تقرير برلماني قانون الإيجارات الجديد... ظلم أم إعادة للحق؟ يجعل ارتفاع الأسعار في يدي المالك والمؤجر وفق أسعار السوق
من المقرر أن يناقش مجلس الأمة في جلسته هذا الأسبوع المداولة الثانية لقانون الإيجارات الجديد المعروض على جدول أعماله، ويأتي ذلك وسط جدل قانوني وتشريعي بين نواب مجلس الأمة والأوساط القانونية تنوعت ما بين مؤيد ومعارض للقانون. ويأتي القانون الجديد بعد 30 عاماً من إقرار القانون الحالي في عام 1978، والذي صدر في ظل غياب الحياة البرلمانية نظراً الى حل مجلس الأمة عام 1976 والذي عاد بدوره للانعقاد عام 1981 وأقر المرسوم بقانون بأثر رجعي وفق ما يقتضيه الدستور.
يحمل قانون الإيجار الجديد، والذي سيناقشه مجلس الأمة هذا الأسبوع، فلسفة جديدة في التعاطي مع العلاقة بين المؤجر والمستأجر، إذ يأتي بهدف الرجوع للأصل العام المقرر في عقد الإيجار وهو العمل بمبدأ «سلطان الإرادة» والذي يقضي بمنح المتعاقدين حرية تحديد مدة عقد الإيجار في ما بينهم بما يعيد التوازن إلى العلاقة بين الطرفين، فألغى القانون الجديد جزئية الامتداد القانوني لعقد الإيجار الواردة في القانون الحالي، الذي من شأنه أن يمدد عقد الإيجار تلقائياً حتى إن رغب مالك العقار (المؤجر) إخلاء المستأجر من العين المؤجرة إلا لأسباب محددة ليس من بينها حاجة المالك للانتفاع بالعين المؤجرة، ما يمنع مالك العقار من الاستفادة من عقاره لأي سبب كان وجعل بذلك سلطة إخلاء العقار بيد المؤجر لا بيد مالكه. وينص القانون الحالي في المادة 20 بأنه «لا يجوز للمؤجر أن يطلب -ولو عند انتهاء مدة الإيجار- إخلاء العين المؤجرة» إلا بأسباب محددة كعدم دفع الإيجار أو إذا استعمل المستأجر العقار بطريقة تنافي شروط عقد الإيجار المعقولة أو تخالف النظام العام أو الآداب أو الصحة. وقد «صحح» القانون الجديد هذا الوضع عبر وضع المدة القانونية في عقد الإيجار كمبدأ في مدة الإيجار لينظر بعدها الطرفان في مسألة تجديدها أم لا، دون إعطاء المؤجر (مالك العقار) سلطة طلب إخلاء العين المؤجرة أثناء فترة العقد بغرض الإنتفاع منها، تاركاً له الحق في إخلائها وفق أسباب محددة كإحداث تغيير في العقار يضر بسلامة المبنى أو استعمال العقار بطريقة تنافي شروط عقد الإيجار أو تخالف النظام العام أو الآداب أو الصحة. وبذلك يصبح العقد هو الضمان القانوني لبقاء المستأجر في العقار وليس القانون الذي يجدد العقد تلقائياً كما هو الوضع في القانون الحالي.ومع هذا «الضمان» في العقد، يرى منتقدو القانون أن ذلك يضع المستأجر عرضة «لابتزاز» المالك من خلال رفع القيمة الإيجارية بعد انتهاء العقد، فعلى سبيل المثال، إن كان العقد لمدة سنة فللمالك أن يرفع الإيجار بأي نسبة، حتى لو فاقت 100%، مما يجبر المستأجر على إخلاء العين السكنية وعدم تجديد العقد مما يخل باستقرار الأسر المستأجرة. فيما يرى نواب، كالنائب عادل الصرعاوي، أن المؤجر لا يملك أن يرفع الإيجارات إلا في حدود المعقول ومراعاة للعقارات المحيطة للتمكن من المنافسة وتأجير عقاراته، ولا يمكنه رفع الإيجار بنسب فلكية لأن ذلك سيضر بعقاره ويجعله غير مرغوب.وكان القانون الصادر عام 1978 والمطبق حالياً قد عالج هذه القضية عبر إعطاء الفرصة لمالك العقار أن يرفع الإيجار مرة كل خمس سنوات على الأقل ما لم يكن الإيجار معقوداً لمدة أطول فلا يجوز رفع الإيجار في ذلك الحين، كما منع أن تتجاوز الزيادة نسبة 100%. فيما ألغى القانون الجديد هذه الشروط محدداً أن «الأجرة المتفق عليها في قانون الإيجار تكون ملزمة للمتعاقدين فلا يجوز تعديلها إلا باتفاقهما»، مانحاً مالك العقار حرية رفع الإيجار بعد انتهاء العقد. وفي هذه الأثناء يبرز تساؤل عن عقود الإيجار الحالية ومصير المستأجرين الحاليين في حال تطبيق القانون الجديد، وهو أمر لم يتم إغفاله، إذ قرر القانون أن تمتد عقود الإيجار في السكن الخاص المبرمة قبل تاريخ العمل بهذا القانون لمدة سنة إضافية لمنح المستأجر الفرصة للحصول على مكان آخر إن رأى عدم البقاء في العين القاطن فيها، فيما منح القانون مدة عشر سنوات إذا كان عقد الإيجار خاصا بالمناطق التجارية والاستثمارية حتى يتمكن المستأجر من تغطية تكاليفه الرأسمالية، ذلك إن لم يكن قد تم الاتفاق في العقد على مدة أطول من المقررة في هذا القانون.وكانت أروقة مجلس الأمة قد شهدت نقاشات مكثفة حول القانون الجديد، إذ تبرز كتلة العمل الشعبي كالمعارض الأوحد للقانون، فرأى النائب عدنان عبدالصمد أن «قانون الايجارات الحالي يؤخذ عليه ان المستأجر هو الذي يتحكم في العقار، اذ لا يخرج المستأجر من العقار الا بعد سنوات ولاسباب محددة. إلا أن القانون المقدم لم يعمل على اعادة التوازن بين المالك والمستأجر انما اعطى الحق كله إلى صاحب العقار في اخلال للعلاقة الايجارية بين الطرفين». ورأى عبدالصمد أن المدة الممنوحة للعقود التجارية والاستثمارية الجارية حاليا، والتي تستمر مدة 10 سنوات فقط عند تطبيق القانون الجديد، أمر يؤثر في اصحاب المحال التجارية، فتقدم على إثر ذلك باقتراح لمد هذه الفترة إلى 15 سنة وهو ما سيتم النظر فيه بجلسة المجلس هذا الأسبوع. إلا أن «الشعبي» يؤخذ عليه عدم التقدم بأي اقتراح خلاف ذلك يعيد التوازن بين المالك والمستأجر ومعارضة القانون دون تقديم أي بدائل. وكان النائب فيصل المسلم قد قدم اقتراحاً مشابهاً للعقود الجارية في السكن الخاص يقضي بتمديد فترة السماح من سنة واحدة إلى 3 سنوات عند تطبيق القانون الجديد، علماً بأن كافة هذه الاقتراحات قد رفضتها اللجنة التشريعية «ليتمكن المالك من الانتفاع بملكه» ولأن المدد المقررة في القانون كافية، إلا أن القرار النهائي في ذلك يبقى للمجلس.ويبرز تأييد كتلة العمل الوطني والنائب عادل الصرعاوي وكتلة النواب السلف للقانون كما جاء من اللجنة التشريعية، وسط رفض «الشعبي» ومعارضة خفت وطأتها من الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) التي عارض نوابها القانون، إلا أن هنالك مساعي حالياً يقودها نائب رئيس مجلس الأمة محمد البصيري لتوافق الكتلة على القانون مع التوصل لحلول وسط حول المدد التي تقدم بها عبدالصمد والمسلم، إذ تجري مساع حالياً لأن تكون فترة الانتفاع بالسكن الخاص للعقود الجارية سنتين من سنة واحدة وفق المقرر في القانون الجديد، و 12 سنة لعقود الاستثماري والتجاري بدلاً من 10 سنوات في القانون الحالي، وهو ما يلقى قبولاً أكبر في أوساط كتلة المستقلين، إذ عبّر النائب صالح عاشور أن عدم وجود حد أدنى لعقود الإيجار في السكن الخاص يجعل المواطن عرضة لرفع الإيجارات، طارحاً إعادة مسألة رفع الإيجار كل خمس سنوات كحد أدنى كما هو الوضع في القانون الحالي وذلك حماية للمستأجر. ورأى عاشور أن مدة الـ 10 سنوات الممنوحة للعقارات الاستثمارية والتجارية بعد تطبيق القانون ليست كافية، إذ أن بعض المحلات التجارية -على سبيل المثال- يجب مراعاة السمعة التي اكتسبتها من خلال مواقعها التجارية الحالية. داعياً إلى تحقيق المزيد من التوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر.ويبقى المؤجرون والمستأجرون يتطلعون إلى مجلس الأمة هذا الأسبوع لنصرة من يرى أن القانون الجديد مجحف بحقه، أو من يرى بأنه يعيد حقه المسلوب بفعل القانون الحالي. فيما يبقى أثر القانون على أسعار الإيجارات رهن التجربة العملية بعد إقراره.