صلاح عيسى: تعلَّمت في السجن كتابة الرواية

نشر في 01-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 01-04-2008 | 00:00

بجناحي الإبداع الأدبي والتحليل السياسي، يحلق الكاتب والصحافي صلاح عيسى في سماء المعرفة. يتمتع المحلل السياسي، صاحب المقولات التي تعالج القضايا المحلية والإقليمية، برؤية إبداعية خاصة عبَّر عنها في كتب وإصدارات أدبية أطلقها في بدايات مشواره مع الكتابة، من بينها مجموعته القصصية «جنرالات بلا جنود» ورواية «مجموعة شهادات في خدمة تاريخنا» وقصة «كوكي» للأطفال.

عن الجانب الإبداعي في حياة الكاتب السياسي كان هذا الحوار:

كيف تقيّم المحاولات الأدبية الأولى في حياتك؟

أنتمي إلى جيل الستينات الأدبي وواكبت رواد الأدب أمثال يوسف إدريس وصالح مرسي وعبدالله الطوخي وتأثرت في كتاباتهم. وفي هذا السياق بدأت محاولاتي الأولى في كتابة الشعر، ثم اتجهت إلى القصة القصيرة، فكتبت مجموعة قصصية وانضممت في تلك الفترة إلى تنظيم سياسي سري مع مجموعة من الروائيين الجدد المؤمنين بأن القصة القصيرة هي التي ستغيّر العالم، إعتبرت ذلك مبالغة شديدة اعتقاداً مني أن هذا الأمر منوط بالعمل السياسي المباشر، فتعصبت لفكرتي وبدأت مطالعة التاريخ والكتابة فيه، لأنهما يمثلان دراما العالم، إلا أنني عدت مرة أخرى إلى الأدب أثناء فترة اعتقالي من عام 1968 إلى 1972، فكتبت روايتي «مجموعة شهادات في خدمة تاريخنا» ومجموعة قصصية بعنوان «جنرالات بلا جنود» وأعدت طباعتهما مرة ثانية، السبب الآخر في عودتي إلى الأدب هو نكسة حزيران (يونيو) عام 1967. أعتبر أن التأثير المشهدي هو البارز في كتاباتي سواء كانت تاريخية أو سياسية، ولدي، باستمرار، حرفيَّة أدبية تتجلى في بنية النصوص علاوة على الاستشهادات والكتابة بالأسلوب الأدبي، فالأدب في داخلي دائماً.

ولكنك لم تقدِّم مشروعاً أدبياً خاصاً على غرار جيل الستينات؟

أنا صاحب مشروع ليس بالضرورة أن يكون أدبياً، تكونت رؤيتي للعالم من أوضاع الوطن والأمة العربية، وعبرت عنها بأشكال أدبية مختلفة تشمل الرواية والقصة والمقالة السياسية المباشرة والدراسة الأكاديمية حتى كتاباتي التاريخية جاءت جامعة للصور الأدبية. يظهر الأدب جلياً في حياتي العملية في مجال الصحافة الأدبية وحتى مناظراتي التلفزيونية، وأعتبر نفسي كاتبا متنوع الاهتمامات أعبِّر من خلالها عن نفسي وما يدور في ذهني، هنالك مزيج بين الأدب والتاريخ والسياسة في كتاباتي، في الأحوال كلها الأدب الآن هو أول اهتماماتي ولا يمكنني الإبتعاد عنه.

ما هي الملامح الاولى لتكوينك الأدبي؟

نشأتي في الريف المصري الذي هو مسقط رأس الكثير من المثقفين والمفكرين والأدباء العرب وتعلقي الشديد به وتأثري في قيمه الإيجابية التي حفظت الكثير منها وبمخزون التراث الشعبي والأساطير والأمثال الشعبية وبكونه مركز التناقضات الاجتماعية، وهو ما جعلني، لدى نزوحي إلى المدينة، أتغلب على الصعاب التي واجهتني. عموماً أستفدت من الريف وما زال تأثيره موجودا في حياتي إلى الآن، بالإضافة إلى تأثري الكبير بجيل العمالقة الذي كان يتولى القيادة الثقافية مثل نجيب محفوظ ويوسف السباعي وزكي نجيب محمود وقبلهم جيل طه حسين وتوفيق الحكيم. هؤلاء جميعهم خلقوا نوعا من الاستقرار الصحافي والثقافي وساهموا في تعليمنا وشحذ عقولنا.

وماذا عن الجانب الاجتماعي الذي تجلى في كتابك «ريا وسكينة» الذي تحول إلى مسلسل تلفزيوني شهير؟

إعتبر كثر هذه التجربة النموذج للتاريخ الاجتماعي وتؤسس لشكل جديد في الكتابة التاريخية والأدبية. أعدت تاريخ تفاصيل الحياة بطريقة أكاديمية تاريخية وفي الوقت نفسه قدمت الخريطة الاجتماعية والفكرية التي تزامنت مع هذه الفترة بأسلوب أدبي رصين. لذلك اعتبرها النقاد شكلا جديداً من أشكال الكتابة الإبداعية.

كتبت روايتك ومجموعتك القصصية في السجن، ما تأثير المكان في ذلك؟

تجربة السجن لها طابع خاص في نفسي. من خلف القضبان صدرت الأعمال الإبداعية والفكرية لأكبر الأدباء والمفكرين العالميين، وهي تجربة ثرية تعلِّم التقشف والصبر، يكون المبدع فيها في حال إبداعية واعية لأهداف كتاباته وفي حال ذهنية مرتفعة، لا «يوجد إنسان حر يحب السجن». بالنسبة إلي تعلمت منها قيماً كبيرة وتعرفت على المثقفين والأدباء والسياسيين وكتبت «الثورة العرابية» وروايتي «مجموعة شهادات» والمجموعة القصصية «جنرالات بلا جنود».

من خلال تجربتك في رئاسة تحرير جريدة «القاهرة» الثقافية كيف ترى دور المجلات والصفحات الثقافية المتخصصة؟

الحقيقة أن جريدة «القاهرة» لها طابع خاص، فهي تتوجه إلى المثقف والقارئ العادي في الوقت نفسه بالشكل التقليدي للصحيفة، بعيداً عن الشكل المتجهم للمجلة الثقافية أو الشكل الذي تتوجه فيه إلى المتخصص. لدينا تجربتان مهمتان في هذا النوع من المجلات هما: مجلة «العربي» الكويتية التي تستخدم أساليب الإبهار الصحافي مع جديتها وتنوعها وبساطة لغتها وجريدة «القاهرة» التي نحاول من خلالها أن نقدم إلى القارئ العادي عملاً موازياً على مستوى الجريدة الأسبوعية تحت شعار «تحتمل الحرية الحقيقية إبداء أي رأي وترويج أي فكر ونشره» وتسعى إلى إدارة حوار وتزخر بحشد من الكتاب في الاتجاهات المختلفة.

نتعامل مع الثقافة في العالم العربي بمفهوم ضيق، تنتمي الصحافة المتخصصة في النقد أو الشعر أو الأدب أو الفكر السياسي إلى القراء الذين تتوجه إليهم، وتكمن الإشكالية في عدم وجود مشروع فكري تنطلق منه وعقلية تخطط وتنسق بشكل صحيح وفي الأمية فلا تصل هذه المطبوعات إلى الجماهير.

ما هو الدور الذي يمكن أن يؤديه المثقف في ظل ظروف اللحظة الراهنة؟

بداية يجب الإشارة إلى أن المثقفين مدارس واتجاهات. والمثقف هو جزء من مشاريع النهضة وهنالك مساهمات في النهضة العربية وطنية كانت أو قومية. يمكن أن تتفق التيارات الثقافية الموجودة على الخريطة الثقافية في ما بينها على سبل النهضة العربية عبر العلم والديمقراطية والعدل وإعلاء قيمة العمل وأن يعمل أصحابها على تنفيذها، كلٌّ عبر مشروع عام.

back to top