نافذة: مرضنا المزمن

نشر في 23-11-2007
آخر تحديث 23-11-2007 | 00:00
 أحمد سعود المطرود

هذه الأزمة مرض مزمن لا يمكن الخلاص منه إلا إذا حدثت معجزة، مرض تفشى حتى بات يصعب علاجه، ومع الأسف أننا نتناساه أكثر الأحيان، وهو في نظر البعض بسيط ولكنه في حقيقة الأمر أكبر مما نتصور.

هناك كثير من البلدان تعاني الكوارث الطبيعية التي تنتهي بدمار ثرواتها، ولكن سرعان ما تنجلي هذه الكوارث لأنها مؤقتة، أما نحن فأمامنا كارثة لا تنتهي أبداً، ألا وهي «الاختناقات المرورية» التي يواجهها المواطن والمقيم في يومياته، وهي ملازمة له صباحا ومساء وفي كل مكان، حتى أصبحت هاجساً لا يفارقه، وهمّاً من هموم دنياه يلازمه ليل نهار كحال «صاحب الدين».

وهذه الأزمة مرض مزمن لا يمكن الخلاص منه إلا إذا حدثت معجزة، مرض تفشى حتى بات يصعب علاجه، ومع الأسف أننا نتناساه أكثر الأحيان، وهو في نظر البعض بسيط ولكنه في حقيقة الأمر أكبر مما نتصور. نعم، نحن نعلم أن بعض الأمراض يمكن علاجها، وهي كثيرة في الدولة ولكن الذي لا يمكن علاجه عندما تصبح مرضاً مزمناً وقد انتشرت «انتشار النار في الهشيم» ولاخلاص منها، فهل ينفعه بعد ذلك الدواء؟

وهذه الأزمة تعد من الأمراض المزمنة التي لا يمكن أن ننتهي منها طوال حياتنا، نحن أمام قضية من قضايا العصر التي تقاعست عنها الحكومة أكثر من 25 عاماً وبالتحديد في السبعينيات، أي بمعنى أنها ليست وليدة اللحظة حتى نقوم بدراستها ووضع الحلول لها، ولكن كما يقول المثل «هذا ماجناه أبي علي وما جنيت على أحد» والعجيب في هذا الأمر أن حكومتنا الموقرة لاتزال تدرس كيفية حل هذه المشكلة، وقد كانت في الأمس القريب سهلة الحلول عندما كان عدد السكان قليلاً، والملاحظ أن هذه المشكلة لا تُناقش أو تُطرح إلا عند بداية كل عام دراسي جديد ولمرة واحدة فقط، ومن ثم تنسى من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية وكذلك الجهات الحكومية المعنية بها، فهذه القضية تعد من قضايا الرأي العام الشائكة لأنها تهم جميع شرائح المجتمع من دون استثناء، وهي القضية الوحيدة التي يتساوى فيها المجتمع المدني والعسكري في الشكل والمضمون، فالقضية لاتزال تتزايد مما خلق جواً مكهرباً «يشمئز» منه أفراد هذا المجتمع، حتى وصلت أضرارها النفسية والجسدية إلى كل فرد، وإلى كل دائرة حكومية فضلاً عن أنها أصبحت عذراً عن التأخر عن الدوام لكل موظف أوطالب، مما جعل الحالة النفسية للفرد في غليان مستمر وصراع مع ذاته نتيجة هذا الأمر، وأصبحت تنعكس عليه سلباً فتراه سريع الغضب والشجار، هذا عدا عدم الاستقرار المعيشي والاجتماعي في الأسرة والعمل.

أما من الناحية الجسدية فحدّث ولا حرج، لاسيما الحوادث الكثيرة والمروعة التي راح ضحيتها الآلاف، إما بالإعاقة أو بالموت، نتيجة التهاون أو السرعة التي غالباً ما نراها في الطرقات خوفاً من التأخير.

وأسباب هذه الأزمة الضائعة من قبل الدولة تعود إلى الزيادة المفرطة في أعداد السيارات من دون حسيب أو رقيب من وزارة الداخلية، فنجد أعدادها تفوق أعداد السكان بمن فيهم الوافدون، لقد سمعنا عن المجلس الأعلى للمرور وعن اجتماعاته السنوية ولكنها «كالعسكري في الميدان مكانك راوح» حالها كحال السلطة التنفيذية ووعودها الإصلاحية التي أصبحت هذه الإصلاحات مثل«بيض الصعو» الذي نسمع به ولا نراه، فالاختناقات المرورية لا يقع كاهلها فقط على وزارة الداخلية بل تشمل كثيراً من الوزارات والهيئات الحكومية كالأشغال والبلدية والإسكان وهيئة البيئة وجمعية المهندسين وغيرها، إذ يستحيل أن تتفق هذه الوزارات جميعاً مما يجعلها مزمنة لا حل لها.

فالأزمة المرورية اصطنعتها الحكومة من دون دراسة ورؤى مسبقة، فجعلت جميع الدوائر الحكومية والخدماتية داخل العاصمة، وكأن الدولة محصورة فقط في العاصمة، وبعدد قليل من الكيلومترات، وإن تقاعس السلطتين التشريعية والتنفيذية في هذه القضية ذات السلبيات الكثيرة على المجتمع، تجعلنا نقول إن كلا السلطتين في «فلك يسبحون»، فلاجدية في الإصلاح ووضع الحلول حيز التنفيذ.

ويمكن أن نطرح بعض الحلول لعلها تجد صدى من المسؤولين، وهناك بعض اللمسات «لعل وعسى» نجني ثمارها، وهي: أولاً، توزيع المؤسسات والدوائر الحكومية، خصوصاً الخدماتية منها على المناطق الخارجية كالجنوبية مثلاً. ثانيا: زيادة الجسور المعلقة ومترو الأنفاق. ثالثا: توسيع الطرق الرئيسة السريعة وزيادة المداخل والمخارج الفرعية. رابعا: جعل مدة فتح الإشارات المرورية أطول من المعتاد وقت الذروة. خامسا: تفعيل باصات النقل للعمال والعاملين من الجنسيات المختلفة. سادسا: حملة ترشيد مكثفة وموسعة على مدار العام وبمشاركة المؤسسات والدوائر الحكومية المعنية، كما هو حاصل في الحملة الإعلامية في دبي الآن للحد من الحوادث والازدحامات المرورية.

back to top