فتشوا عن الوحش بداخلكم!

نشر في 25-07-2007
آخر تحديث 25-07-2007 | 00:00
 أحمد عيسى أتابع منذ بداية الأسبوع الجاري تداعيات إلقاء القبض على «وحش حولي»، ولن أخفي امتعاضي مما قرأت، ليس لبشاعة ما ارتكبه المتهم حال صدقت الاتهامات، بل على تجاوز المجتمع قيم الإنسانية والمهنية في هذه الحالة وقبلها الكثير.

سأبدأ متطرقاً للتغطية الصحفية للحادثة، إذ تجاهلت معايير المهنية المتمثلة بنشر صورة المتهم واسمه، والتطرق لحياته الشخصية بشكل فاضح، ونشر تحقيقات جهاز الأمن والنيابة العامة، وجميعها تخالف أخلاقيات الإعلام، فالمتهم تحول إلى جان بمجرد أن مسؤولا أمنيا أعلن ذلك في مؤتمر صحفي.

أراقب مجريات القضية بعينين؛ الأولى، تخشى على جهازنا القضائي التأثر عند نظره في القضية المعروضة أمامه، كونها قضية رأي عام أصدر فيها المجتمع حكمه النهائي، وطالب أكثر من قيادي ومشرّع بإعدام المتهم بها علناً، قبل أن تستمع النيابة العامة الى أقواله، مما يمثل انتهاكاً لأبسط حقوقه وأنه بريء حتى تثبت إدانته.

والعين الثانية تستذكر قضايا رأي عام خرج منها رجال الأمن منتصرين، ثم أنصف القضاء المتهمين بالبراءة بعدما نالهم التشهير، منها قضية «خلية أسود الجزيرة» التي حُكم ببراءة عدد من المتهمين فيها بدرجات التقاضي الثلاث، وكذلك ضبطيات الخمور والمخدرات التي لحقتها ترقيات استثنائية لضباط، وغالباً ما انتهت ببراءة المتهمين إما لنقص الأدلة أو لبطلان الإجراءات، ولن أنسى جريمة قتل المواطن الكندي التي لا يزال القاتل فيها مجهولا منذ ستة أعوام.

قضية «وحش حولي» عرّت المجتمع، وبدلا من الاعتراف بالخطأ، كان الخيار التجرد من المعايير الإنسانية والمهنية، والمطالبة بإعدام المتهم قبل أن يمثُل أمام القضاء، وتجاهلنا أن رجال الأمن تناسوا دورهم، وتفرغوا لمتابعة صورهم وألقابهم وحملات ملاحقاتهم للبسطاء، وأخذهم الكل بجريرة البعض اشتباهاً وتسلطاً.

لا تكابروا، فجهازنا الأمني هش، بدليل أن متهماً بقضية رأي عام، ومخالف لقانون الإقامة، دخل المطار واجتاز «كاونتر» المغادرين ولم يوقفه أحد، و«تلاحقوه» قبل إقلاع طائرته بدقائق، فباركنا للقيادات الأمنية، وغضضنا العين عن عجزهم في القبض عليه منذ «عام ونصف العام»، ولم نسألهم أن يبحثوا عن «الوحش» بداخلهم... لأنه حتما لايزال طليقاً!

back to top