كتابة المذكرات... فرصة لتصحيح الأخطاء

نشر في 12-12-2007 | 00:00
آخر تحديث 12-12-2007 | 00:00

ينصح خبراء علم النفس بكتابة المذكرات بشكل متواصل لمحاسبة النفس يومياً, خصوصاً إذا كان الإنسان صادقاً في ما يكتب، فيذكر مثلاً أنه أخطأ في حق جاره في هذا اليوم أو تسبب لغيره في مشكلة أو أهان حبيبته وجرح مشاعرها. يفسح تدوين الملاحظات المجال أمام المرء ليعيد ترتيب أوراقه ويعمل على تصحيح أخطائه. ماذا يقول الشباب والأدباء وعلماء النفس في هذا المجال:

يلجأ الشباب إلى تسجيل مذكراتهم باعتبارها إحدى التقليعات الاجتماعية الجديدة المنتشرة خصوصاً بين الجامعيين في هذه الأيام. من بين هؤلاء شيرين إبراهيم (18 عاماً، طالبة في جامعة القاهرة) تقول في هذا المجال: «لا أعرف السبب في انتشار ظاهرة كتابة المذكرات وأعتقد أن الشباب عموماً يقلدون بعضهم بعضاً. شخصياً أسجل مذكراتي يومياً بعدما وجدت أن صديقتي المقربة تفعل الشيء نفسه ونصحتني بأن هذه الطريقة تساعد الإنسان على مراجعة نفسه وتصحيح أخطائه, ما يؤدي إلى خلق جو من التوافق والانسجام مع الذات والمجتمع. اسعدني هذا الأمر جداً وخصصت نصف ساعة يومياً لأسجل مذكراتي اليومية, قبل أن أنام مباشرة».

من ناحيته لا يكترث محمد عبدالسميع (19 عاماً، طالب في كلية السياحة والفنادق) كثيراً بموضوع كتابة المذكرات، يوضح: «لم أفعل ذلك في حياتي مطلقاً ولا أظن أن كتابتي لمذكراتي أمر مفيد وليس في حياتي اليومية ما يستدعي قيامي بذلك. تمضي حياة الجامعة سريعاً بحلوها ومرّها، كما أن ذاكرتي قوية ولا أنسى شيئاً, لذا ما من داعٍ لتسجيل مذكراتي!

أسلوب علاجي

تشير هالة حسن (إختصاصية علم نفس) إلى أهمية تدوين المذكرات بصفة يومية لأن هذا الأمر يسهم في تعويد الإنسان ممارسة حياته بانتظام وترتيبها ويجعله أكثر إدراكاً لنفسه وللمحيطين به ولحقوقه وواجباته: «تستخدم الاتجاهات الحديثة في علم النفس أساليب علاجية من هذا النوع لمرضى الاكتئاب والقلق والوسواس القهري وغيرها من الأمراض النفسية. سواء كان علاجاً فردياً أم جماعياً، تعتمد الفكرة على أن يفرغ المريض ما بداخله من شحنات سالبة من خلال ما يكتب من مذكرات يومية في سجل خاص، إذ يساعده ذلك في تغيير أسلوب حياته إلى الأفضل. حينما يكتب في مذكراته أنه تسبب في توريط أحد أصدقائه في مشكلة كبيرة مثلاً، يكون هذا الاعتراف الذي يكتبه بخط يده وبإرادته الحرة أول الطريق نحو تعديل السلوك إلى الأفضل. يمكن أن يتم هذا الأسلوب العلاجي بصورة جماعية من خلال تبادل المرضى سجلات مذكراتهم فيما بينهم وإجراء مناقشات حولها بإيجابياتها وسلبياتها وبالتالي تفادي السلبيّ والتركيز على الإيجابيّ».

وتؤكد د. حسن أن هذا الأمر لا يقتصر على المرضى النفسيين فحسب بل يمتد ليشمل الجميع: «المهم ألا يجامل الشخص نفسه أو يحاول، وهذا يحدث في الغالب بطريقة لا شعورية، تحسين صورته أمام نفسه كنوع من أنواع تحقيق الرضا النفسي. لكن من الضروري جداً أن يسجل الإنسان في هذه المذكرات أخطاءه وهفواته وزلاته بشكل موضوعي حتى يتمكن من قراءة ذاته صحيحاً, فهذا أمر صحّي للغاية أنصح الجميع بمزاولته يومياً نظراً إلى النتائج الإيجابية التي من شأنها توفير المزيد من الشعور بالرضا والاستقرار النفسي».

مذكرات وأدباء

كون الأدباء أكثر ارتباطاً بالكتابة فهم الأكثر تدويناً لمذكراتهم ومواقفهم اليومية. في هذا السياق تقول الأديبة العراقية الشابة سارة السهيل: «أحرص على تدوين مذكراتي الشخصية باستمرار، قد لا أفعل ذلك يومياً لكنني أصر على المتابعة. أجد متعة خاصة في تسجيل ملاحظات دقيقة عن المواقف التي مررت بها طوال اليوم. قد أستفيد من ذلك بعد فترة حينما أعود إليها وأستوحي منها مواضيع لأعمالي الأدبية». وتضيف: «حياة الأدباء مليئة بالمواقف الإنسانية وبالمفارقات العجيبة. وقد تكون المذكرات مادة جيدة لكتابة رواية مثلاً. فقد كتبت روايتي «سور الصين الحزين» عقب عودتي مباشرة من زيارة سريعة إلى الصين استغرقت عدة أيام. ولا تزال لديَّ تفاصيل كثيرة دونتها في مذكراتي اليومية عقب أسفاري إلى دول مختلفة حول العالم وقد أحوّلها الى روايات قريباً».

من جهتها علّقت الكاتبة اليمنية المقيمة في القاهرة عائشة العولقي على هذا الموضوع قائلة: «تسجيل المذكرات اليومية أمر مهمّ جداً بالنسبة إلى أيّ إنسان وهو كذلك في غاية الأهمية بالنسبة إلى الأديب المبدع, لأنه يتعرض في حياته إلى مفارقات ومتناقضات وحالات إنسانية غير متكررة. سجلت في مذكراتي أيام حرب عدن وفقداني لشقيقي ومواقف حياتية أخرى تعرضت لها في تلك الفترة.كما أن نشر هذه المذكرات يوماً ما لا بد أن يفيد القُرَّاء. وتوضح العلوقي أنها قرأت عن أحد علماء النفس في الولايات المتحدة أنه كان يعالج مرضاه من خلال كتابة المذكرات: «كان يدفعهم إلى الكتابة عن مشاكلهم وأزماتهم لأن في ذلك نوعاً من تفريغ الطاقة الداخلية وبالتالي تخفيف الضغوط عن النفس. من هنا أحرص دوماً على تسجيل مذكراتي وأنصح الشباب بالقيام بنفس الأمر لأنه يعلّمهم أشياء كثيرة أولها محاسبة النفس في نهاية كل يوم وتفادي تكرار الأخطاء التي قد يمر بها أحدهم».

back to top