المضادات الحيوية... متى نلجأ إليها؟
ليست أدوية المضادات الحيوية التي اعتدنا تناولها فاعلة في المطلق. يتعين علينا في الواقع استعمالها بالشكل المناسب ليستمر مفعولها المرجوّ.
إنها عوارض الالتهاب الرئوي الذي أصيبت به ربى منذ شهرين: حرارة مرتفعة وإعياء وألم في الحلق وزكام قوي وسعال، لكن الفرق هو أن المضاد الحيوي بدا غير نافع هذه المرة، فالحرارة لم تنخفض وما زالت تسعل و تتذمّر قائلة: هذه نتيجة قدرة الجراثيم على مقاومة الدواء.إنها بالطبع جراثيم خبيثة. إياكم ومحاولة إقناع هذه الفتاة المدمنة على العلاجات القوية بالمضادات الحيوية بأن المشكلة تكمن في مكان آخر، اعتقادها إذ إن بعض أنواع الجراثيم يتأقلم مع بعض المضادات الحيوية فيصبح قادراً على مقاومتها. لا تطرح هذه الظاهرة أي مشاكل عندما تكون الالتهابات بسيطة ولكن ما العمل عندما يتعطل مفعول هذه الأدوية وتصبح غير نافعة؟ إليك بعض الإرشادات.التهاب ناشئ عن فيروستتشابه آلام الحلق التي تصيبنا في معظمها فتحمل العوارض نفسها تقريباً، لكن حتى لو كان الخناق الصدري جرثومياً في بعض الأحيان فغالباً ما يكون ناشئاً عن فيروسات لا تتفاعل مع المضادات الحيوية. من هنا ضرورة سحب عينة من الحلق (وهي عملية غير مؤلمة) في عيادة الطبيب للتأكد من أن الأمر يتعلق ببكتيريا مكوّنة من نوع «A» وهو السبب الوحيد الذي يدعو إلى تناول المضادات الحيوية في حال الإصابة بخناق صدري وإلا فلا فائدة من تناول هذا النوع من الدواء. بفضل هذا الفحص البسيط أصبح من الممكن تقسيم الوصفات الطبية إلى جزءين لا سيّما لدى الأطفال المعنيين بهذا الموضوع أكثر من غيرهم. إذا كان أساس المشكلة يعود إلى فيروس تم التقاطه: فيكفي تناول دواء من نوع باراسيتامول والاستراحة. لا بد أن يتم الشفاء بعد بضعة أيام بعد أن يتمكن جهاز المناعة من القضاء على هذا الفيروس الدخيل. هذا ما حصل في الواقع مع ربى التي كانت تعاني من نزلة رئوية ناشئة عن فيروس. بغية تفادي إصابة الاشخاص الشديدي التعرض إلى هذا النوع من الالتهابات الفيروسية الخاصة بفصل الشتاء: يجب التفكير بإجراء طعم ضد الزكام يساهم في تخفيض نسبة اللجوء إلى العلاج بالمضادات الحيوية إلى الربع، علماً أن العلاج بالمضادات الحيوية لا يوصف إلا في حال الإصابة بالتهاب ناتج عن جرثومة.مضاد حيوي غير مناسببعد 48 ساعة على البدء بالعلاج يفترض أن يخف عدد الجراثيم فيتحسن الوضع العام، غير أن عدد المضادات الحيوية المتوفرة في السوق يتجاوز الـ200 كل نوع منها يناسب نوعاً محدداً من الجراثيم. ما يساعد على القيام بالخيار الصحيح هو عملية سحب عينة من الحلق أو الأنف أو أي غشاء مخاطي آخر . إلا أن هذه الطريقة معقدة جداً ما يحث الأطباء على وصف مضاد حيوي متعدد الاستعمالات ويتمتع بالمواصفات المناسبة للقضاء على عدة أنواع من البكتيريا التي تجتاح الجسم في مثل هذه الحالة. وبما أن الطبيعة متقلبة في بعض الأحيان وغالباً ما لا يكون التحسن بعد يومين فنضطر إلى تغيير الدواء وإجراء فحص يظهر نوع الجرثومة المسؤولة عن المرض والمضاد الحيوي المناسب لها فتنخفض الحرارة عندئذ، غير أن الشفاء التام يتطلب أسبوعاً كاملاً.بكتيريا مقاومة يجب إجراء تحليل خاص لاكتشاف المضاد الحيوي المناسب للحالة المناسبة واختيار نوع آخر كفيل بوضع حد للالتهاب، فمقاومة الجراثيم ليست بالمشكلة الجديدة. كانت الجرثومة البسيطة «Escherichia coli « على سبيل المثال قادرة على مقاومة البينيسيلين عندما وصف للمرة الأولى للإنسان عام 1941 ، لكن هذه الظاهرة أصبحت أكثر انتشاراً في أيامنا هذه ولطالما حاول الأطباء عبثاً وصف مضادات حيوية أكثر تطوراً. غير أن الجراثيم تنتهي بالتكيف مع الوضع على حساب المريض. جراثيم تبطل مفعول الأدويةيصعب الإجابة عن هذا السؤال. غير أن بعض الأطباء غير متفائلين كثيراً في هذا الشأن والعلماء لم يقولوا بعد كلمتهم الفصل في الموضوع. بانتظار النتيجة ينصحنا الأختصاصيون بتخفيف اللجوء إلى مثل هذه الأدوية واحترام العادات الصحية البسيطة كغسل اليدين وإجراء التلقيحات الضرورية.أسئلة مهمةهل من الممكن التصدي للجراثيم المقاومة؟يتطلب الحد من هذه الظاهرة التي لا مفر منها في الأساس اتخاذ بعض التدابير المشتركة إذ يقع على الطبيب اختيارالجرعة المناسبة التي ينبغي تناولها من المضاد الحيوي المناسب مع مراعاة عدم إلحاقه أي ضرر، كما على الطبيب أن يحرص على عدم إطالة فترة العلاج. أما المريض فعليه احترام التعليمات المعطاة له وعدم تناول هذا النوع من الأدوية من دون وصفة طبية.هل يتوقع اكتشاف علاجات جديدة ضد الالتهابات؟تكثر الأبحاث في هذا المجال وتتنوّع مع أنها لا تحظى بالتمويل اللازم. غير أن معالجة الالتهابات لا تقتصر على المضادات الحيوية فحسب بل تتطلب أحياناً استحداث لقاحات جديدة ضد الملاريا أو الايدز التي تقضي على شعوب متعددة في العالم، كما ينبغي استحداث أدوية ضد الفيروسات المستجدة والأمراض الوبائية التي تتسبب بحالات وفاة كثيرة.هل يمكن أن تنتصر الجراثيم؟ليس بالضرورة ونذكر على سبيل المثال في هذا الإطار جرثومة المكوّرة الرئوية pneumococus المسؤولة عن نصف الأمراض التنفسية التي تصيب أهالي المدن. تأقلمت هذه الجرثومة مع البينيسيلين والماكروليد المستعملين للقضاء عليها ولكن انتشارها توقف بفضل التلقيح المتوفر والمعمم لدى الأطفال الصغار وبالتالي تم الحد من هذه الأمراض.