لله ملك الأرض وميراثها

نشر في 12-11-2007
آخر تحديث 12-11-2007 | 00:00
 د. حسن حنفي

الله ليس إله إسرائيل، وإله الجيوش والعدوان، والتابوت والعهد كما يصور العهد القديم، بل هو إله الجميع، وتنعكس وحدانيته في وحدة البشر جميعاً وليس في شعب مختار، له النصر والأرض والمدينة والمعبد مهما عصى واعتدى وظلم وطرد وشرّد وجرف الأراضي وهدم المنازل ونزع أشجار الزيتون.

ليس الله «إله السموات والأرض»، «رب السموات والأرض»، «وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله»، فحسب، لكنه مالك السموات والأرض وله ميراث السموات والأرض، أيضاً، لذلك لا يجوز لأحد، أو لفرد مثل فرعون أو لقوم مثل إسرائيل التألّه فيها.

فالأرض لها صاحب ومالك «ولله ملك السموات والأرض» لا يجوز لأحد غيره ادّعاء ملكيتها، «له ما في السموات والأرض». والكل يعرف هذه الحقيقة، والسؤال عنها بديهي «قل لمن ما في السموات والأرض قل لله»، وهو اعتراف إنساني بناء على تجربة إنسانية «الذي له ملك السموات والأرض، لا إله إلا هو»، فالملكية الإنسانية للاستعمال وليس للاستيلاء، والإنسان وجود وليس ملكية كما يقول الفلاسفة المعاصرون، فهو يأتي إلى العالم لا يملك شيئاً، ويغادره لا يملك شيئاً.

لله ملك الأرض ومن عليها، وله خزائنها «ولله خزائن السموات والأرض»، وما فوق الأرض وما تحت الثرى، من العمران والنفط، والبنايات والهياكل على الأرض والمعادن الطبيعية تحتها، وهو ما سماه الفقهاء «الرّكاز»، ولا أحد يملك ذرّةً في السماء أو في الأرض كما تدّعي النظريات العنصرية والقومية العرقية، «لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض»، بل إن بعض الدول أرادت امتلاك المحيطات والكواكب والنجوم والقمر وكل ما في الفضاء، فالملكية على هذا النحو مظهرٌ من مظاهر القوة والعدوان.

وتتضمن ملكية الله للسموات والأرض ملكية مقاليد الأمور فيها، والسيطرة على قواها «له مقاليد السموات والأرض»، فهي ملكية عالمة وليست ملكية جاهلة تنتهي إلى التلوث والتصحّر.

وطاعة الكون لله طواعية واختياراً أي اتفاقاً مع طبيعتها وقوانينها «فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين»، فهي ملكية طيّعة حرة وليست قهراً أو نهباً أو تدميراً.

وبهذه الملكية للسموات والأرض يتبارك الله ويتقدّس اسمه «وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما»، فيتحقق السلام على الأرض، والملكية البشرية أساس الشقاق والنزاع حول الأشياء، والإنسان مستخلف في ما بين يديه، وله حق الانتفاع والتصرف والاستثمار، وليس له حق الإضرار بالغير أو الاحتكار أو الاستغلال.

والأرض لها وارثٌ هو الله «لله ميراث السموات والأرض»، فلا يجوز لأحد سواه ادعاء وراثتها، أباً عن جد، وابناً عن أب، وحفيداً عن ابن، فالميراث نتيجة طبيعية للملكية، وليس إعطاء مَنْ لا يملك لمَنْ لا يستحق كما فعل وعد بلفور لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.

والله يورّث الأرض لعباده الصالحين وليس للعصاة قتلة الأنبياء والشعوب «وتلك الأرض يرثها عبادي الصالحون»، وهو مدون في الزبور «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذّكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون». فـ«العهد القديم» لا يعطي الأرض إلى شعب بلا شرط، مهما اعتدى وعصى وقتل الأبرياء. وشرط الوراثة العمل الصالح الذي يفتح الأرض للجميع، فتتوارثها الأجيال الصالحة جيلاً وراء جيل «أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها»، وليس عرقا أو شعباً من دون غيره، كما يرثها من لهم الجنة «وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء». وليس الذين لعنهم الله في الدنيا والآخرة، فإذا عصى شعب مثل بني إسرائيل يرث الصالحون أرض العصاة «وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطأوها»، فلا يبقى على الأرض إلا الصالح وفي نهاية الدنيا يرثها الوارث الأول والأخير «إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون»، فإليه يرجع الأمر كله.

والله وحده هو الذي يعلم غيب السموات والأرض «إني أعلم غيب السموات والأرض»، ولا يخفى على علمه شيء، ولا يأتي العلم من تزوير التاريخ وتحريف الوثائق كما تفعل إسرائيل في إثبات وجودها كأول شعب على أرض فلسطين، وإثبات إقامة المسجد الأقصى على أنقاض هيكل سليمان الذي يجب إعادة بنائه كما كان فوق أنقاض المسجد الأقصى، وهو الذي يعلم السر والعلن «يعلم سركم وجهركم»، ولا يخفى التآمر والكذب من أي فرد أو شعب عليه، فهو يعلم ما تحت الأرض وما فوقها «ولا حبة في ظلمات الأرض ولا يابس إلا في كتاب مبين»، وهو أعلم بالحفريات تحت المسجد الأقصى وليس مؤرخي الزيف والبهتان، ولا يغيب عنه شيء «وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين»، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور «إن الله عالم غيب السموات والأرض إنه عليم بذات الصدور».

ولا يستطيع أحد أن يعجز الله في الأرض، فالله قادر على إهلاك من يعتبرهم البشر آلهة «إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه في الأرض»، فكل إنسان على الأرض عبدٌ لله «إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً»، ولا يستطيع شعب مهما أوتي من جبروت وأسلحة دمار أن يعجز الله «وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء»، ولا يستقوي أحد عليه «وما كان ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض»، وكل شيء من ظواهر الطبيعة مسيّر بأمره «ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا»، والله هو الذي يدبر الأمر في السموات والأرض وليس القوى الكبرى «يدبر الأمر من السماء إلى الأرض»، ومن يعص الله فلا يعجزه «ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض»، والجنود لله في السموات والأرض «ولله جنود السموات والأرض»، وليس جيش «الرب» في أوغندا أو جيش «الدفاع الإسرائيلي» في فلسطين المحتلة.

ومادام الله هو مالك الأرض ووارثها فله على الناس حق الطاعة «ولله يسجد من في السموات والأرض»، وليس العصيان، كقتل الأنبياء، وتشريد الشعوب خارج أوطانها واحتلال أراضيهم، وله على الناس حق الإسلام له ليتحرروا من عبودية الأسياد من البشر «وله أسلم من في السموات ومن في الأرض»، فالسجود علامة الطاعة «ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض»، وليس الاستكبار والعلو في الأرض والتعالي على رؤوس العباد.

ومادام الله هو مالك الأرض ومن عليها وهو وارثها فإنه يملك الرزق للناس جميعاً ولكن ليس عن طريق العدوان وشفط المياه من الآبار، والاستيلاء على أشجار الزيتون، ومنع تصدير الموالح «ومن يرزقكم من السماء والأرض»، مهما بلغت المعونات الأجنبية والاستيلاء على الثروات الطبيعية للشعوب، ومادامت له مقاليد السموات والأرض فإنه يبسط الرزق لمن يشاء «له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء» بشرط ألا يبغي الناس في الأرض «ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض»، فغنى الظالم وفقر المظلوم وقتيٌّ، وغنى المعتدي ليفجر، وفقر المعتدى عليه يشحذ الهمة ويقوي العزيمة لاسترداد الحقوق.

الله هو المثل الأعلى في السموات والأرض «وله المثل الأعلى في السموات والأرض» وهو القيمة الأولى والمعيار الأول للسلوك البشري، وهو المبدأ العام الذي يتساوى أمامه الجميع بلا تفرقة في اللون أو القبيلة أو العشيرة أو الطبقة الاجتماعية، وله الكبرياء والعلو والعزة في السماء والأرض «وله الكبرياء في السموات والأرض»، ومن يتكبر في الأرض فإنه يؤلّه نفسه، وينصّب نفسه إلهاً في الأرض.

ولله يسبّح من في السموات والأرض «سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم»، فهو الحافظ لحرية البشر والمساواة بينهم، وهو أساس العدل والسلام، وله الحمد والشكر في السموات والأرض «فلله الحمد، رب السموات والأرض رب العالمين»، فالله ليس إله إسرائيل، وإله الجيوش والعدوان، والتابوت والعهد كما يصور العهد القديم، بل هو إله الجميع، وتنعكس وحدانيته في وحدة البشر جميعاً وليس في شعب مختار، له النصر والأرض والمدينة والمعبد مهما عصى واعتدى وظلم وطرد وشرّد وجرف الأراضي وهدم المنازل ونزع أشجار الزيتون.

* كاتب ومفكر مصري

back to top