الكعب العالي... بين هوس النساء وتحذيرات الأطباء
لماذا تفضل النساء انتعال أحذية الكعب العالي رغم تأثيراتها السلبية على الصحة التي تصل في بعض الأحيان إلى الإصابة ببعض الأمراض النفسية في مقدمها «الفصام»؟
لا تستطيع فريدة محمد (34 عاماً) الاستغناء عن ارتداء أحذية الكعب العالي كنوع من مسايرة الموضة واستكمال الأناقة: «إن ارتداء الكعب العالي هو ضرورة بالنسبة إلي بما أنني قصيرة القامة. رغم درايتي بأضرارها الصحية، إلا أن الأحذية العالية تمنحني مزيداً من الطول، ما يساعدني على التفاعل الاجتماعي مع المحيطين بي خصوصاً في مجال العمل، لذا لا أظن أنني سأستغني عن الكعب العالي في يوم من الأيام». أمّا ولاء عبده (23 عاماً) ورغم تمتعها بقامة متوسطة تحرص على ارتداء أحذية الكعب العالي: «الكعب العالي هو جزء لا يتجزأ من أناقتي ومسايرتي للموضة. اعتدت ارتداءه قبل ارتيادي الجامعة وما زلت حتى اليوم بالطبع. إنه يلفت الأنظار إلي ويجعلني متميزة بين زميلاتي. عموماً لا أرتديه طوال اليوم بل في ساعات عملي كسكرتيرة. أنجز أغلب مهامي الوظيفية جالسة إلى الكمبيوتر، ما يعني أن حركتي قليلة، لذلك لا أشعر بمتاعب في قدميّ قد تدفعني إلى الاستغناء عن أحذيتي العالية. تشوهات الجسمفي هذا السياق يقول د. عادل نصير (وكيل كلية العلاج الطبيعي في القاهرة): «يغيّر الكعب العالي ميكانيكية الجسم. في الوضع الطبيعي تعتبر القدم أساس اتزان الإنسان من خلال توزيع وزن الجسم الواقع على القدم بشكل صحيح ومستوٍ. أما في حالة ارتداء المرأة للكعب العالي فإن وزن جسمها ينتقل إلى الأمام ويؤدي إلى زيادة تحميل منطقة مشط القدم (أطراف الأصابع)، ويحدث تشوهاً في شكل أصابع القدم نتيجة الضغط الشديد عليها. تصاب حينها الأصابع بتقيحات تسبب ألماً شديداً نتيجة ضيق هذه الأحذية في الغالب وتجمع الأصابع في مقدمة الحذاء المدببة. يضيف: «حذر حوالي 120 بحثاً حول العالم، من ارتداء النساء للأحذية ذات الكعب العالي بسبب المخاطر الجمة الناجمة عنها. أهم هذه المشكلات حدوث انقباض مستمر في عضلة خلف القدم، ما يؤدي إلى مرض دوالي الساقين نتيجة الضغط على شرايين القدم والأوعية الدموية فيها. من أبرز المخاطر أيضاً حدوث اعوجاج بالعمود الفقري وبالتالي تشوه القوام. يمتد تأثير الكعب العالي السلبي ليشمل منطقة الحوض فيتحور شكله الطبيعي ويزداد حجم الأرداف. يؤثر تشوه الحوض بدوره على المرأة الحامل التي قد تصاب بعُسر في الولادة كنتيجة لذلك وقد يؤدي في أسوأ الحالات إلى التأثير على خصوبتها وتراجع قدرتها على الإنجاب. كما أن الضغط على المنطقة الأمامية من القدم يحدث مشكلات صحيّة في منطقة الحوض مما يربك الدورة الشهرية لديها. أما الإصابة بمرض خشونة الركبتين فهو أيضاً أمر وارد مع ارتداء المرأة للكعب العالي جرّاء الضغوط الشديدة على غضاريف الركبة».لا تنتهي مشاكل الكعب العالي، وفق د. نصير، عند حدود ما ذكر بل يسهم ارتداء هذه الأحذية غير الصحية في ظهور آلام الرقبة والكتفين ويؤدي إلى التوتر وإلى الصداع، كما يؤدي إلى تساقط الشعر من خلال تأثيره على الأعضاء الداخلية. أمراض نفسيةلعل أغرب ما توصلت إليه الأبحاث العلمية الحديثة في هذا الإطار هو الإصابة بأمراض نفسية خطيرة. يشير د. نصير إلى أن أحد الأبحاث الغربية حذّر من أن ارتداء الكعب العالي قد ينتهي بالإصابة بمرض الفصام الذهاني «سكيزوفرينيا» الذي يؤثر سلبياً على وظائف العقل. وألمح إلى أن ارتداء الأحذية ذات الكعب العالي بدأ قبل ألف عام تقريباً وأدى إلى ظهور أولى حالات الإصابة بالـ «سكيزوفرينيا». حتى لو كانت تلك مجرد فرضيات علمية، من الضروري العمل بمبدأ السلامة، والقاعدة العامة التي يعرفها الجميع تقول «الوقاية خير من العلاج»، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالقدمين باعتبار أن راحة الجسم عموماً تبدأ من راحة القدمين.وجه د. نصير نصائح عدّة للمرأة من أجل الحفاظ على صحة قدميها وجمالهما أهمها: - عدم ارتداء الكعب العالي لأكثر من ساعة أو ساعتين في النهار- غسل متباين للقدمين مرتين في الأسبوع بحيث تضع المرأة قدميها في ماء بارد ثم في ماء دافئ. تكرر هذه العملية بالتناوب لـ10 دقائق. بعدها تجفف قدميها جيداً من آثار الماء. - تجنب ارتداء الجوارب الضيقة كونها تؤثر على الشرايين وتُحدث اضطرابات في الدورة الدموية. - مزاولة المشي لكونه رياضة صحية طالما كانت بالمعدل الطبيعي. - تنشيط فاعل للقدمين بممارسة رياضة بسيطة تعتمد على رفعهما لإعادة توزيع الدم بشكل طبيعي في الشرايين والأوعية الدموية.تعتبر فرنسا بلد الموضة وفيها ظهر الكعب العالي للمرة الأولى خلال القرن السابع عشر. كان الرجال والنساء من الطبقة الأرستقراطية ينتعلون هذه الأحذية. في ذلك العصر لم يكن الهدف بالطبع هو البحث عن صرعة جديدة في عالم الأناقة، بل كان حماية الأقدام وأطراف الملابس من البلل وقت سقوط الأمطار. تطورت الموضة في ما بعد واقتصر استخدامها على النساء، حتى يومنا هذا. من المعروف تاريخياً أن آلية تصنيع هذه الأحذية بدأت في ولاية ماساشوستس الأميريكية وانتشرت بعدها في انكلترا وألمانيا ثم باقي العالم. الطريف أن روسيا تنظم مسابقات عدو لسيدات يرتدين أحذية الكعب العالي تشهد إصابات عديدة نتيجة سقوطهن المتكرر أثناء العدو.