أخطاء قاتلة

نشر في 28-03-2008
آخر تحديث 28-03-2008 | 00:00
 بسام عبدالرحمن العسعوسي

كان يجب على رجال «الداخلية» المحترفين أن يتمهلوا قليلاً في القبض على المتهمين إلى أن تقام الانتخابات الفرعية بالفعل، وذلك عبر ضبطهم «بالجرم المشهود» وتحريز الأوراق والصناديق حتى تكون الجريمة مكتملة الأركان، ويكون الركن المادي للجريمة قد وقع بالفعل، وبالتالي لا يكون هناك مجال للإنكار.

أختلف كثيراً مع مَنْ تفاءل ورحّب بالإجراءات الحكومية حيال ما يسمى بالانتخابات الفرعية أو التشاورية، صحيح أن الحكومة تعاملت بنوع من الجدية والجرأة المشهودة والصرامة إلى حد ما في التصدي لهذه الآفة، لكن كل تلك الإجراءات قد شابها القصور والخطأ، وأعتقد جازماً – كرجل قانون– أن كل المتهمين في جرائم الانتخابات الفرعية سيكون مصيرهم البراءة ولا شيء غير البراءة، وذلك على اعتبار أن الحكومة أو وزارة الداخلية تحديداً قد تسرعت كثيراً، وكشّرت عن أنيابها مبكراً، وبالتالي أضحت الإجراءات من أولها إلى آخرها مشوبة بالقصور والبطلان الموجب للبراءة... بل إن الحكومة بتسرعها في معالجة هذه الجرائم قد مكّنت المتهمين من معالجة وتصحيح أخطائهم، وستقام الانتخابات الفرعية خلسة وفي غيبة، ورغماً عن رجال «الداخلية»، وسينطبق المثل الشائع «كأنك يابوزيد ماغزيت».

إن سبب اختلافي يا إخوتي مع من تفاءل ورحّب هو أنه إذا كانت الحكومة صادقة وجادة بالفعل كما تدعي في متابعة تطبيق القانون، والقضاء على هذه الظاهرة، والحفاظ على الديموقراطية، كان يجب عليها أن تتأنى في القبض على المتهمين وإحالتهم إلى جهة الاختصاص... وبوضوح أكثر إن رجال «الداخلية» عندما علموا عن طريق الإعلانات في الصحافة أو الشوارع عن نية بعض القبائل لعمل اجتماعات «تشاورية» هرولوا مسرعين في القبض على من دعا ونظّم ووضع الإعلانات، وهذا الإجراء خاطئ، ويجب ألا يقوم به أي رجل مباحث مبتدئ، فما بالنا بقيادات وعمداء وعقداء قد اجتمعوا كما سمعنا لترتيب كيفية معالجة هذه الظاهرة.

في تقديري كان يجب على رجال «الداخلية» المحترفين أن يتمهلوا قليلاً إلى أن تقام الانتخابات الفرعية بالفعل، وذلك عبر ضبطهم «بالجرم المشهود» وتحريز الأوراق والصناديق حتى تكون الجريمة مكتملة الأركان، ويكون الركن المادي للجريمة قد وقع بالفعل، وبالتالي لا يكون هناك مجال للإنكار أو التهرب أو التعذر بأن تلك الدعوة والإعلانات كانت لمعالجة ظاهرة غلاء المهور أو العانيات أو التباحث في أمور القبيلة كما زعم بعض المتهمين.

وفي الواقع لا أريد أن أتحدث عن موضوع هو الآن في حوزة النيابة العامة الأمينة على الدعوى العمومية، وهم رجال لا نشك أبداً في عدالتهم ونزاهتهم... لكن حديثنا هذا ينصبّ بالدرجة الأولى على الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة ابتداء بمعالجة هذه الظاهرة القبيحة.

من جانب آخر إذا كانت الحكومة جادة فعلياً في القضاء على جميع الظواهر السلبية التي تشوب الانتخابات فيجب عليها أيضاً، وهذه مسؤولية سمو رئيس الحكومة، أن تكبح جماح الشيوخ في الابتعاد عن التدخل السافر في هذه الانتخابات، وأن تصدر الأوامر الصارمة إلى السادة أحمد وطلال ومحمد وعذبي بألا يقفوا مع فريق ضد فريق، وإلا ستكون الحكومة هنا غير منصفة وغير عادلة وتكيل بمكيالين، فعلى القبائل «شديد العقاب» وعلى الشيوخ «غفور رحيم ...».

back to top