الإسلام السياسي والتحول الديموقراطي إخوان مصر نموذجاً

نشر في 12-11-2007
آخر تحديث 12-11-2007 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري

السلطة العليا لهيئة كبار علماء الدين على الدولة والمجتمع أبرز الانتقادات على برنامج «الإخوان المسلمين» الجديد، إذ ينص البرنامج على تشكيل هيئة من كبار علماء الدين منتخبين من قبل العلماء لا الشعب، ترجع إليها السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب في القوانين التي تصدرها، وكذلك المفهوم المنتقص لمبدأ «المواطنة»، حين يُستبعد «القبطي» من رئاسة الدولة والوزراء بحجة أنها وظائف دينية، و«المرأة» بحجة أنها ليست من أهل الولاية العامة.

أخيراً، وبعد جهد وعناء طويلين، وتردد وانتظار أطول، وخضوعاً لإكراهات الواقع السياسي المعاصر المحلي والعالمي، ونزولاً على قانون الأحزاب السياسية وضغوط لجنته التنظيمية، وتمهيداً للتحول إلى حزب سياسي مفتوح لجميع الأديان، ولا يقوم على أساس ديني أو طائفي محدد تمخضت جماعة «الإخوان» المصرية -كبرى حركات الإسلام السياسي وأقدمها- عن برنامج سياسي تفصيلي، وذلك لأول مرة في تاريخ جماعة الإخوان منذ إنشائها عام 1928.

يقع البرنامج في 128 صفحة، ويتكون من خمسة أبواب توضح مبادئ وتوجهات ورؤية الحزب في: الدولة والنظام السياسي، التعليم والتنمية والسياسة الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، النهضة الثقافية، وكذلك يوضح البرنامج الاستراتيجيات والسياسات التي يرسمها الحزب لتحقيق توجهاته ورؤيته، وقد نشر البرنامج على شبكاته إسلام أون لاين في 28 أغسطس 2007.

يبقى أن نقول: إن صدور هذا البرنامج التفصيلي أمر إيجابي، في حد ذاته، إذا قارناه بموقف الإخوان من قبل، إذ ظلوا يرددون طويلاً: مقولات عامة وشعارات هلامية فضفاضة مثل «الإسلام هو الحل» أو «لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها» من دون تحديد: كيف يكون حلهم الإسلامي للمشكل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الدولي، وما موقفهم من حقوق المرأة والأقليات، كما أن من إيجابيات هذا البرنامج تبنّيه بوضوح النظام الديموقراطي، وقاعدة التعددية الحزبية، وقبوله مبدأ «المواطنة» معياراً للحقوق والواجبات، ومبدأ سيادة الشعب وحاكميته والدولة المدنية.

هذا تطور إيجابي إذا تذكّرنا أن الخطاب الإخواني قبل عقدين لم يكن حاسماً في قبول الديموقراطية والتعدّدية والمواطنة والدولة الوطنية طبقاً للمفاهيم الدستورية المعاصرة، إذ كانوا يرون في الشورى الإسلامية، البديل الأفضل، رغم أنها غابت عن دنيا المسلمين بعد «الراشدين»، ولا يوجد لها تطبيق محدد واضح المعالم وفاعل فعالية النظام الديموقراطي، وكانوا يتحدثون عن استعادة الخلافة الإسلامية أو إحيائها من جديد، تعلقاً بفكرة مثالية لم تدم أكثر من 30 سنة، جاء بعدها «المُلْك العضوض» الذي استمر 14 قرناً، وكانت سيئاته أكثر بكثير من حسناته، ومع ذلك شكّل مرجعية سياسية لكل التجارب وأشكال الحكم لدى الجماعات والسياسات الإسلامية وغيرها، لا الخلافة الراشدة... كما يقول د.خالد الدخيل.

على أن المتابع لمبادرات الإخوان السياسية على امتداد السنوات الثلاث الماضية بدءاً من مبادرة الإصلاح الداخلي بمصر -مارس 2004- ومروراً بالبرنامج الانتخابي في انتخابات 2005، يجد تطوراً في لغة الخطاب السياسي الإخواني، وتحولاً عن آرائها القديمة لجهة قبولها الاندماج في العملية الديموقراطية واللعبة الانتخابية التي حقق لها 80 نائباً في مجلس الشعب.

ومع كل هذه الإيجابيات إلا أن البرنامج واجه ردود فعل هائلة، سواء من قبل الأطراف السياسية الأخرى، أو من قبل المثقفين المصريين والعرب، أو حتى من قبل الأقلية الإخوانية المنفتحة، ولذلك سُمي ببرنامج «الصدمة»، لأنه صدم الجميع بمن فيهم المتعاطفون مع الإخوان، وصدم كل من راهن على أن الإخوان يتقدمون بخطى وطيدة نحو الاندماج في الحياة السياسية، وقبول مرتكزات الدولة الوطنية كما يقول وحيد عبدالمجيد، وخيّب كل أمل لدى عبدالمنعم سعيد الذي اعتبر البرنامج قد مزّق كل مفاهيم الدولة المدنية التي كان الإخوان يتحدثون عنها سابقاً واعتبره «ردة» هائلة إلى الوراء، في حين وصفه عمرو الشويكي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية بـ«الأهرام»، بأنه «ربما يكون الأسوأ في تاريخ الجماعة».

ما سر خيبة الأمل العظيمة؟! يجمع المراقبون: أنهم كانوا يتوقعون من «الإخوان»، أقدم الجماعات السياسية الإسلامية، وبعد تاريخهم الطويل في العمل السياسي والنضالي، أن يكونوا قد استفادوا وتعلموا من تجاربهم وتجارب الأحزاب السياسية الإسلامية في تركيا والمغرب وماليزيا والأردن، مما يجعلهم يقدّمون برنامجاً منفتحاً عصرياً، يترجم حقيقة قبولهم وإيمانهم بالمبدأ الديموقراطي وحكم الشعب والدولة المدنية وحقوق المواطنة الكاملة، خصوصاً أن برنامجهم جاء بعد انتخابات تركيا والمغرب التي فاز فيها حزبا العدالة والتنمية في البلدين، فحقق «العدالة» التركي المركز الأول و«العدالة» المغربي المركز الثاني بفضل برامجهما الواقعية المتصالحة مع العصر، لذا كان المنتظر من الحزب الأم ذي التاريخ والتجربة الطويلة استلهام أفكار وتجارب هذين الحزبين، لا أن يستعير نظرية في المرجعية قريبة من «ولاية الفقيه»، ويُفسّر صلاح حافظ هذا البرنامج لـ«الجماعة» بأنها مازالت أسيرة موروثها التاريخي، بينما الجماعات الإسلامية في البلاد الأخرى، كالإخوان في الأردن والمغرب واليمن والكويت والبحرين، حققت نجاحاً لم تحققه «الإخوان» في مصر، بسبب قبولها قواعد العمل السياسي العلني.

ما أبرز الانتقادات على البرنامج؟

1ـ السلطة العليا لهيئة كبار علماء الدين على الدولة والمجتمع:

ينص البرنامج على تشكيل هيئة من كبار علماء الدين-هم منتخبون من قبل العلماء لا الشعب-وهذه الهيئة، ترجع إليها السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب في القوانين التي تصدرها، وكذلك رئيس الجمهورية في إصداره قرارات في غيبة البرلمان. وهي بهذا المعنى سلطة فوق السلطة التشريعية، وذلك لا يستقيم مع المنطق الديموقراطي في جعله «البرلمان» السلطة العليا، ومقتضى ذلك أن البرنامج وإن صرّح ظاهراً بأن الدولة الإسلامية دولة «مدنية» بالضرورة إلا أنه تبنى جوهراً مفهوم الدولة «الدينية»، لأنه جعل حكم علماء الدين هو المرجع.

والذي يحدد ويميز الدولة «الدينية» عن «المدنية» هو «المرجعية العليا»، فإذا كانت «الفتاوى» هي المرجعية، فالدولة «دينية»، وإذا كان «التشريع» من قبل البرلمان هو المرجعية، فالدولة «مدنية»، بل إن حكم علماء الدين يفتح باباً خطيراً للاستبداد، كما هو حاصل في النموذج الإيراني، وهذا هو «أس» الخلاف بين الإخوان والجماعات السياسية الأخرى، إذ لا خلاف في كون «الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع» في كل الدساتير، وكان بوسع الإخوان الاكتفاء به خصوصاً أنهم قيدوا سلطة البرلمان بعدم الخروج على القطعي دلالة وثبوتاً، فما حاجتهم لمرجعية علماء الدين في ظل عدم وجود مفهوم واضح لهم في التراث السني بخلاف الشيعي، خصوصاً أننا نتحدث عن دولة مدنية ذات مرجعية دستورية مستمدة من الشريعة؟! فلماذا لا نثق بالشعب حارساً للثوابت الدينية؟!

2 - المفهوم المنتقص لمبدأ «المواطنة»

يناقض البرنامج نفسه حين يقرر أن «لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم»، ثم يستبعد «القبطي» من رئاسة الدولة والوزراء بحجة أنها وظائف دينية، وكذلك «المرأة»، ويمتد هذا الإقصاء ليشمل «هيئة كبار العلماء» ناخبين ومنتخبين، إذ لا مكان لقبطي أو لامرأة، وقد يصل إلى منعهما من «القضاء»، لأنه «ولاية عامة» ولا «ولاية لكافر على مسلم»، والمرأة ليست من أهل الولاية العامة، وهذا مناقض لمبدأ «المواطنة» طبقاً للمفهوم الديموقراطي وللدستور نفسه.

وهكذا فإن هذا البرنامج، إذ يعطي الوصاية العليا لعلماء الدين، وإذ يُقصي بعض فئات المجتمع، لا يمكن أن يؤسس دولة مدنية، والمطلوب من الإخوان مراجعة نقدية لبرنامجهم حتى يمكن قبوله قانونياً وديموقراطياً.

* كاتب قطري

back to top