته الفعلية، فكيف إن لم يكن بشواهده يقتفي أثر منتفيات مجتمع يلفه السواد. هجر بلا وداع ولا مراسيم ولا استئذان، عبق يأتي وآخر ينتظر القدوم.

back to top