دعوة للاحتلال

نشر في 19-06-2007
آخر تحديث 19-06-2007 | 00:00
 بلال خبيز المطلوب من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أن تباشر حواراً مع سورية، ومن دون هذا الحوار فإن أمثال شاكر العبسي في نهر البارد سيتكاثرون كالفطر في المدن والقرى اللبنانية وحتى على الحدود الجنوبية مع إسرائيل.

كثرت التحليلات التي أقامت وجوه شبه بين ما قامت به حركة «حماس» في غزة وما يقوم به «حزب الله» في لبنان. ووجوه الشبه هذه تتعدى حدود الارتباط المكين لكلا الطرفين بالمشروع الإيراني في المنطقة والدور السوري في هذين البلدين. لكن الرد السوري الذي دأبت دمشق على إعلانه يتغذى من منطق متماسك لايقوى المعترضون على دفعه. دمشق تسأل كل مرة: ما الذي يدفع قوة سياسية وشعبية مثل «حماس» أو «حزب الله» للمغامرة بمصادر القوة الشرعية التي يملكانها من أجل الوقوع تحت عنف حصار لامثيل له خدمة لأغراض سورية مباشرة؟ ذلك أن لامنطق يمكن أن يفسر هذا التهور الذي لايقره عقل ولامنطق ويبادر الجميع، بمن فيهم المسؤولون السوريون أنفسهم، إلى تبيان مخاطره على القضية الفلسطينية وعلى المنطقة العربية عموماً. بل تكاد تحليلات المحللين والسياسيين القريبين من سوريىة في لبنان تتهم الولايات المتحدة صراحة ومن دون مواربة، بدعم هذا الاقتتال لتحقيق ما تدعوه وزيرة الثقافة السورية «الفوضى الخلاقة». والحال، وبحسب هذه التحليلات، فإن انجرار «حماس» إلى تصفية ناشطي حركة فتح في غزة ورميهم من سطوح البنايات وعصب أعينهم وتقييد أيديهم خلف ظهورهم قبل إعدامهم، هو دخول في الفخ الأميركي لم تجد «حماس» بداً من الانجرار إليه بعدما أعيتها السبل في محاولة المعالجة. وليس «حزب الله» مختلفاً عن «حماس» في هذا المجال، إلا في انه مازال أقدر على ضبط النفس ولم ينجر حتى الآن إلى الفتنة المذهبية، السنية–الشيعية، التي يريد الفريق الآخر في لبنان جره إليها. لكن هؤلاء سرعان ما يلاحظون أن المأزق الاميركي في العراق يتعاظم، وأن الولايات المتحدة الأميركية تواجه يومياً فشل سياساتها الرامية إلى إشاعة جو من الهدوء في هذا البلد، بدليل أن الاقتتال الطائفي والفتن المذهبية تستشري هناك يوماً بعد يوم. وهذا دليل قاطع على مأزق السياسة الاميركية أجبرها على التفكير جدياً في حوار مع إيران حول الموضوع العراقي، في محاولة منها لتخفيف حدة هذا المأزق.

في لبنان، الأمر لا يختلف كثيراً عما يجري في العراق. المطلوب من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أن تباشر حواراً مع سورية، ومن دون هذا الحوار فإن أمثال شاكر العبسي في نهر البارد سيتكاثرون كالفطر في المدن والقرى اللبنانية وحتى على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. أما كيف يمكن لمباشرة الحوار أن تضبط من تعلن سورية أنها تعاديهم، من أمثال شاكر العبسي وابي هريرة، فذلك يقع في علم الغيب؟ والأرجح أن السياسة السورية في هذا المجال تريد الإعلان أن مجرد استنكافها عن أداء دورها في محاربة الإرهاب وضبط المغامرات الأصولية والمساعدة في استقرار دول الجوار التي لاتستطيع تحقيق استقرارها بقواها الذاتية، مثلما هي الحال في فلسطين والعراق ولبنان والأردن، هو السبب الأبرز في استشراء هذه الحالات وانفلات السياسات المغامرة من عقالها من دون وازع أو رقيب. مما يعني أن السلوك السياسي السوري والإيراني لا يطالب بأكثر من موقع ممتاز تحت شمس الإمبريالية الأميركية نفسها. وإذا ما تحقق هذا الدور المرغوب والمطلوب فإن قدرة هاتين الإدارتين على ضبط التطرف والمغامرة في المنطقة ستظهر في ابهى صورها وقائع دامغة.

ليس ثمة ما يمكن استهجانه في مثل هذه السياسات إذا ما نظر إليها من موقع الإدارة السورية أو الإيرانية نفسها. لكن سلوك الحركات المغامرة في لبنان وفلسطين والعراق، وفقاً لهذا التصور، وإن صح ما تدعيه سورية وإيران، يبدو أقرب ما يكون إلى الخيانة العظمى. إذ كيف يستقيم الحديث عن الطريق الذي مازال واسعاً للاتفاق مع حركة «فتح»، على ما يصرح اسماعيل هنية من غزة منتصراً ومنتشياً، في وقت تنقلب حركة «حماس» على انجازاتها الدستورية الشرعية، وترتضي لنفسها أن تحتل قطاع غزة احتلالاً بعدما كانت تسيطر عليه بموجب نتائج الانتخابات الأخيرة؟ وكيف يعتقد السيد هنية أن سلطان «حماس» أصبح أكثر شرعية من ذي قبل، بعدما قفز طائعاً ومتحمساً من موقع رئيس الحكومة الشرعي والدستوري إلى موقع رئيس الحكومة المقال والمشكوك بشرعيته؟ وماذ فكر خالد مشعل حين غامر بتعريض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى حصار لامثيل له من قبل، وتعريضه لعزلة دولية وفلسطينية على حد سواء، حين كان يبارك الذين يدوسون صور ابو عمار وابو مازن بأقدامهم؟

هذه الأسئلة نفسها يمكن طرحها على «حزب الله» وحلفائه أيضاً في لبنان مع تعديل طفيف في الوقائع. ذلك أن لبنان يسابق فلسطين والعراق على هذه الطريق ولم يعد ينقصه إلا دعوة إسرائيل لتحتل بعض أجزائه ليتساوى معهما. وليس هذا الطلب غريباً على من رأى في الانسحاب الإسرائيلي من لبنان ربيع العام 2000 فخاً اسرائيلياً ينبغي عدم الانجرار إليه.

 

كاتب لبناني

back to top