الوجه الآخر لمدام كلينتون! 1-2
أثارت فضيحة المتدربة الشابة مونيكا لوينسكي مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عاصفة سياسية وأخلاقية كبيرة، ليس داخل البيت الأبيض فحسب، بل داخل البيت الأميركي، وكادت الفضيحة «مونيكا-غيت» تزلزل البيت العائلي الذي اهتز لأكثر من مرة ومع أكثر من امرأة، ولكن مونيكا وحدها خلقت عاصفة فاقت إعصار النينو، وقلبت البيت الأبيض إلى بيت رمادي. مثل تلك الفضيحة مع موظفة أو سكرتيرة الرئيس، هشمت قلب امرأة أخرى هي زوجة الرئيس وفتاة يافعة هي ابنته. في وقتها الربيع تحول خريفاً، والابتسامة الخارجية للكاميرات ليست إلا «مكياجاً» للتمثيل الاجتماعي والبرتوكولي. وتوزع حديث المدينة إلى أن بلغ فضاءات واسعة من التخيلات والإشاعات وأبسط الأسئلة تلخصت في سؤال واحد محدد: ما الذي ستفعله هيلاري كلينتون السيدة الأولى لدولة عظمى بحجم الولايات المتحدة الأميركية؟ ومالت الأوساط المغرضة والمعادية إلى التكهنات التي تناسبها، مثلما فضلت الأوساط الصديقة للحزب الحاكم، الحزب الديموقراطي والأصدقاء المقربين للرئيس امتصاص المشكلة إلى أقصى حد وتطويقها إلى أبعد الحدود ومداراة الخسائر الجسيمة إنسانيا وسياسيا.في تلك الآونة توقع الكثيرون أن سيدة البيت الأبيض ستحمل حقيبتها وتغادر تاركة للرئيس فراشه خاوياً وورقة وداع نهائية تنتهي بالطلاق الرسمي في مكتب المحامي، ولكن الشخصيتين ليستا عاديتين، لا الزوج الخائن ولا الزوجة المطعونة في كرامتها. المهم أن هيلاري كانت أكثر من كونها امرأة ذكية وتنظر أبعد من مساحة عاطفتها المنتهكة، وإسقاط جدران البيت بمعول الغضب معناه سقوطها في نهاية المطاف وانهيار عائلتها الصغيرة.ما توقعه الكثيرون لم يحدث، مثلما أيضا لم يستمع الجميع إلى تفاصيل الفضيحة وتداعياتها على مشاعر هيلاري وانفجاراتها العاطفية الصامتة. من هنا كان لابد من كتابة مذكراتها كسيدة أولى لمجتمع ودولة متشابكة في مهماتها وقضاياها، ولكن الأهم المشهد الداخلي لبيت الرئيس المتصدّع والواقف على كثبان من الرمل يومذاك.هكذا تفرغت هيلاري كلينتون عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية نيويورك لمدة سنتين تكتب كتابها «التاريخ الحي» الذي حقق لها دخلاً قدره ثمانية ملايين دولار، ولو لم تكن زوجة رئيس دولة عظمى لما كانت لرائحة الخيانة قيمة تاريخية، ففي كل يوم يخون الملايين من الأزواج زوجاتهم في أنحاء العالم والعكس صحيح، وسلوك باتت فيه الخيانة في المجتمعات الغربية مسألة عادية تنتهي بمصالحة وودية، ولكن خيانة الرئيس تحمل أبعاداً سياسية، وتشكل ورقة ولعبة انتخابية لتشويه سمعة الخصم المنافس.كلينتون، في أثناء تحقيق «ستار» معه في تلك الفضيحة اعترف بفعلته الشائنة، بعد أن ظل لوقت طويل يكذب ويناور ويتملص. ثماني سنوات في البيت الأبيض عرفت جدرانه أفعال وفضائح فاقت التصور، كتاب «التاريخ الحي» لا يؤرخ لقضايا تستحق إعادة النظر فيها، ولكنها تصبح للمجتمع الأميركي مسألة مثيرة للفضول، كأي فيلم هوليوودي يبعث على الإثارة، ويفترض معرفة نهايته. لهذا اندفع الشعب الأميركي بقوة لقراءة خبايا العلاقة الزوجية والمرارة وقت الفضيحة الكبرى مع مونيكا، وسواء أصبح الكتاب صاحب أكبر رقم قياسي ذلك العام أم لا، فهو على الأقل نجح في اجتذاب القراء المولعين بقصص الفضائح في البيت السياسي أو في قمة البيوتات الثرية المغلقة. وإذا ما عرفنا أن الحملة الترويجية للكتاب من قبل الدار التي حصلت على حق النشر، لعبت بمشاعر القراء من خلال نشر مقتبسات من الكتاب، بحيث ركزت الدار على الجزء المتعلق بالفضيحة.من دون شك فإن الكتاب ليس بمجمله يتمحور حول الفضيحة، ففي الوقت الذي يحتل الموضوع بين الرئيس ومونيكا حجما صغيراً، فإن هيلاري كسيناتور في الكونغرس وشخصية طموحها يمتد إلى الترشيح لمنصب رئاسة الولايات المتحدة، فلابد من التركيز على برنامجها السياسي والاجتماعي، كقضية الأطفال ووضع النساء في العالم والاهتمام بالعدالة الاجتماعية. وبعيداً عن سطور السيرة الذاتية لسيدة تحكي تجربتها لثماني سنوات في البيت الأبيض، فإن الأهم هو الكبرياء والشعور بالمهانة، وبمزاولة الكذب كلحظة ضعف إنساني.هيلاري لم تخف شعورها بأنها بكت عندما قال لها بيل الحقيقة، كما اغرورقت عيناه كزوج وأب خائن خصوصاً أن هيلاري أصرت على زوجها بمصارحة ابنته البالغة من العمر ثمانية عشر ربيعا. بين العاطفة والعقل، والمصلحة والتضحية، وبين الانتهازية السياسية والكرامة الإنسانية، اختارت هيلاري أن تبقى في البيت الأبيض لأنه يحقق لها صعوداً إلى سلك الكونغرس، ويحقق لها طموح العودة إلى البيت الأبيض كسيدة أولى، ولكن سيكون برفقتها هذه المرة زوجها الذي أدخلها إلى البيت الأبيض، وأدخلا كوابيس الخيانة والفضيحة في الشارع الأميركي، ولكنها سترد له الدين بحيث تعيده إليه، إذا ما ساعدها التاريخ والحظ والظرف الذهبي، وكما ادعت من قبل أنها تحضر نفسها لانتخابات الرئاسة لعام 2008، فإن حقائق حملتها الانتخابية تعزز ما قالته سابقا، وإذا ما نضجت الظروف وخدمها الناخبون فإننا -ربما- نجدها تدخل البيت الأبيض في الشهور القادمة.هيلاري مثل كل النساء امرأة من لحم ودم ومشاعر، وهي ليست أيضا مثل كل النساء فهي لها نوازعها وطموحاتها وحساباتها البراغماتية والتطلعات الشخصية للوصول إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض. إن أجمل ما في السيرة الذاتية في كتابها، أنها تتحدث عن قضاء عطلة معا بعد الفضيحة، حيث مشاعرها بدت متكلسة وغاضبة وفي حالة قطيعة وتوتر متناهٍ بقولها: «رافقنا الكلب «بادي» ليكون مع بيل، كان الفرد الوحيد في العائلة، الذي لم يجد مانعاً من صحبته». * كاتب بحريني