30 عاما على زيارة القدس 4 السادات والشعب... فرح وشجن
بعد أن استعرضنا كيف أثّرت الظروف الدولية في قرار الرئيس السادات بالذهاب إلى القدس سنتحدث عن الموقف الداخلي ودوره... ففي يناير 1977 وقعت في مصر أحداث تعتبر من أهم العوامل التي دفعت الرئيس السادات إلى القيام بالزيارة، وقبل الحديث عن هذه الأحداث تحديداً ودورها سنحاول العودة في إيجاز شديد إلى علاقة الرئيس السادات بالشعب منذ توليه الحكم، فقد بدأت بالشك في قدرة السادات على ملء مكان عبدالناصر ثم تحول الشك إلى إعجاب يشوبه الخوف بعد ما عُرف بثورة التصحيح مايو 1971 إعجاب بقدرة شخص واحد على الإطاحة بكل معارضيه في ليلة واحدة والخوف من قوة هذا الرجل وبطشه، فهو على استعداد لفعل أي شيء من أجل البقاء في منصبه، ثم تحوّلت العلاقة إلى غضب شعبي مع نهاية عام الحسم من دون حرب، وتحوّل الغضب إلى فرح كبير وتقدير عظيم مع انتصار أكتوبر الذي كان أغلى أماني المصريين، ولكن عاد الجفاء مرة أخرى بين الشعب والسادات نتيجة مفاوضات فض الاشتباك التي رفضها البعض، وكذلك نتيجة سياسة الانفتاح الاقتصادي وانقلاب الهرم الاجتماعي وتبدل القيم التي واكبت تلك السياسة الاقتصادية غير المدروسة، وبلغ الغضب أقصاه في 18 و19 يناير 1977، وكانت الحكومة قد أصدرت في مساء يوم 17 قرارات برفع أسعار بعض السلع التموينية، ومع وعود السلام السابقة والرخاء الموعود وسياسة الانفتاح المستفزة رفضت الجماهير هذه الزيادة، وخرجت بعض المظاهرات من الجامعات وعمال المصانع في القاهرة، وسرعان ما انتشرت في المحافظات كلها على خلفية الاحتقان الجماهيري العام، ولكن الرئيس السادات للأسف لم يعترف بذلك واعتبرها انتفاضة حرامية، ثم ادّعى أنها هوجة شيوعية ومحاولة من أذناب مراكز القوى -المحتجزين في السجون- للعودة إلى الحكم، وظلت هذه الأحداث علامة فارقة في علاقة السادات بالشعب يتذكرها بالكثير من المرارة مع شعوره بتنكر الشعب لجميله، وأنه لم يقدّر كل ما فعله من أجله وأجل مصر. وبدأ السادات يفكّر في أن حالة اللاسلم واللاحرب التي يشعر بها الشعب نتيجة تجمّد مفاوضات السلام منذ فض الاشتباك الثاني قد تكون وراء هذا الغليان الشعبي، وانتهى إلى ضرورة إحداث حركة في المياه الراكدة لعملية السلام، وجاء «سيروس فانس» وزير الخارجية إلى مصر في 15/2/77 حاملاً دعوة إلى الرئيس السادات لزيارة أميركا، وبالفعل توجه السادات إلى هناك في أبريل 77، وكان رابين قد سبقه إلى هناك في مارس، ورغم إعجاب كارتر الشديد بالسادات «كما يقول كارتر في مذكراته» فإن هذه الزيارة لم تفعل شيئاً، فقد اضطر رابين إلى الاستقالة نتيجة تورطه في فضيحة مالية، وتم تقديم موعد الانتخابات الإسرائيلية إلى مايو 77 وتجمّد الوضع ثانية. تمت الانتخابات الإسرائيلية وجاء الليكود بزعامة بيغن بعد أكثر من 20 عاماً في المعارضة، والتاريخ الإرهابي لليكود غير مطمئن، وأصبح الجميع في حيرة وقلق من المستقبل، خصوصاً مع خطاب بيغن الأول الذي جاء متشدداً، وبدأت إسرائيل في بناء المزيد من المستوطنات رغم إعلان بيغن التزامه بالسلام. وفي شهر أغسطس 77 عاد «سيروس فانس» إلى رحلاته بين مصر وإسرئيل وأميركا في محاولة لإحياء عملية السلام من خلال المؤتمر الدولي، ولكن الرئيس السادات كان قد اقتنع شخصياً بعدم جدوى أي مؤتمرات دولية أو متعددة الأطراف، وأن السلام إن كان من الممكن حدوثه فيجب أن يكون بين طرفين برعاية وضمان أميركيين، وبعد ذلك ينضم من يشاء. وتلقى السادات أكثر من رسالة من بيغن عن طريق الرئيس الروماني والملك الحسن وشاه إيران يدعوه إلى لقائه -ولو سراً- وفي أي مكان، ولكن السادات رفض أن يكون اللقاء سراً، وأرسل حسن التهامي -نائب رئيس الوزراء- لمقابلة ديان في المغرب. بعد لقاء التهامي وديان في المغرب قرر السادات السفر بنفسه للقاء الرئيس الروماني تشاوشسكو، وفي طريق عودته ذهب إلى إيران والتقى الشاه، وكان سؤاله للرئيسين: هل بيغن جاد فعلاً في حديثه عن السلام؟ وهل هو قادر عليه؟ وكانت الإجابة بنعم. وهكذا وجد السادات نفسه محاصراً بين رغبة شخصية وسمات ذاتية تحكمه منذ 4 سنوات بعدم الدخول في حرب جديدة واعتبار حرب أكتوبر آخر الحروب، وبين موقف داخلي متأزم سياسياً نتيجة حالة اللاسلم واللامفاوضات، ومتأزم اقتصادياً نتيجة سياسة انفتاح لم تحقق وعوده، ومتأزم اجتماعياً نتيجة تغيير في سلوكيات الأفراد، وقيم المجتمع وتقاليده، ومحاصر عربياً برفض سوري لاتفاقية فض الاشتباك الثانية، ومحاصر دولياً بالتزام أميركا بمؤتمر دولي ومفاوضات متعددة الأطراف، وشريك روسي لا تستطيع التضحية به –في ذلك الوقت- وبيغن يضغط بكل الوسطاء من أجل لقاء معه. وهكذا بدأت الحلقة تضيق عليه، وبدا أن الطريق المنحدر الذي سار فيه أول خطوة يوم 16/10/73 وأعقبها بلقاء كيسنجر، بدا هذا الطريق، وكأن لزاماً عليه أن يستكمله فلا يوجد أمامه طريق غيره. ويلحّ على البال سؤال: ماذا حدث في القدس؟ للحديث بقية...