سبتمبر... نسيان الحدث وتعلّم الدرس

نشر في 13-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 13-09-2007 | 00:00
 بدر عبدالملك

كان أجمل ما فينا نحن العرب اختراعنا للمؤامرة اليهودية، مثلما تملّك بعض المحللين، أن تلك الأحداث ليست إلا لعبة أجهزة محترفين، يُحسنون فن اللعب في تدمير دولة عظمى عن بُعد! تحتاج أجيال أخرى إلى نسيان الحدث، وتحتاج أجيال أخرى إلى تعلم الدرس!

مرت ست سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر بذاكرته الرمادية، فمازال بعضهم مُصابا بالدهشة، وكاد بعضهم الآخر يقول إنها عملية مونتاج في عالم هوليوود السينمائي. ومع لحظة «الصدمة» العظمى كان الرئيس مصاباً بدهشة «عظمى»، فهل يعقل أن تتم مهاجمة دولة عظمى في عقر دارها بكل هذه البساطة؟!

وها هم الأميركيون يتم تذكيرهم بشريط فيديو جديد كل عام، وبأن الرجل القابع في الكهوف مع رجالاته المتناثرين، هم الأعداء الحقيقيون للولايات المتحدة ولمصالحها العليا، وعلينا اليقظة ثم اليقظة، «فدعوني أبلغكم فلا أحد يلومني إن وقعت، غزوة مانهاتن ثانية!» فدعوني أدمر العالم، إذا ما شممت رائحة الإرهاب في أي بقعة من كوكبنا، فالانتخابات على الأبواب ولها من الاستحقاقات الشيء الكثير.

مع ذلك الشريط «الحدوتة»، تستيقظ الذكريات الأميركية على هستيريا وفزع مدينة نيويورك، فما حدث يفوق الخيال والتصور! تنهار البورصة أمر ممكن، تُهاجم الأعاصير ولايات كاملة أمر محتمل ومنتظر، يصاب مهووس بلوثة في الدماغ ويطلق رصاصة في مدرسة ابتدائية أو جامعة، فتلك ثقافة اعتادها الشعب الأميركي، تُكتشف كميات هائلة من المخدرات، فهي حقائق أميركية لا يلتفت إليها أحد، يفوز بائس باليانصيب ويصبح بين ليلة وضحاها مليونيراً، فهذا هو المجتمع الأميركي بلد المصائب والعجائب والفرص، يحُلق الفرد الأميركي نحو الفضاء أو يخترق بلداناً وأنظمة بطوابير جواسيسه، ويرتب انقلابات ويزيح ساسة وينال من صفقات النفط والسلاح ما يشاء، وتقوم قيامة الدنيا ولا تقعد، فذلك من بديهيات السياسات الأميركية، تثار زوبعة الرئيس وفضائحه مع مونيكا أو يبدو نائب عصامياً من الظاهر وإذا به «بفضائح المراحيض»، كل ذلك أمره هين في بلد اشتهر بفضائح «ووترغيت» و«مونيكا غيت». هذه القصص والحكايات كلها موضوعات حيوية ومثيرة، تتسارع لها الأقلام وكتاب السيناريو، لاقتناص فرصة عرضها في صالة السينما، فهذه هي أميركا التي تحسن فن الإعلام والدعاية، فلا أحد بإمكانه أن ينافس بلد «الهمبرغر» و«ماكدونالد» و«الكوكا كولا»، بلد المهاجرين والذهب والنفط والقوة والجريمة والفساد وحرية المعلومات، فلماذا حدث هذا العمل الشنيع في عقر الدولة العظمى؟!

اليوم نحن أمام ظاهرة فن اللعبتين السياسية والإعلامية اللتين تجيدهما الولايات المتحدة بمهارة مع أشرطة بن لادن. لكن لماذا تعطلت مهارتها وأجهزتها الضخمة في اكتشاف مجموعة التسعة عشر شخصاً تحركوا في ساحاتها وشوارعها، وتدربوا بين خبرائها وتقنييها، حتى طاروا في فضاء الله وهم يهللون بحثا عن الجنة، فقد كانت «غزوة مانهاتن» انتصاراً للعقل الإرهابي في اقتحام الغرور الأميركي، نعم كان غرور القوة والغطرسة وحده الذي هيمن على رجالاتها، فلم يفهموا أن الغطرسة تنتج الأعداء والكراهية، مهما كان جبروت الطرف الآخر.

لسنا هنا مع سوداوية الحدث ولا براءة الضحايا وخسارتهم، غير أن الحكاية هنا من عجائب ألف ليلة وليلة، ومن معجزات فن الاختراق الأمني لبلد مدجج بالأمن والأجهزة، فمع أحداث سبتمبر، طار صواب الساسة والاستراتيجيين، وكل من ناموا على أوراق سيناريوهات الفشل، بعد أن اكتشفوا البرجين يتهاويان كأوراق الكارتون، ويتقافز الناس من الطوابق العليا بحثا عن موت أرحم من نيران تلتهم الغرف، إذ لم يكن خيار المنكوبين بنزعهم الأخير، قادراً على منحهم فرصة التفكير المنطقي، ولا فرصة التخيل بما يمكن أن يحدث في ما بعد، فليس كل عقل قادراً على الركض في اتجاه الحياة في لحظة الموت.

وكان علينا نحن العرب أن نفتش عن حكايات الكراهية، فاختلطت الأوراق الحقيقية، بين الموقف السياسي والإنساني، بين الشعوب والأنظمة وإداراتها وحكوماتها، بين الصراعات والمواقف العدوانية وبين التأمل في كوارث البشرية، والتحرك من أجل المساعدة والإغاثة والتضامن.

كان أجمل ما فينا نحن العرب اختراعنا للمؤامرة اليهودية، مثلما تملّك بعض المحللين، أن تلك الأحداث ليست إلا لعبة أجهزة محترفين، يحسنون فن اللعب بتدمير دولة عظمى عن بعد! تحتاج أجيال أخرى إلى نسيان الحدث، وتحتاج أجيال أخرى إلى تعلم الدرس، ومن أهمها مسألة الحب والكراهية والجنون، عندما تسيطر على إرادة ووعي البشر، ويتحول الإنسان إلى وحش كاسر، لا يهمه من الربح والخسارة، إلا الذهب اللامع في مدينة نيويورك المحمومة بالمال.

* كاتب بحريني

back to top