زبائن سورية الأربعة
تعرض سورية أن تقبض ثمن خيانتها لإيران على مشترين كثر نظراً إلى اعتقادها بأهمية البضاعة التي تعرضها: وأول المشترين أميركا التي لابد أنها تهتم لما تعرضه سورية، وثانيهم إسرائيل التي ترى أن في يد سورية أن تقلل من تهديد «حزب الله»، وثالثهم مصر التي ترى تقارباً بين «الإخوان المسلمين» في مصر و«حزب الله»، ورابعهم السعودية.يقول المطلعون على الشؤون السورية إن النظام السوري سلَّم معظم أوراقه رهينة في يد إيران، فهو ينفذ في العراق ولبنان وفلسطين ما تريده ايران بالضبط من دون ان يكون له مصلحة سياسية مباشرة، لكن سورية كما يقول المطلعون ايضاً، تعرض على العالم أجمع ان تقبض ثمن خيانتها لإيران، بل ان المفاوض السوري، في القناة السرية السورية- الإسرائيلية، ابراهيم سليمان يعجب من الطلب إلى سورية ان تبيع ايران وحلفاء ايران في لبنان وفلسطين والعراق من دون ان تؤمن لها الولايات المتحدة الحضن الذي ترتجيه، والحال ترى سورية انه كلما تعاظم خطر ايران على خصومها، العرب، واسرائيل واميركا، بات الثمن الذي يمكن ان تحصل عليه لقاء خيانتها لإيران وقطع أصابعها الأمنية والعسكرية في الجبهات الثلاث، اكبر ومجزياً اكثر، وفي هذا الصدد تعرض سورية بضاعتها على مشترين كثر نظراً إلى اعتقادها بأهمية البضاعة التي تعرضها.أول المشترين اميركا التي لابد انها تهتم لما تعرضه سورية، فالعرض السوري يخفف عبئاً على الأميركيين في العراق، من جهة اولى، ويخفف عبئاً على اسرائيل من جهة ثانية، وهي حليفتها الأولى في المنطقة، لكن اميركا تبدو اقل المشترين اهتماماً، لأن المسألة الإسرائيلية لا تعنيها بشكل مباشر، ولأنها من ناحية ثانية مازالت تنتظر العرض الإيراني الذي لابد ان لحظته ستحين، وهذه افضلية لا يملكها غير أميركا في المنطقة طبعاً. ثاني المهتمين بالبضاعة السورية هو إسرائيل، فإسرائيل ترى ان في يد سورية ان تقلل من تهديد «حزب الله» في جنوب لبنان، وحركة حماس في قطاع غزة إلى الحد الأدنى الذي لا يعودان معه يشكلان تهديداً فعلياً، وهذا أمر يهم اسرائيل كثيراً، لكنها ومادامت في صدد دفع الثمن تريد ان تشترك مع الولايات المتحدة الأميركية في صفقة شاملة، فتعطي سورية في المنطقة ما يمكن اعتباره وقفاً إيرانياً، على ان تهتم الولايات المتحدة الأميركية بإزالة آثار الخطر الإيراني تماماً ولو تطلب ذلك مشاركة اسرائيلية باهظة التكلفة.ثالث المهتمين بالعرض السوري هو مصر، التي ترى بأم العين تقارباً بين «الإخوان المسلمين» السُنة في مصر، و«حزب الله» الشيعي في لبنان عبر قناة حركة حماس في غزة. ومصر التي كانت إلى الأمس القريب مشغولة بهمومها الداخلية وتؤثر ألا تتدخل تدخلاً فاعلاً في ازمات المنطقة، باتت ترى ان الخارج الذي حاولت ابعاد اشباح خطره عن حدودها بات قادراً على اقتحام الحدود، هكذا انتبهت مصر اثر تفجير الجدار الحدودي، ان حركة حماس جعلت من مأساة حصار غزة مسؤولية مصرية بفعل اقتحام «حمساوي» للداخل المصري في عملية هروب إلى الأمام، وضعت مصر في الواجهة واعفت اسرائيل من المسؤولية. في وسع رئيس الوزراء الفلسطيني المقال ان يطالب الزعماء العرب بفك الحصار عن غزة، والحق ان المرء يدهمه سؤال في هذا المقال: هل هو يطالب بفك الحصار العربي أم الإسرائيلي؟ رابع المشترين هو المملكة العربية السعودية، التي تهتم للعرض السوري لأسباب تتعلق بأمن منطقة الخليج أولاً، وبسبب الدور الراجح الذي تلعبه المملكة في العالمين العربي والإسلامي، فالمملكة لا تستطيع التنصل من هذه القضايا، ودائماً تقع في مقدم المهتمين بها، لكن المملكة مثلها مثل مصر تملك أن تشتري من المالك مباشرة أي من ايران، وان تتفق معها على حدود النفوذ وحيثياته لكل دولة من هذه الدول. وعليه لا يبقى لسورية من شارٍ مهتم فعلياً إلا إسرائيل؛ لهذا تبدو القناة السورية- الإسرائيلية انشط القنوات في الدبلوماسية السورية واكثرها حيوية. ورغم ان سورية تفضل البيع لأي من المشترين الثلاثة الآخرين، فإن البضاعة السورية لا تبدو مغرية إلى الحد الذي يجعل ايا منهم يدفع فيها ما يقوم بأود النظام. مع ذلك لا تكف سورية عن التذكير بدورها المحوري تاريخياً في العالم العربي، وبأهمية موقعها الجغرافي في مفاعيل الصراع العربي- الإسرائيلي، وتطالب الجميع، جميع الشارين، بتفعيل هذا الدور، لكن احداً لم يعد يعرف بالتحديد ما يمكن ان تكون عليه مقومات هذا الدور ما ان تتم عملية البيع. فسورية تعرض بضاعة يريد الشارون اتلافها، وهم يشترونها لهذا السبب بالتحديد، وحين تتلف بضاعة البائع تكسد تجارته. * كاتب لبناني