الشيوعيون وحلم السلطة

نشر في 14-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 14-02-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك

كان حزب الوسط «ذيكو» لا يمتلك أكثر من 16% من القوة الانتخابية بينما يمتلك حزب الشيوعيين «أكيل» ما يقرب من 34%، وهو الرقم الدائم الذي كان من نصيبهم الثابت في الشارع السياسي، وبذلك الرقم يسيطر الشيوعيون القبارصة على ثلث القوة الانتخابية من السكان.

يصطف الناخبون القبارصة في السابع عشر من فبراير الجاري أمام صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم القادم، وكعادتهم لم يدخر القبارصة من حرارتهم الانتخابية كحرارة شعوب شرق أوسطية، وديناميكية حركتهم الدعائية في حملاتهم الانتخابية، خصوصاً الأحزاب التاريخية في الجزيرة، التي ظلت عقوداً طويلة تحتكر الشارع السياسي في ما بينها. وعرفت قبرص التجربة الديموقراطية الوطنية بعد نيل استقلالها مباشرة منذ عام 1960، حيث استمرت التجربة من دون أي تعثر أو خلل حتى في ظل ظروف الغزو التركي للجزيرة وتقسيمها إلى شطرين، وكل ما فعله الغزو هو إرباك العملية الانتخابية مدة عام، ولكنها سرعان ما استأنفت نشاطها وحيويتها، وبذلك تؤكد التجربة القبرصية كدولة شرق أوسطية، أن الظروف القسرية كالاحتلال أو التقسيم لا يعني بالضرورة أن تكون ذريعة أو حجة بتعليق الشرعية الدستورية وفق أهواء أي طرف خارجي أو داخلي، كما أن التجربة القبرصية تبرهن على أن العسكر كانوا دائماً عائقاً ومعطلاً لديمومة التجربة الديموقراطية ومسارها التاريخي كإرادة شعبية سليمة، كما أنها كانت الترس الحامي للمسألة الوطنية ووحدة الشعب وأطيافه السياسية المختلفة حول القضية القبرصية كمسألة لا يمكن التفريط بها بتلك السهولة، حتى إن كانت الأحزاب لديها رؤى مختلفة في آلية وكيفية الحوار والتفاوض إزاء المسألة القبرصية والتقسيم والحل. لهذا ظلت قضية محورية في كل عملية انتخابية، لكونها عنصر تجاذب سياسي بين المتنافسين والناخبين، بل تشكل عنصراً مهماً في مدى ابتعاد أو اقتراب الناخبين من المرشحين في حالة طرحهم رؤى لا تتفق مع المنظور الوطني العام المشترك حول المعالجة والحل المرضي لللاجئين القبارصة وهم يشكلون ثلث السكان، حيث نزح ما يقرب من مئتي ألف قبرصي من الشمال إلى الجنوب. ومنذ الاستقلال أدى الشيوعيون القبارصة دوراً مهماً في دعم أغلبية الرؤساء، وكانوا سبباً مباشراً في نجاحهم الانتخابي، حيث ساهموا في دعم مكاريوس، وكبريانو، وفاسيليو، وأخيراً بابادوبلوس، المرشح والرئيس الحالي المنتهية ولايته في الوصول إلى سدة الحكم، فقد كان حزب الوسط «ذيكو» لا يمتلك أكثر من %16 من القوة الانتخابية بينما يمتلك حزب الشيوعيين «أكيل» ما يقرب من %34، وهو الرقم الدائم الذي كان من نصيبهم الثابت في الشارع السياسي، وبذلك الرقم يسيطر الشيوعيون القبارصة على ثلث القوة الانتخابية من السكان، لهذا سيطروا على نصف مقاعد البلديات في أهم مدنها ومفاصلها إلى جانب تأثيرهم البارز في مجلس النواب، مما منحهم حق رئاسة البرلمان، حيث وفق الدستور القبرصي يحل رئيس البرلمان مكان رئيس الجمهورية أثناء تغيبه. ونتيجة ائتلاف حزب الوسط والشيوعيين في الانتخابات السابقة، فقد تقاسما أهم الحقائب الوزارية إلى جانب أحزاب أخرى، غير أن الشيوعيين طلبوا من حزب الوسط أن يتنازل لهم عن إدارة البلاد في الدورة القادمة مقابل الائتلاف الجديد، ولكن الوسط الأقل نسبة في الأصوات أصر على تكرار دعم الشيوعيين له وليس العكس، فوجد «أكيل» أن ذلك موقف يخل بالشراكة السابقة، فلا يجوز أن يحتفظ «ذيكو» بدورتين من الانتخابات الرئاسية بعد أن أخفق – من وجهة نظر «أكيل»- في إدارة ملفات عديدة داخلية وخارجية باعتبار أن القرارات النهائية يحسمها رئيس الجمهورية. وبهذا الطلاق بين حلفاء الأمس يدخل الشيوعيون هذه المرة بمفردهم المنافسة من أجل حلم السلطة ومقعد الرئاسة.

وإذا ما كان أمر الدورة الأولى محسوماً بعدم انتصار أي حزب من الأحزاب الثلاثة المتنافسة، بحصوله على نسبة من الأصوات تؤهله للفوز، فإن ما يمكن تأكيده من استطلاعات الرأي هو صعود «أكيل» للمنافسة على الرئاسة من دون أي صعوبة، بينما يبقى الصراع بين حزب «ذيسي» و«ذيكو» (الوسط) قابلاً للتخمينات وإن كانت استطلاعات الرأي ترجح حزب الوسط. لهذا ستحمل الدورة الثانية المفاجأة التاريخية، حيث هامش الفرق بين «أكيل» و«ذيكو» يتحرك بين 2 - %4 مما يجعل الجميع ذلك اليوم غارقاً بين الدهشة والصدمة، خصوصاً إذا ما صعد الشيوعيون إلى الحكم، والذين أوضحوا في أثناء حملتهم الانتخابية أنهم لا يحملون للاتحاد الأوروبي في برنامجهم السياسي الموديل الستاليني القديم.

* كاتب بحريني

back to top