القبيلة والطائفة والدولة!

نشر في 14-03-2008
آخر تحديث 14-03-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي الدولة العربية الحديثة في مأزق، إذ تبدو كوعاء يشد الإسلاميون غطاءه ويطيرون به من أعلى نحو دولة الخلافة التي تجمع مسلمي ماليزيا بمسلمي المغرب، ويشد قاعه القبليون والطائفيون إلى تكوينات أقل هي الطائفة والقبيلة. إذن ماذا يبقى من الدولة الحديثة إذا كان الإسلاميون يطيرون بربعها إلى فضاء أوسع، والقبليون والطائفيون يشدون ربعين منها إلى القبائل والطوائف؟ ما تبقى من الدولة العربية الحديثة اليوم هو ربع دولة.

الدولة العربية الحديثة المأزومة تلزمها استراتيجية للتعامل مع سؤال الهوية والمواطنة إن أرادت أن تخرج من أزمتها. الدولة العربية، وليس الفرد العربي فقط، مسؤولة عن التوازن الذي يجب أن يشعر به مواطنها في أن يكون كويتياً أو إماراتياً أو مصرياً، وينتمي في الوقت ذاته إلى القبيلة الفلانية أو العشيرة العلانية، وأن يكون سعودياً أو عراقياً أو ليبياً وينتمي في الوقت ذاته إلى الطائفة الشيعية أو السنية أو إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

الكويت حالة خاصة استطاعت من خلال تجربتها الديموقراطية أن تدخل القبائل والطوائف إلى برلمانها، فهل تصرف بعض هؤلاء كمواطنين يكون ولاؤهم الأول للكويت كوطن ودولة؟ بكل أسف، وضعت المواطنة في الدرجة الثانية والثالثة بعد الولاء للقبيلة والطائفة والجماعة. السؤال الكبير هنا: هل يستطيع العرب أن يكونوا مواطنين في الداخل أو في الخارج؟

العرب ممن أراهم في الخارج يحملون الجنسيات الأميركية والبريطانية والألمانية، ومع ذلك لا يعتبرون أنفسهم مواطنين لهذه الدول. هم فقط يتمتعون بجواز سفر يسهل لهم الإجراءات اليومية ومتى ما حدثتهم عن الوطن الذي يحملون جواز سفره قالوا لك هذا للضرورة فقط، نحن عرب. وعندما تسألهم عن كونهم مصريين أو سعوديين أو سوريين أو كويتيين قالوا لك نحن من هذه الطائفة أو تلك، أو من هذه القبيلة أو تلك العشيرة.

كثير من العرب والمسلمين إذن لا يستطيعون أن يكونوا مواطنين لا في الداخل ولا في الخارج. في الخارج هم عرب ومسلمون وفي الداخل هم شيعة وسنة وإخوان ومن قبيلة كذا وفخذ كذا وعشيرة كذا.

الدولة العربية تحتاج إلى حوار جاد حول سؤال المواطنة. أولى المؤسسات التي يجب مراجعتها في موضوع المواطنة هي المؤسسات التعليمية التي تكرس الإسلاموية والطائفية والعشائرية على حساب المواطنة، أما المؤسسات الأخرى التي يجب الانتباه إليها فهي المؤسسات الإعلامية، فهناك مئات من صحافيي الإذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة يحملون جوازات لبلدان لا ينتمون إليها. ومعظم «نجوم» وصناع القنوات العربية يحملون الجنسية الأميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية، ثم «يدوشوننا» على الشاشات بلعن تلك الدول بشكل مباشر أو غير مباشر. من لم يحترم الدول التي يحمل جنسيتها لن يحترم أو يشعر بالولاء لوطنه الأم، لأن الولاء للدولة التي ينتمي إليها الفرد، من باب القناعة بأنه واجب ينبع من الإحساس بالمواطنة، هو موقف أخلاقي يطبع سلوك الفرد عموماً أياً كانت الدولة التي يحمل جنسيتها.

فككوا المستوطنات الطائفية والقبلية والإسلاموية إن كنتم تريدون أن تبنوا دولاً حديثة.

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية-IISS

back to top