مصر- لا نهاية للاستقطاب

نشر في 03-03-2008
آخر تحديث 03-03-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي

ما يبدو فعلياً أن الدولة المصرية لم تعتد على الوجود المستمر لمعارضة مدنية تنتقد سياستها وتكشف بانتظام عن أوجه الفساد والقصور بها. وهذا يثير تساؤلات: هل تمر مصر بلحظة اختلال وانعدام وزن؟ وهل هناك خوف بين عناصر النظام الحاكم من احتمال فقدان السيطرة على المجتمع يدفعها لإغلاق الصفوف والتعامل بعنف غير مبرر مع معارضة سلمية؟

في الوقت الذي تتواصل فيه الفعاليات السلمية للمعارضة المصرية من تظاهرات واعتصامات تطالب بالإصلاح الديموقراطي، يزداد تعنت الدولة في ممارسة سيطرتها على المجتمع وتكبيل قواه الفاعلة يوماً بعد يوم. وفي الوقت الذي تظهر المعارضة من أحزاب وحركات احتجاجية جديدة رصانة متصاعدة في التعاطي المنفتح مع المكونات الحاكمة للواقع السياسي المصري خصوصاً ثنائيات «الديني- العلماني» و«الليبرالي- القومي» وفي توظيف التراث الوطني لصياغة توافق مجتمعي حول الإصلاح، تستمر مؤسسات الدولة المختلفة حتى اللحظة الراهنة في اتباع سياسات فجة سواء في باب الملاحقات الأمنية المتعسفة للمعارضين أم في مجال تضييق مساحات المشاركة السياسية.

البون شاسع إذن بين ممارسات المعارضة التي بدأت بالقطع في التحرر تدريجياً من جاذبية الفكرة السلطوية لدى العديد من أطرافها وفي التوجه المباشر نحو المواطنين هادفةً لبلورة ضغوط شعبية على النظام من جانب، والتوجهات الحكومية من جانب آخر التي مازالت ترى في حركة الشارع المصري حالة انفلات أمني ينبغي التعامل معها بحزم، وتعتمد منطق الهبة والمنحة حين النظر في قضايا الإصلاح وكأن الأمر يتعلق بعطايا من الحاكم لا تقبل الإضافة أو التعديل.

وحقيقة الأمر أنه من اليسير تفسير تعنت الدولة بالرجوع إما إلى هيمنة العقلية الأمنية على صناع القرار الرئيسيين في مصر وإما إلى ارتباط مصالح النخبة باستمرار النمط السلطوي في إدارة علاقة النظام الحاكم بالمواطنين، ولكليهما درجة عالية من المصداقية ولا شك.

لكن الغريب في الأمر هو المظهر اللاعقلاني، بل والطفولي، لدولة يعتمد عدد من مؤسساتها على «القبضايات» لقمع المعارضة، وينظم بعضها الآخر مظاهرات تأييد رديئة للحكومة (على الرغم من كونها مدفوعة الأجر وكان يمكن تنظيمها على نحو أكثر حرفية). وتلك طرائق كان يؤمل للمشهد السياسي المصري في نهاية العقد الماضي، وعلى الرغم من طابعه السلطوي، أن يودعها بغير رجعة. فهل تمر الدولة بلحظة اختلال وانعدام وزن؟ وهل هناك خوف بين عناصر النظام الحاكم من احتمال فقدان السيطرة على المجتمع يدفعها لإغلاق الصفوف والتعامل بعنف غير مبرر مع معارضة سلمية ترفع ذاتها شعار الإصلاح التدريجي وترغب في إقناع النخبة بحتمية المسار الديموقراطي لإنقاذ مصر من أزماتها المتتالية؟

يبدو بالفعل أن الدولة المصرية لم تعتد على الوجود المستمر لمعارضة مدنية تنتقد سياستها وتكشف بانتظام عن أوجه الفساد والقصور بها، بل وتنافسها إعلامياً محتكمة في ذلك إلى البيئة التعددية التي فرضتها القنوات الفضائية والمحطات الخاصة في العالم العربي وخارجه ومستغلة الاهتمام العالمي بمجريات الأمور بين ظهرانينا.

خبرت مؤسسات الدولة في لحظات تاريخية متنوعة التعاطي مع حركات عنف سياسي ذات إيديولوجيات شمولية لفظها المجتمع المصري المسالم بطبعه، ولها أيضاً دراية بطرق احتواء أحزاب سياسية ضعيفة انغلقت على نفسها وانزوت فرحة بحصة في الساحة العامة أو المجال السياسي في وقت لم يأخذ المواطن أدوارها على محمل الجدية. أما ظهور حركات احتجاجية مثل «كفاية» وغيرها من التجمعات المطالبة بالديموقراطية تعيد اكتشاف السياسة خارج المساحات التقليدية وتبتكر شعارات وفعاليات جديدة أو محاولة قوى مجتمعية حقيقية مثل الإخوان المسلمين ونوادي القضاة- على اختلافهما- الدفع باتجاه الإصلاح فيقلق الدولة ونخبتها بقوة على نحو يرتب تصاعد معدلات القمع واللاعقلانية.

وقناعتي أن الدولة لن تتراجع عن هذا التوجه إلا حال تواترت الضغوط الشعبية بصورة ترفع من كلفة الحكم السلطوي وتعيد إلى الشرائح الوسطى والمتعلمة في المجتمع، خصوصاً في المدن المصرية، الأمل في غدٍ ديموقراطي يُعلي من قيمة الحرية والعدالة.

* كبير باحثين بمؤسسة كارنيغي- واشنطن

back to top