قصائد عارية لحسين مردان فصل من ذاكرة الأدب المكشوف

نشر في 10-12-2007 | 00:00
آخر تحديث 10-12-2007 | 00:00
No Image Caption

صدر عن دار «الجديد» طبعة جديدة من ديوان «قصائد عارية» للشاعر العراقي حسين مردان، والمعروف أنه في أواخر سنة 1949 طبع مردان ديوانه هذا فأثار عاصفة من النقد، وأحدث ضجة في الأوساط الأدبية في العراق.

أمرت الحكومة بمصادرة الديوان وتقديم الشاعر إلى المحاكمة، وقد استمرت المحاكمة أكثر من شهر، وشكلت لجنة أدبية من كبار الأدباء، فقرّرت اللجنة أنّ ما جاء في ديوان الشاعر لا يشكل جريمة ما، وعند ذاك قرّرت المحكمة الإفراج عن الشاعر وديوانه.

وكانت الضجة التي أحدثها حسين مردان بديوانه هذا قد اخترقت الحدود، فنشرت جريدة «بيروت المساء» محاكمة الشاعر جلسة بعد أخرى. بل إن شهرة هذا الديوان قد وصلت الى أبعد من ذلك، فكُتِبَ عنه في باريس، وأبرق الأستاذ صفاء خلوصي من انكلترا ـ وكان حينذاك يدرس الأدب العربي في جامعة لندن ـ يطلب نسخة من الديوان بأقصى سرعة لأنه يمثل ـ كما جاء في برقيته التي نشرت في جريدة الهاتف ـ شيئاً جديداً في الشعر العربي.

وظلّت الصحف تكتب عن حياة الشاعر وديوانه الفصول الطوال مدة سنة كاملة، حتى إن جريدة العالم العربي تقدمت برجاء خاص الى الأدباء والنقاد أن يكفوا عن الكتابة حول الشاعر وديوانه. وقد قام الأديب طالب السامرائي بتأليف كتاب عن محاكمة الشاعر وديوانه. أما الشاعر نفسه فلم يكن يهتم بكل ذلك، فقد كان يبتسم لشاتميه بنفس الطريقة التي كان يبتسم فيها للمعجبين به.

المحاكمة

في اليوم السادس والعشرين من شهر حزيران 1950، عقدت محكمة جزاء بغداد جلستها الأولى لمحاكمة حسين مردان عن ديوانه «قصائد عارية». وقد تقاطر عدد كبير من الأدباء الشباب الى ساحة المحكمة لحضور هذه المحاكمة.

ومن ثمّ توجه الحاكم الى المتهم ببعض الأسئلة، وتولى الشاعر الرد عليها، وكان بينها سؤال عن سر تسمية الشاعر لديوانه بقصائد عارية. وقد رد على ذلك بقوله:»ان الشاعر يجب أن يكون صريحاً في تعبيره عما يختلج في نفسه. ولم اتوخ في قصائدي الا اظهار الحقائق العارية ليتبينها الناس». ثم توجه الحاكم بسؤال عما اذا كان في الأدب العربي القديم آثار أكثر صراحة مما في هذا الديوان، فعدد له الشاعر المتهم بعض الأمثلة، ثم أجّلت المحاكمة. وجاء في الدفاع عنه «ان الادب المكشوف فن كبقية الفنون، ولو لم يكن كذلك لما وجدناه يُدرّس في كليات الآداب للذكور والأناث على السواء، ولما وجدنا كتب الأدب العربي التي تدرس في مدارسنا تتطرق اليه، وتذكر نماذج منه، لما وجدنا في مكتبات العالم وفي مكتبتنا العامة دواوين شعراء «الادب المكشوف». و» الادب المشكوف ليس بجديد. فلو رجعنا الى مئات السنين الى الوراء لوجدنا كتباً وقصائد ظهرت في زمن ازدهار الاسلام، في زمن كان للدين سطوته (...)، هذا في الماضي، أما في وقتنا الحاضر فلو تجولنا في الأسواق لوجدنا الكثير من الكتب الحديثة التي فيها من الأدب المكشوف أكثر ممّا ذهب اليه موكلي في قصائده. وهذه الكتب منها اللبنانية والمصرية والعراقية، كديوان «أفاعي الفردوس» للشاعر الياس ابو شبكة الذي اعيد طبعه سنة 1948، وديوان «أغاريد الربيع» للشاعر فؤاد بليبل الذي اجازت مديرية الدعاية العامة دخوله الى العراق وبيعه في الأسوق وكذلك نجد في ديواني الرصافي والزهاوي مثل هذا النوع من الشعر».

الجدير ذكره أن دار «الجديد» اذ تقدم الطبعة الثانية من ديوان «قصائد عارية»، فذلك أوّلاً لأهمية الديوان من الناحية الفنية، ولأن محاكمة الشاعر والإفراج عنه ثانياً تمثل موقف القضاء من حرية الفكر، وثالثاً لأن الديوان ما هو إلا صورة مجسمة لهذا المجتمع المريض الذي يعمل كل منا على قدر طاقته لشفائه وخيره. قصائد حسين مردان وجودية رائعة تفضح الذين يتهافتون كتابة الأدب المكشوف حاليا، خصوصا النساء. قصائد مردان يمكن وصفها بأنها اجمل فصل من الادب المكشوف، ترصد وجودية الانسان، وتبين بودليرية الشاعر قبل ان يكون بودلير منتشراً، بل تبين حداثة الشاعر قبل أن تتحوّل الحداثة كليشيه على أيدي الشعراء الرواد.

 من «تحذير» حسين مردان الى قرّاء كتابه:

إني لأضحك ببلاهةٍ عجيبةٍ كلما تخيلت وجهك العزيز وقد استحال الى علامة استفهامٍ ضخمة.

وإني لأضحكُ ببلاهةٍ أعجبَ كلما تصورتكَ وقد استبدَّ بكَ الغضبُ فرميت بكتابي بحنقٍ واشمئزازٍ وعلى شفتيك المرتجفتين ألفُ لعنةٍ ولعنة.

ولكن ثق أنك لا تفضلُني على الرغم من قذراتي إلا بشيءٍ واحدٍ، وهو أني أحيا عارياً بينما تحيا ساتراً ذاتك بألف قناعٍ. فنصيحةٌ مني أن لا تقدم على قراءة هذا الديوان إذا كنت تخشى حقيقتك وتخافُ رؤية الحيوان الرابض في أعماقك.

back to top