أدخنة تتصاعد في أيام الفرح!!
يدور سؤال سياسي هام في الشارع البحريني حول الأحداث الأخيرة من أعمال شغب واضطرابات عكرت صفو الأمن العام ومزاج الناس، حيث كانت تستعد من أجل قضاء عطلة طويلة تحت سماء أكثر صفواً من تلك الأدخنة ومسيلات الدموع التي خنقت المناطق المحاصرة وتسببت في حصار أكثر من قرية، كان في النهاية سكانها الأبرياء هم الضحايا لذهنية محرضة تسعى عبر التخريب والحرائق إلى إظهار صوتها المختنق والمتراجع مع عملية الدمقرطة والانفراج السلمي والسياسي في مشروع الإصلاح، الذي استطاع الملك من خلاله في السنوات السبع وضع البحرين ومعارضتها على أساس من الحوار والاختلاف المشروع من خلال قنوات ومؤسسات شعبية انتخابية. لهذا تقفز أسئلة هامة: لماذا تختار المعارضة غير الشرعية والمناهضة للحكومة توقيتاً حيوياً يمس سعادة وفرح الناس قبل أن يمس الحكومة وحدها ومسؤوليتها عن الأمن العام وحفاظها على الممتلكات العامة؟ وهل وجدت تلك المعارضة تعاطفاً كبيراً هذه المرة بتأجيجها الوضع ودفع الشباب إلى التكسير والحرق؟ وهل تشكل تلك المجموعات أغلبية سكانية أم أنها باتت مجرد مجموعات متناثرة هنا وهناك وظيفتها التخريب والحرق ليكون صوتها كالطبل أقوى من حقيقته الفعلية على الأرض والواقع؟ ومن هم الذين يؤججون الوضع ويوترون فضاء الهدوء في أجمل المناسبات؟هذه الأسئلة تدخلنا إلى صلب الحقيقة، إذ هناك أجندة خفية لمجموعة «حق» التي تطلق على نفسها تسمية «الحق من أجل الحرية والديموقراطية» والتي تشدد بفعلها على أنها قوة سياسية رفضت العلنية والمشاركة في الانتخابات وفضلت خيار المقاطعة بعد أن عجزت في اجتماعات شعبية لجمعية الوفاق عن تشكيل الأغلبية فانفصلت بمجموعاتها مفضلة خيار السرية والعنف والمقاطعة، متوهمة أنّ العنف يحقق لها «حقاً» في الحرية والديموقراطية متناسية أن خطاب القوة يفرز خطاباً معاكساً من السلطة.هكذا وجدت نفسها مجموعة «حق» تطرح مجموعة ملفات ساخنة تسعى من خلفها إلى إعلان حضورها وابتزاز الحكومة بمطالب لا يمكن معالجتها دفعة واحدة وفي إطار زمني سريع، هذا من جهة ومن جهة أخرى وضع رفاقهم في «الوفاق» والذين يشاركون في العملية الديموقراطية الإصلاحية بنواب في المجلس الوطني، أمام مدفع المواجهة لكي يقرروا الخروج والانسحاب من المجلس، معتبرين أن دخولهم خياراً خاطئاً ويساهم في تعزيز وبقاء الملفات معلقة، إن لم يكن لديهم شعور بأنها لن تتحقق عبر العملية الديموقراطية التدريجية. لهذا استخدمت جماعة «حق» هذه المرة توقيتاً تداخلت فيه احتفالات العيد الوطني وعيد جلوس الملك والعيد الأضحى، وبدلاً من قضاء الناس إجازة من الفرح والسعادة والحبور حولوها إلى منغصات بتأجيج بعض القرى بالاحتجاج العنيف والتخريب والحرق مما دفع قوات الأمن إلى الصدام، خصوصاً أن التظاهرات لم تكن مرخصة، ونتيجة للصدام ومسيلات الدموع الخانقة، سقط أحدهم ميتاً من جراء الاستنشاق كما وصفتها الجهة المعارضة، بينما قالت التقارير الطبية عكس ذلك تماماً حيث أصيب الشخص بهبوط حاد في الدورة الدموية، وسواء كان الاستنشاق سبباً للهبوط أو من جرّاء ركضه السريع القياسي حتى دخوله البيت مغمى عليه، فإنّ النتيجة كانت ورقة مفيدة لجماعات التصعيد لكي تستثمرها وتحول موضوعها إلى ورقة للتحريض الأوسع وترديد المفردات المعتادة عن العنف والشهادة. كما أن الأسبوع الذي سبق التحضيرات للعيد الوطني واحتفالات العيد الأضحى، شهد تحركات معاكسة من الجماعات المعارضة التي قامت بتهييج الناس بموضوع الاحتفال بمناسبة الشهداء، التي تعمدت توقيته واختياره بتاريخ 17 ديسمبر أي بعد يوم واحد من احتفالات العيد الوطني ويقع كذلك بين العيدين الوطني وعيد الأضحى فتوزعت مشاعر الناس بين القلق والفرح في فضاءين: أحدهما ترفرف أعلامه بالسعادة، والآخر يعلن سواداً وحزناً على مناسبات تذكّر الناس بزمن التسعينيات والصدامات العنيفة، وبدلاً من امتصاص تلك التهيجات والتحريض والدخول في حالة هدنة وهدوء ومعالجة ديموقراطية للملفات ومن خلال مؤسسة الحوار والديموقراطية كالمجلس الوطني، قامت مجموعة «حق» بتسخين المناخ بمشروعها وأجندتها المعلنة والخفية، من دون أن تهمها النتائج المحتملة من الصدام الممكن بين الحكومة والمتظاهرين. وبسبب تأزم الوضع في القرى الشمالية وجد سكانها أنفسهم مجبرين على تقبل أوضاع قسرية لم يختاروها بقدر ما وضعتهم تلك المجموعات المعارضة من الشبان في حالة لا يحسد عليها، فكان من جراء تلك المواجهات أن استنشق الناس أدخنة مسيلات الدموع بدلاً من استنشاق أيام من الفرح في عطلة كان الاسترخاء فيها ضرورة للجميع، غير أن الاسترخاء السياسي صار حبلاً متوتراً ومشدوداً دفع كبار السن والأطفال والمرضى ثمنه من دون مراعاة لظروفهم، وزاد الطين بلّة حرق المتظاهرين سيارة للشرطة وسرقة سلاح منها، مما أدخل الأمن في حالة شبيهة بزمن الطوارئ، فأغلقت المنافذ والممرات مدة ناهزت أربعة أيام تم من خلالها البحث عن مسببي القلاقل والبحث عن السلاح «الضائع» الذي تم العثور عليه بسرعة، مثلما تم التمشيط والبحث عن المجموعات المفتاحية في إشعال الحرائق والاضطرابات.ما سمعناه هذه المرة من آراء وأفكار داخل بنية النظام السياسي والأمن، أن خطاب القوة سيكون سقفه أوسع مما يتوقعه المخالفون للقوانين، ولن تجد تلك العناصر مستقبلاً مساحة من العطف والتسامح والأبوية من قبل النظام. مثل تلك الأصوات أثارت مخاوف الوسط السياسي سواء في النظام نفسه أو المجتمع المدني، بمثقفيه وجمعياته السياسية، حيث العودة إلى المربع القديم الذي لن يكون خياراً صحيحاً لتعزيز الديموقراطية، إذ يؤسس الخطاب للقمع ويفرز مناخاً سلبياً على التنمية والتطور والازدهار المنتظر لمملكة البحرين، بينما تعميق الديموقراطية هو الحل الأمثل والالتفات لحل المشكلات العالقة والملفات الممكنة، مثلما أن تكريس دولة القانون وقوة القانون كحق يمارسه الجميع وحده يؤسس لمجتمع أكثر عدلاً وتوازناً واستقراراً، ومن يصبون الزيت في نار البحرين من الداخل والخارج لهم مصلحة في إشعال نار الفتنة والاضطرابات لكونها تحقق مآربهم وأجندتهم، فلا يهمهم عدد من يموتون، مثلما لا يهمهم انقلاب السفينة على الجميع وسط طوفان البحر وموت من فيها، فعالم المكتئبين هو السواد والحزن أما من يبحثون عن الفرح فهم من يرون في الحياة وجهها المتفائل.* كاتب بحريني