وما الموت...؟!

نشر في 12-03-2008
آخر تحديث 12-03-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي

الموت نهاية جسدية بلا شك. ولكنه ليس من المنطقي ولا من المعقول أن الطاقة التي تحرك هذه الأجساد تموت هي أيضا بموتها. الطاقة موجودة تأخذ شكل تحولات أخرى فقط، الموت تحولات لا ندركها، «الماء يتزوج شكل الإناء»، كما يقول أدونيس. وعندما يغادرنا حبيب أو قريب نحزن حقيقة على أنفسنا وعلى وحشتنا المقبلة التي تنتظرنا وعلى وحدتنا التي سنواجهها بغيابهم. لا أحب أن أصدق بأن الموت قاس لدرجة أنه النهاية الكاملة أو الغياب التام، فالأحبة الذين يرحلون يتحولون إلى حالة أخرى لا نعرفها، أمر هو من شأن الروح لا الجسد. «قل الروح من أمر ربي»، هذا ليس أمرنا، ولكننا نخمن نحوه بطرقنا المختلفة.

فلا الموت نهاية، ولا الطاقة تلك التي تحمل الأصوات والضحكات والمحبة والحنان والشوق تختفي، يظل معنا أعزاؤنا الذين يسرقهم الموت. في أميركا اللاتينية مثل يقول «الموتى يمسكون بيد الأحياء»... يحسون بنا ويرافقوننا فيما تبقى لنا من أيام، ولكن قدرتنا على التواصل معهم كبشر تظل محدودة، فليس لدينا جهاز استقبال يفك الشفرات التي تأتينا منهم... نواصل الحياة وهم يسيرون إلى جانبنا، إذا ما فرحنا يباركوننا وإذا ما حاصرتنا الخيبة يربتون على أكتافنا.

الأرواح التي تحوم حولنا تحتاج إلى اللاقط الصحيح وتحتاج إلى فك الشفرة. بعض البشر قادرون على ذلك، قدراتهم الروحية متطورة إلى هذا الحد من الشفافية والتواصل، تواصل يحتاج إلى صفاء في الروح والعقل.

«صفا جسدي حتى بان منه قلبه

وشفّ حتى بان ما في القلب من سر»

بيت شعري لمتصوف يدعى المكزون السنجاري.

لم تمنعني معرفتي بأن أحمد الربعي كان يواجه مرضاً شرساً، من شعوري بالصدمة لدى سماع نبأ وفاته، كأنني كنت أظن أن أحمد بإرادته القوية وحبه للحياة وصراعه العنيد مع كل أمراض مجتمعاتنا عموماً، سيكون قادراً على مواجهة مرضه العضوي الشخصي. وفاة أحمد الربعي خسارة، ليس فقط لأجل كتاباته التي كانت تهز المياه الراكدة، ولا لأجل نضاله في الحرب والسلم، ولا لما قام به من خدمة لوطنه العزيز الكويت. أحمد الربعي خسارة لأنه كان من الأرواح العالية في هذا الكون، وما أقلها!!

ظني أن الربعي يضحك مما ينسب إليه اليوم كعمل بطولي، لأنه روح جميلة تقبع في طور أرقى مما نحن فيه، تهف روحه حولنا، كما تهف ملايين الأرواح، تريد أن تقول لنا شيئا يصلح من شأننا، لكننا غير قادرين على سماعه وغير قادرين على فك الشفرة. الموت حق. لا دخل ولا تدخل، نحن قوم بسطاء في ما يخص هذه الرؤى.

لدينا في صعيد مصر مقولات قديمة قدم البلاد تقول إن الروح لا تفارق البيت قبل أربعين يوما، ولدينا من يقسم بأغلظ الأيمان أنهم رأوا أحبتهم الذين ماتوا يتحركون في البيت، في عالم البرزخ ما بين عالمين... أصدّقهم وأصدّق ما يرون. الأرواح لا تفنى... «أحياء عند ربهم»، هو قول منزّل لا يرقى إليه الشك.

الربعي رحل عنا بجسده فقط، وأقدم عزائي للكويت ولأسرته الكريمة، التي بلا شك أن أحمد قد أعدها لتقبّل الحدث، برؤية أجمل مما كتبت.

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية-IISS

back to top