الأجرة الجوّالة... جريمة في حق الطريق المطر: عشوائية ويجب الحد منها وإعادة تنظيمها

نشر في 10-03-2008 | 00:00
آخر تحديث 10-03-2008 | 00:00

تقف أينما يحلو لها بشكل مفاجئ وتعوق السير، سائقوها مغمورو الخبرة، يتجولون بلا قانون ينظمها، معدل نموها في الشهر الواحد من 200 إلى 350 سيارة، تستهلك 80 ألف ساعة يومياً في الطرقات، هائمة بلا نقاط محددة أسوة بسيارات النقل العامة، إنها سيارات التاكسي الجوال.

ضوء أحمر ينير وجهك فجأة، من دون مقدمات أو اشارات، وأنت تقود سيارتك بأمان، صار من الطبيعي أن تقف سيارة أمامك في منتصف الطريق وبصورة مفاجئة، وعليك أن تظهر كل ما تملك من خبرة في القيادة كي تتفادى الاصطدام بها. في الشوارع الصغيرة، ولا يسعك أن تفعل شيئا سوى التبرم والحنق، بعد شكر الله على سلامتك، ومراقبة سائق سيارة الأجرة الجوالة وهو يفاوض زبونا محتملا أمامك في منتصف الطريق العام، وأصوات أبواق السيارات تتعالى خلفك وتمنحك مزيدا من الارتباك.

ربما يعتبر البعض ما سبق حادثة تحصل للسائقين، ومستخدمي الطريق، في فترات زمنية متباعدة، لكنها في الواقع أصبحت ظاهرة طبيعية، تتكرر بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا لمن يرتاد مناطق السالمية وحولي ومدينة الكويت، ويحدث أيضا في شارع الخليج صاحب الحارات الأربع، كما في طريق الدائري الرابع السريع.

خياط وسائق صهريج

«خشعل» سائق سيارة أجرة جوالة، باكستاني، كان يمتهن الخياطة قبل السواقة. استمر طوال الطريق في التذمر من فئة الشباب المراهقين في تعاملهم مع سيارات الأجرة الجوالة، وأخذ يردد المواقف السيئة التي حصلت معه «يرفضون دفع أجرة الطريق، ثم يرمون شتائمهم ويسيئون لكرامات السائقين قبل أن يولوا هاربين»، ويضيف متبرماً «في حالات أخرى بعد ايصالهم إلى منازلهم، تبلغ بهم الجرأة في تخريب سياراتنا، وسرقة السائقين بعد ضربهم» ولا يرى «خشعل» طائلا من الاتصال بالشرطة «الله كريم... دينار أو ديناران لا يستدعيان الاتصال بالشرطة» ويضيف بتهكم مرّ «حتى إذا افترضنا إلقاء القبض عليهم... أنا من سيبيت في مركز الشرطة، بينما سينامون في منازلهم».

محمد بلال سائق سيارة أجرة آخر، بنغالي الجنسية، كان يعمل في السابق سائق صهريج مياه. سيارته اليابانية الصغيرة مهترئة، تستطيع أن تُعرف من أصوات الكوابح التي تتعالى عند ضغطه على الفرامل، وعند سؤاله يقول إنه لا يستطيع إدخالها الصيانة بعد أن ضعفت إيراداته «يطلب صاحب المكتب سبعة دنانير يوميا، وتوفير هذا المبلغ ليس سهلا، ونفقات الصيانة يدفعها السائق من جيبه».

لم يمانع محمد من التدخين في السيارة، ولم يضع حزام الأمان ولم يسألني وضعه، طلبت منه التوقف في منتصف الشارع فنفّذ دون ممانعة... وقبل نزولي من السيارة حاولت ملاحظة عداد التسعيرة، كان الجهاز متدليا، معطلا، وبلا وميض، طلب مني دينارا ونصفاً كأجرة بعد أن طاف بي شارع سالم المبارك في السالمية مرتين، ذهابا وإيابا.

من أعطاهم رخصة القيادة؟

تمام عبدالباسط، مسؤول مكتب سيارات الأجرة تحت الطلب، أكد تلقي طلبات كثيرة تصله من قبل ركاب ضلوا العناوين والوجهات التي يريدون الذهاب إليها مع التاكسي الجوال، زبائن يتصلون وأكثرهم من الأجانب، يطلبون سياراتنا بعد أن ضلوا الطريق بركوبهم سيارات الأجرة الجوالة، ثم أضاف «انتظر قليلا، وستسمع بإذنيك طلب مساعدة بعد قليل».

عبدالباسط يريد أن يقول أن سائقي سيارات الأجرة الجوالة «غير مهيئين وعديمي الخبرة، ومنهم أيضا من لا يحمل إجازة قيادة عامة، وحتى من يحملها، غالبا لا يفقه شيئا في الطرقات، بالإضافةإلى أن جميع عناوين المناطق والشوارع مكتوبة بالعربية، إذاً كيف حصلوا على رخصة القيادة؟ « اذهب واسأل من أعطاهم!».

أبو أحمد مسؤول مكتب آخر للأجرة تحت الطلب، استغرب أيضا من كيفية اجتياز معظم سائقي «الأجرة الجوالة» لاختبارات الرخصة العامة، في حين أوضح أن مؤسسته تحرص على اختبار السائقين، وتشترط فيهم الخبرة وإجادة التحدث بلغة واحدة على الأقل، والقراءة بأخرى، حفاظاً على سمعة المكتب ومهنيته، فالمكتب هو المسؤول أولا وأخيرا، بينما لا تهتم بعض المكاتب سوى بالعائد المادي».

لغة الاحتيال

مايك مقيم أميركي، يعمل في شركة مقاولات، يمضي معظم أيام عمله في العراق، ضحك كثيرا عندما سمع موضوع سيارات الأجرة الجوالة في الكويت، ثم استرسل بذكر حادثة شخصية حصلت له عندما استعان بسيارة أجرة جوالة لتوصيله من سوق شرق إلى منزله «كان السائق آسيويا، لا يعرف الانكليزية ولا العربية، طلبت منه ايصالي الى منزلي في منطقة السالمية في شارع المطاعم المعروف، لكنني اضطررت للقيام بدور الدليل، حاولت بشتى الطرق شرح الشارع المعروف، لكنه لم يفهم، خسرت الكثير من وقتي لإرشاده خطوة بخطوة، قال لي إنه لا يعترف بعداد التسعيرة، وهذا هو النظام المعمول به هنا، فدفعت له أربعة دنانير نظير نقلي من سوق شرق إلى شارع المطاعم في السالمية، شعرت أنه محتال».

كان يفترض من خلال استحداث الأجرة الجوالة أن يكون العامل الأساسي في نقل كثافات الركاب من نقطة إلى نقطة، وأن تكون ميسرة ضمن المنظومة المرورية، لكن من خلال التطبيقات العملية لسيارات الأجرة الموجودة في الكويت وبلغت نحو 6495 سيارة حتى نهاية شهر نوفمبر2007، ومعظم قائديها من العمالة الآسيوية، التي تختلف ثقافتها المرورية عن الموجودة في الكويت، أصبحت عبئاً على الطريق وأخذت تتسبب في الكثير من الحوادث المرورية.

مصائب مرورية

ومن أهم الحوادث والمخالفات التي تمثل اختراقا لقوانين المرور، التوقف بشكل مفاجئ على حارات اليمين في منتصف الشوارع والطرقات بأنواعها، وعدم تقيدها بعداد التسعيرة باختلاقها تسعيرات أجرة مضاعفة، والجهل الواضح بالعناوين والمناطق، بسبب ضعف خبرات السائقين في جغرافية الطريق وعدم إجادتهم القراءة.

وأظهرت إحصاءات في نوفمبر عام 2007 أن عدد التصاريح التي منحت لسيارات الأجرة الجوالة كانت 343 تصريحا، يتراوح معدل هذه التصاريح بين 300– 350 تصريحا شهريا، مما يوضح مدى كثافة وجود هذه السيارات، وفي عام 2006 فقط أصدرت 88925 رخصة قيادة، منها 19961 رخصة للمواطنين و 68964 رخصة لسائقين غير كويتيين، ويمكن ملاحظة حجم رخص القيادة لغير الكويتيين ومدى كثافتها الخطيرة، بينما صدر في نفس العام 3284 تصريحا جديدا لقيادة سيارات الأجرة.

جغرافيا الطريق

رئيس جمعية السلامة المرورية بدر المطر، أكد أن سيارات الأجرة الجوالة «لم تقدم مساهمة فعالة في حل مشكلات الاختناقات المرورية، بل أصبحت سببا رئيسيا في زيادة الحوادث المرورية، وشكّلت عبئا على حركتها وانسيابيتها، وحساب معدل عمل هذه السيارات البالغ 12 ساعة يوميا، أي ما يعادل 80 ألف ساعة يوميا، ما يعني وجود 20 ألف سيارة خاصة في الطريق يوميا، نستنتج مدى استهلاك هذه السيارات للطريق، ودورها في الازدحامات، ولم تطبق حتى الآن خطة مجدية في التخفيف منها». وعن ضعف دراية سائقي الأجرة الجوالة بجغرافيا الطريق، قال المطر «ما يحصل لدينا أن الراكب هو من يقوم بإرشاد السائق، وهذه من الأخطاء الشائعة، ولايمكن أن توجد في أي دولة متحضرة، وهذايدل على عدم وجود تدريب ودراسة لجغرافيا الكويت، كما يظهر ضعف الدراية بالقواعد المرورية وأنظمتها، فيصبح السائق تائهاً في الطريق، مما يسبب إرباكا في حركة السير ويساهم في الحوادث المرورية، وإنزال سائقين بهذه المواصفات إلى الطريق، يعتبر جريمة في حق الطريق، غير أنهم ليسوا سائقين عاديين، بل هم سائقو أجرة فيُفترض أن يكونوا بلا خطأ».

عداد التسعيرة

توقف سيارات الأجرة بشكل مفاجئ في الطريق بحثا عن الركاب، يعتبر من أخطر ما يواجهه السائق الخاص في الطريق، سألنا المطر عن إمكان تطبيق قانون لتوقف الأجرة الجوالة في نقاط معينة في الشوارع أسوة بنقاط الباصات، الذي لاحظ ورود «الكثير من الشكاوى من مستخدمي الطريق ضد سائقي سيارات الأجرة واستهتارهم في القيادة، بينما نجد في الدول المتطورة أن الحارة اليمنى تستخدم لسيارات الأجرة والنقل والإسعاف والنجدة والمطافئ، ويكتب التحذير على الطريق. وكانت هناك فكرة لتطبيق هذا المشروع في الكويت، كي تساهم في انسيابية حركة المرور، لكنها لم تُطبق في الكويت».وأرجع اختراق القوانين في الكويت الى «عدم ثقافة السائقين بالقوانين المرورية، وانتقالهم من حارة إلى أخرى دون إشارة، وتوقفهم في حارات يمنع التوقف فيها، وكلها دلائل على عدم معرفتهم بالقوانين المرورية، وهذه من أكبر الأخطار التي نواجهها».

وفي ما يخص تجاوز السائقين للتسعيرة التي فرضتها الإدارة العامة للمرور، وعدم استعمال عدادات التسعيرة، قال المطر إن تحفيز مالك سيارات الأجرة، سائقيه على الاحتفاظ بالمبالغ المتبقية، بعد دفع مبلغ ثابت يوميا، يؤدي إلى شراهة السائقين وتجوالهم ليلا نهارا بلا توقف للحصول على مزيد من المكاسب، لتصبح القضية تجارية بالدرجة الأولى ودون رقابة محكمة».

وشدد المطر على ضرورة استخدام الأجهزة الالكترونية الحديثة، كما هو معمول به في دولة الإمارات العربية، على أن يكون هناك صندوق الكتروني معين في الطريق، يسحب منه الراغب بطاقة، وتأتي إليه سيارة الأجرة دون أن تجوب الطرقات بحثا عن الركاب، مع ربط هذه السيارات بالأقمار الصناعية كي تعمل وفق الطلب، وبذلك لا تستغل الطريق ولا تساهم في خلق الازدحامات المرورية التي نراها حاليا.

400 دورية تراقب 1.3 مليون سيارة

لاحظ رئيس جمعية السلامة المرورية أن «أجهزة الرقابة أقل بكثير من عدد المركبات. فلدينا سنويا 120,000 سيارة جديدة، و88,000 سائق ينزلون إلى الطريق، بينما لا نرى أي تنامٍ طردي من قبل أجهزة المرور ودورياتها مع عدد السيارات وسائقيها الجدد، فهل يُعقل أن تراقب 400 دورية 1,300,000 سيارة، إضافة الى مليون سائق تقريبا، من دون سيطرة على الازدحامات، بسبب العجز في الدوريات والأفراد، ولن يتم السيطرة على الاختراقات في شوارع الكويت إن ظلت النسبة متفاوتة بصورة كبيرة بين عدد السيارات والسائقين وعدد سيارات الرقابة».

شركة وأجهزة حديثة

تمتلك الشركات المتخصصة مركزاً لتدريب السائقين قبل دفعهم إلى الشوارع، يدربهم على القواعد المرورية وسلوك الطريق، وكيفية استخدام الأجهزة والخرائط الموجودة في السيارة للاستدلال على جميع المناطق. في حين إذا وجدت شركة لتنظيم سيارات الأجرة، رغم ضمها المتوقع، لأعداد ضخمة من السيارات، فلن تتحرك تلك السيارات إلا بركاب وبشكل منظم.

التعرفة المالية

عدادات الأجرة الجوالة أثناء الخدمة، التي وضعها قطاع شؤون المرور في وزارة الداخلية، تحسب كالآتي:

- 150 فلسا بداية الخدمة عند ركوب السيارة.

- 50 فلسا لكل كيلو متر واحد.

- دينار كويتي لكل ساعة انتظار.

- في حالة حدوث عطل مفاجئ للسيارة أثناء الخدمة يترتب عليه وقوفها، لا تُحتسب فترة انتظار وتتم المحاسبة وفقا للمسافة المقطوعة.

back to top