خذ وخل: أبو النجوم عندنا.. يا مرحبا.. يا مرحبا

نشر في 26-09-2007
آخر تحديث 26-09-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

في قاعة «الراية» سيلتقي المريدون بالشاعر لقاءً مباشراً بعد أن استمعوا إليه عبر أشرطة الكاسيت. ولا شيء مثل اللقاء المباشر الذي يسقط الحواجز بين المبدع والمتلقي. إذ ستكون «صهبتنا صباحي» بإذن واحد أحد.

حين أخبرني الإخوة في جمعية الخريجين الكويتية بدعوتهم الشاعر أحمد فؤاد نجم لزيارة البلاد في 29 سبتمبر الجاري: هتف قلبي جذلا: «أبو النجوم عندنا.. يا مرحبا.. يا مرحبا، وأحسبني ألعلع بها بلسان المريدين الكثر كافة.. اللهم زد وبارك!»

بادئ ذي بدء، لست بصدد صياغة شهادة فيه؛ ليس لأنها مجروحة ومثلوبة بحكم الصداقة الحميمة، المستمرة من مطلع عقد السبعينيات فحسب، بل لاعتقادي الجازم بأن أخانا الحبيب ليس بحاجة إلى شهادة العبد لله.. ولا غيره!

حسبه إبداعه الثري الذي لم يغادر هماً ولا غماً مصرياً أو عربياً إلا استجاب له بقصيدة تنفذ الى قلب المستمع وعقله مباشرة بدون «إحم ونحنحة ودستور» وغيرها من عبارات الاستئذان.

وحسبه كذلك أن الشهادة فيه تكمن في مواقفه المتجلية في أعماله الشعرية كلها، والتي أفضت به وبزميل مسيرته مولانا الشيخ إمام عيسى إلى دخول سجون مصر ومعتقلاتها مرات عديدة، ولعلهما أولا مبدعين سجنا مرات عدة من جراء «ارتكابهما» فعلة الغناء الوطني القومي التحريضي الملتزم! ومن هنا لا أجد ما أرحب به تحية لـ«أبي النجوم» سوى ما قاله «عمنا» البحتري:

وما زارني إلا وَلِهتُ صبايةً

إليه، وإلا قلت: أهلاً ومرحبا

أضرت بضوء البدر، والبدر طالعٌ

وقامت مقام البدر لما تغيبا

وكان الظن أن ظاهرة «إمام نجم» ستفقد تأثيرها، وسيخفت وهجها وأوجها في عصر الكاسيات العاريات اللواتي «يغنين» بصدورهن وأفخاذهن ومؤخراتهن... وما خفي أنكى وألعن! لكن التحديات المصيرية التي تجابه الأمة العربية، تستوجب استمرار حضور حالة «إمام نجم» إلى ما شاء الله، وهو ما يحدث فعلاً على أرض الواقع. ذلك أن أغانيهما مرتبطة عضوياً بالواقع العربي المهترئ الذي ما برح يراوح في مكانه من سيئ إلى أسوأ.

ولأن المعروف لا يُعرّف، حسبنا القول إن الواقع العربي لا يسر خاطر سوى أعداء الأمة! ومن هنا تكمن أهمية القول: إن حالة «إمام نجم» مستمرة ومتجذرة لكونها تجسد تجلياً إبداعياً مدهشاً للتحديات التي تجابهها مصر المحروسة خاصة، والأمة العربية عامة.

لذا ننشد ونغني مع «إمام ونجم» قائلين:

«حنغني ودايما.. ح نغني

ونبشر بالخير.. ونمني

ونلف الدنيا الدواره، على صوت النغمة الهداره

ومعناها المشرط والبلسم

في الكلمة الصاحية النواره

هوه احنا كده، وحنبقى كده

ماشين، عارفين، مع مين، على مين

دايما واضحين

مش بين دا.. وده

هو احنا كده».

في بداية تفجر الظاهرة عام 1967 إثر هزيمة الحرب، ظن بعض أركان النظام أنها فورة آنية ستخمد بتقادم الأيام، وقال الكاتب الأوحد في هذا السياق: إنها الظاهرة .. ما هي إلا ظاهرة فقر وجوع يمكن احتواؤها بالمال والذهب الأصفر، ولست بحاجة إلى التنبيه بأن محاولة الاحتواء فشلت فشلاً ذريعاً رغم إغراء «المقسوم» المادي الحكومي الكامل الدسم!

وكان رد الشاعر والمغني على محاولة الترويض والاحتواء التي حرض عليها كاتب النظام الأوحد وهو:

بصراحة يا أستاذ ميكي

انك رجعي وتشكيكي

ولا ناوي تبطل تكتب

«بصراحة» كلام بولتيكي

عن دور الحل السلمي

واستعماله التكتيكي

في الوقت اللي احنا صراحه

دايخين دوخة البلجيكي

وبلدنا لسه جريحه

وبتصرخ بالأفريكي .... .....

يقول العم الفيلسوف «برنارد شو»:

«الفلاسفة الفنانون.. هم وحدهم الفنانون الذين أنظر إليهم نظرة جادة».

و«كلام المصطبة» الذي يلعلع به أبو النجوم والشيخ إمام ينطوي على حكمة ابن البلد، وتفكيره بصوت عال مدجج بـ «النكتة لوجيا.. والحداقة» وحديث الفلاح الفصيح الذي يعبق بأريج الأقوال المأثورة و«المأسورة» والمواويل الطافحة بالأسى والشجن وكل تجليات المأثور الشعبي في الغناء والموسيقى. وأحسب أنه آن الأوان لتكون ظاهرة «إمام ونجم» وحالتهما موضع دراسة وتحليل من قبل المختصين في الشعر والأداء والتلحين، وما دمنا في معرض الأماني، فأتمنى قيام مؤسسة فنية بتوثيق أعمالهما الغنائية وتسجيلها وفق التقنية الحديثة (C.D) و(PVD).

والمؤسف ان «السيديهات» المتوافرة ما هي إلا جهد فرد واحد مريد للشيخ إمام والشاعر، لكن المهمة تحتاج إلى جهد مؤسسي تتضافر فيه إسهامات كل المريدين المبدعين القادرين على تقديم أعمالهما بأحسن صيغة فنية تقنية تليق بهما. والبلية هنا أن «الفاجومي» نفسه هو سبب إخفاق كل المحاولات التي سعت إلى توثيق هذه الأعمال بالصوت والصورة ونشرها. لأن الشاعر لا يحفل أبداً بحقوق المؤلف، ولا يعبأ بمتابعة هذه الأمور مطلقاً لاعتقاده بأن إبداعه للناس كافة، يفعلون به ما يشاؤون: يستنسخونه ثم يبيعونه جهاراً نهاراً من دون أن يحرك ساكناً! ماذا أقول فيه؟! «هوه كده .. وحيبقى كده» ولا حول ولا قوة إلا بالله!

* إن الاعمال المسرحية والغنائية المنعوتة حينا بـ«الملتزمة» وحينا أخرى بـ «التحريضية»: تنفيسية يتحمس لها السامع لحظة سماعه إياها.. ومن ثم ينام قرير العين! وربما «يطعم رزا مع الملائكة» كما يقول إخواننا في مصر المحروسة! لكن أعمال «إمام ونجم» تنطوي على تحريض دائم موصول، يضفي عليه تقادم الأيام، وتعاقب السنين، تأثيراً إيجابياً يحرض على الفعل، ويطيّر النوم من الجفون، وآلاما في العيون والبصر والبصيرة!.

«مصر يامه.. يا بهية، يا أم طرحه وحلابيه الزمن شاب وأنت شابه.

هوه رايح.. وانتي جايه.

جايه فوق الصعب ماشيه .. فات عليكي ليل وميه

تطلع الشمس تلاقيكي معجبانية.. وصبية .. يا بهية»

إن صاحبنا حالة تسكن الوجدان الشعبي العربي، وستظل حاضرة فيه إلى ما شاء الله، حسبنا أن الشيخ إمام بات الغائب الحاضر، ولو جرب «أبو النجوم» أن يموت، حين يحل أجله المحتوم، فإني أتصور أن ضريحه سيتحول إلى مزار كأضرحة أولياء الله الصالحين ويكون عندنا - ساعتها- «سيدي الفاجومي أحمد فؤاد نجم» أول مصري ينضم إلى قافلة الأولياء الذي ينتشرون في بر مصر.. وكلهم غير مصريين. وجلهم من المغاربة!

وفي قاعة «الراية» سيلتقي المريدون بالشاعر لقاءً مباشراً بعد أن استمعوا إليه عبر أشرطة الكاسيت. ولا شيء مثل اللقاء المباشر الذي يسقط الحواجز بين المبدع والمتلقي. إذ ستكون «صهبتنا صباحي» بإذن واحد أحد.

صهبتنا صبّاحي

طول ما الألم صاحي

يا شوقي يا جراحي

يا حبي.. يا بكره

يا صحبتي في الهم

يا شركتي في الدم

عزوتنا لو نتلم ... «ونغني للفقرا»

ولم تكن أشعاره متمحورة عن الفقراء والمستضعفين فحسب، بل إنه تغني للشهداء «دولا يا سينا ولاد الشهداء، دولا التار لاينام ولا يهدا. خلي ترابك يسكن يهدا، يضم الشهدا الجايين».

ولسنا هنا بصدد استعراض من غنى لهم وتغني بهم، لأنه كان ولا يزال ضمير الأمة النابض بآلام وآمال كل فئات الشعب في ديار العرب.

حسبنا تحية له أن نقول له بعظمة لسانه:

«صباح الخير على الورد اللي فتّح في جناين مصر

صباح العندليب يشدي بألحان السبوع يا مصر

صباح الداية واللفه... ورش الملح في الزفه

صباح يطلع بأعلامنا .. من القلعه لباب النصر»

أبا النجوم: صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين «الغورية» وأورق يانعاً في «حوش آدم»، ومازال نابضاً بالتحريض، عامراً بالفعل، ملعلعاً بلسان حال الأمة وهمومها وقضاياها والتحديات الجسيمة التي تجابهها.

back to top