دولة حزب الله المستقلة... ودولة لبنان التابعة

نشر في 28-08-2007
آخر تحديث 28-08-2007 | 00:00
 بلال خبيز

لم يعد ثمة من يخامره شك في أن المناطق التي يسيطر عليها «حزب الله» اليوم لن تخضع في المقبل من الأيام لسلطة الدولة اللبنانية، حتى لو كان الرئيس المقبل من شيعة «حزب الله» وعضواً في مكتبه السياسي.

أفادت تقارير صحافية أن «حزب الله» استكمل بناء خطه الدفاعي الجديد شمال نهر الليطاني في الجنوب اللبناني، وأن هذا الخط الجديد أكثر تحصيناً من الخط السابق الذي كان الحزب قد بناه على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل في الفترة الممتدة من نهاية شهر مايو 2000 إلى يوليو 2006.

وقد مرت هذه التقارير هينة على اللبنانيين كما لو أنها من نوافل الحياة السياسية، ولم تخفف من حدة السجال الداخلي حول الاستحقاق الرئاسي الذي يكاد يقرب من الشتائم المباشرة بين المتساجلين، في ظل تهديدات متبادلة باعتماد الحلول القصوى التي يبيحها الدستور الذي يصر الجميع على تعطيله من دون استثناء، وذهبت الأكثرية النيابية من خلال تصاريح قادتها، إلى إعلان عزمها القاطع على إنجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن المهل الدستورية، ولو عبر انتخاب رئيس للجمهورية بالأكثرية المطلقة، بينما ردت المعارضة من جهات مختلفة وبلهجات تترواح حدتها بين التهديد بالحرب الأهلية على ما لمّح نائب أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم والجنرال ميشال عون مرشح المعارضة الأوحد لرئاسة الجمهورية، والحديث المتواتر عن تشكيل حكومة ثانية تتبعها خطوات تصعيدية على الارض، ترجح بعض المصادر في صفوف الأكثرية أن تترواح بين تفعيل الاعتصامات في وسط بيروت ومحاصرة المرفأ والمطار الدوليين، وصولاً إلى احتلال مباني الوزارات والسرايا الحكومي وفرض الحكومة الثانية على اللبنانيين بقوة الأمر الواقع.

لكن سيناريوهات الخراب ليست قدراً مقدراً على اللبنانيين الخاضعين، بالجملة والمفرق، لضغوط خارجية تبلغ حد الاستتباع الكامل في معظم الحالات. وما كان يمكن للبنانيين، معارضة وموالاة، مجافاة فرنسا والاستخفاف بمواقفها ومساعيها على النحو الذي ظهرت عليه الأحوال إثر زيارة الموفد الفرنسي جان بيار كوسران الأخيرة إلى لبنان، لو كانوا يستندون إلى قواهم المحلية الصرفة. كان الأمر كما لو أن اللبنانيين يريدون إبلاغ الموفد الفرنسي صراحة المعادلة التالية: إن أمرنا ليس في يدنا... وعليك أن تفتش عن احتمالات التسوية في مكان آخر يبدأ من طهران إلى دمشق ويصل إلى واشنطن والرياض. لهذا لا يبدو العزوف اللبناني عن تطمين فرنسا الباحثة عن دور داخلي في لبنان من دون أن يستند إلى قوى موازنة ومرجحة، كلاماً أخيراً ونهائياً في لبنان. ففرنسا تدرك مثلما يدرك اللبنانيون جميعاً أن فرص انتخاب رئيس جديد للجمهورية يخفف من حدة الأزمة الحالية ويؤجل مفاعيلها إلى أمد محدد، تقتضي نوعاً من التوافق الدولي بين القوى المؤثرة في الوضع اللبناني على تجنب الانفجار اللبناني في هذه اللحظة بالذات وانتظار الوقت الخارجي الملائم لمثل هذا التفجير.

والحق أن ثمة اتجاهاً سعودياً – ايرانياً يتقاطع مع رغبة أميركية، يرتئي تأجيل الانفجار اللبناني الداخلي إلى حين، وهذا ما يراهن عليه المرشحون لرئاسة الجمهورية اللبنانية وما يجعل الاستمرار في المعركة الرئاسية ممكناً على المستوى الداخلي.

في انتظار «ساعة الصفر» الدولية، لا يكف «حزب الله» عن تحصين مناطقه وسلاحه، ودفع الأزمة اللبنانية إلى حدودها القصوى من جهة ثانية. ليتسنى له أن يستكمل منظومته الدفاعية ضد إسرائيل، والتي باتت أكبر من لبنان نفسه بطبيعة الحال، وخرجت في ما يبدو إلى غير رجعة من التداول الداخلي. وتأسيساً على هذا الخروج المتمادي لم يعد ثمة من يخامره شك في أن المناطق التي يسيطر عليها «حزب الله» اليوم لن تخضع في المقبل من الأيام لسلطة الدولة اللبنانية، حتى لو كان الرئيس المقبل من شيعة «حزب الله» وعضواً في مكتبه السياسي.

والحال، فإن «حزب الله» المعارض داخلياً يقاتل على أرض خصومه، وهو حين يتدخل في المسائل الداخلية، فإنه يستثني حكماً مناطق سيطرته من أي احتكام ممكن لأحكام الداخل اللبناني، وجل ما يطمح اليه في هذا السياق على المستوى الداخلي لا يتعدى دعم حلفائه في الداخل اللبناني والتقرير في الشأن الداخلي أسوة بالدول التي تقرر في هذا الشأن. فـ«حزب الله» لم يعد فئة لبنانية تتلقى دعماً خارجياً، بل بات طرفاً خارجياً في المعادلة الداخلية، يملك الثقل والحظوة والوزن التي تكفل له أن تؤخذ مصالحه الاستراتيجية في اعتبار القوى السياسية اللبنانية. وليس من شأن القوى المتحالفة معه، مهما بلغ حجم تمثيلها على المستوى اللبناني الداخلي، أن توازيه حجماً وتأثيراً، وكائناً من كان الرئيس المقبل، حتى لو كان واحداً من غلاة فريق الموالاة، لن يستطيع أن يمس بدولة «حزب الله» على أي وجه من الوجوه، وعليه أن يكتفي من علاقته معه بترتيب الوسائل الأفضل ليتمكن البلد من تحمل نتائج سياسات «حزب الله» الإقليمية التي تقع خارج حدود الدستور والقانون اللبنانيين، ولا تتصل بما تبقى من الجسم اللبناني أو تنتظم تحت حدود قوانينه ومصالحه الداخلية.

*كاتب لبناني

back to top