لا بديل عن الحليف الأميركي والغربي

نشر في 10-12-2007
آخر تحديث 10-12-2007 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري

الخليج أعقل وأحكم وأبصر وأذكى من أن يستبدل الحليف الأميركي والغربي الذي سانده ووقف معه في الملمّات، وساعده في تحرير أرضه وفي تخليصه من جار السوء، وأمده بكل مقومات التنمية والتقدّم وبكل أسباب الحياة الراقية بمن لم تثبت مصداقيته أو جدارته للصداقة والتعاون.

«الخليج هو الجزء السليم الصحي في الجسم العربي» هذه مقولة عبدالله يعقوب بشارة -أول أمين عام لمجلس التعاون- في سِفره الضخم: «يوميات الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية 1981 – 1993» وهي مقولة مازالت صادقة، ولكن لماذا قال عبدالله بشارة تلك المقولة؟ ولماذا هي صادقة حتى الآن؟ لأن قيام المجلس حمى الجسم الخليجي من آفات مهلكة فحصّنه وقوّى مناعته ضد غزو الفكر القومي الثوري المغامر والطرح الأيديولوجي اليساري المدمّر وشعارات الإسلام السياسي الخادعة. تلك الأفكار والشعارات والطروحات التي كانت ومازالت بلاء ودماراً على المجتمعات العربية الأخرى، بدّدت ثرواتها وأهدرت طاقاتها وأذلت أبناءها وشرّدتهم في الآفاق حماية لأنفسهم ونجاة بكرامتهم انظر اليوم إلى المشهد الخليجي وقارنه بالمشهد العربي العام ماذا ترى؟

نهضة عمرانية وتنمية شاملة وخدمات متطورة واقتصاد مزدهر وتحالفات استراتيجية بالدول المتقدمة وبيئة اجتماعية وسياسية مستقرة تستقطب الاستثمارات العالمية.

إنه حلم كل مواطن عربي بدولة تؤمّن له احتياجاته الأساسية ويأمن هو وأسرته فيها من بطش الدولة، قد أصبح متحققاً هنا في منطقتنا لا في دول الشعارات والطروحات الثورية، أقول هذا الكلام بمناسبة نجاح قمة الدوحة، قمة «التحدي والإنجاز» قمة مجلس التعاون الـ28 التي حقّقت حلماً خليجياً طال انتظاره على مدى ربع قرن، إنه «المواطنة الاقتصادية الخليجية». لقد قرّرت قمة الدوحة إطلاق السوق الخليجية المشتركة اعتباراً من يناير 2008 ومعنى ذلك أن يصبح الخليجي «مواطنا» في الدول الست: عملاً واستثماراً وتملّكاً واستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية.

يقودني في هذا الإنجاز الحلم إلى الجدل الذي ثار بشأن حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للقمة الخليجية وإلقائه كلمة في الافتتاح لأقول إن ذلك أيضا أمر إيجابي، ولكن دعونا ننظر إلى وجهة النظر الأخرى التي تساءلت: لماذا نجاد وليس خاتمي رجل الحوار والتعايش أو رفسنجاني البراغماتي الذي يمكن الوصول لاتفاق سياسي معه؟ ألا تعتبر دعوة نجاد بمنزلة مكافأة له داخل إيران التي يواجه فيها خطاباً يقول إنه يعرّض طهران للخطر؟

أودّ أن أقول إن دعوة نجاد في هذه المناسبة أَوْلى وأجدى ولو لم يطلب الرئيس الإيراني دعوته إلى القمة لكان من المناسب دعوته بمبادرة خليجية جماعية. لأن المنطقة تمر بظروف بالغة الحساسية، الأجواء ملبّدة بغيوم سوداء منذرة والنفوس قلقة والتهديدات متزايدة، فالظرف يقتضي دعوة من يقف وراء هذه التوترات ويتزعّمها لنستمع إليه مباشرة أمام قادة المجلس ولنتفهّم وجهة نظره شخصياً، وعسى أن يقدّم شيئاً مطمئناً يزيل أسباب التوتر ويهدّئ من المخاوف. لكن من المؤسف أنه لم يفعل ذلك ولم يقدّم شيئاً مطمئناً للخليجيين خاصة بشأن الملفين المتأزمين: الجزر الإماراتية والتهديد النووي، فماذا قدم الرئيس الإيراني؟ لقد طرح مبادرة من 12 بنداً أو مقترحاً تصب في إنشاء منظمتين: منظمة للتعاون الاقتصادي وأخرى للتعاون الأمني، وقبولهما يعني قبول إيران لتكون سابعة «الخليجي» وفي ذلك تقويض للأساس الذي قام عليه مجلس التعاون، والأخطر أن ذلك يجعل «الجسم الخليجي» الذي حافظ القادة المؤسسون عليه «سليماً صحياً» في وجه الأعاصير الآيديولوجية، يجعله «عليلا» و«مأزقا» بانضمام إيران إليه بعللها وأزماتها مع العالم.

طموحات الرئيس الإيراني واسعة فهو لا يكتفي بالتمدد الإيراني المتزايد في المنطقة وخارجها، حيث يريد التسلل إلى «الفناء الخلفي» للولايات المتحدة ليشكّل مع صديقه «شافيز» -الذي وجه الفنزويليون إليه صفعة أخيراً- ومع أصدقائه في بوليفيا «محوراً» جديداً ضد واشنطن... بل يطمح نجاد إلى تزعم «الخليجي» لمواجهة واشنطن. من حقّ نجاد أن يطمح كما يشاء وهو حرّ في أن يغامر بمستقبل بلاده ويجوّع شعبه، وله أن يهدّد ويتوعّد ويتحدّى واشنطن وبريطانيا وفرنسا، فهو واثق من النصر على العالم كلّه لأنه مؤمن بـ«المهدي المنتظر» الذي يسدّد خطواته وينصره ويوفقه دائماً في الأزمات، لكن لا شيء في خطاب الرئيس الإيراني يبعث على الأمل أو التفاؤل على أن تغير إيران من موقفها المتصلّب في قضية الجزر الإماراتية، فمازالت متمسكة وبعناد مدهش بكلمة «لا»، لا للتفاوض، لا للتحكيم الدولي، لا للتسوية، لا لذكر الجزر الإماراتية في البيان الختامي، مما يذكّرنا بلاءات مرحلة المراهقة العربية التي تجاوزها العرب وتعيشها إيران حالياً.

لا شيء في خطاب نجاد يشير مجرد إشارة إلى استعداد إيران للتوقف عن سعيها المحموم إلى تملّك النووي وبأي ثمن ومهما كانت «الكلفة والعواقب» وهؤلاء الذين مازالوا يتحدّثون عن تقديم إغراءات إلى إيران لثنيها عن السباق النووي، إما واهمون أو مخدوعون، لأنهم لا يعرفون شيئا عن طبيعة الأيدلوجية المتصلّبة التي تحكم قادة إيران الدينيين، هذه دولة ذات طبيعة دينية لا ينفع معها حوار ولا إغراءات ولا كل كنوز الدنيا لإقناعها بخطأ مسعاها المدمر على نفسها وعلى جيرانها، هؤلاء قد حسموا القضية النووية وأصبحت قضية حصول إيران على النووي عقيدة قومية، ومن متطلّبات العزة والكبرياء القومية، وأي تنازل أو توقف أو مساومة فيها من قبيل الخيانة الوطنية، ولذلك وصف نجاد خصومه الإصلاحيين الذين طالبوه بمراجعة سياسته النووية -مجرد مراجعة حتى تمر العاصفة- بأنهم أقلّ ذكاء من مِعزاة، وحكم عليهم بأنهم «خونة»... يريد نجاد ضمّنا إلى مظلته الأمنية حتى يحمينا من التدخل الخارجي، ومعنى ذلك أن نفكّ تحالفاتنا مع أميركا والغرب، ولكن لم يقل نجاد ما الضمان إذا فعلنا ذلك من منع التدخل الإيراني في شؤوننا؟! وأي مصداقية في خطاب نجاد والتدخل الإيراني حاصل في كل شبر من الأرض العربية، وأموال إيران تهدر وتُسخّر في دعم عدم استقرار الأوضاع العربية بحسب المثل العربي «في كل وادٍ أثر من ثعلبة» في العراق؟! الدعم الإيراني للمسلمين مستمر وقد أفنى 30 عالما سنيا عراقيا بتحريم شراء البضائع الإيرانية بعد تأكدهم من دعم إيران للميليشيات الشيعية وغيرها التي تهدر الدماء وتسلب الأعراض، وفي لبنان هم وراء استعلاء «حزب الله» واستئساده على الحكومة والشعب، وفي فلسطين تجدهم وراء انقلاب «حماس» وتمرّدها على الشرعية وتحصنها بدويلة غزة، وحدّث ولا حرج.

يطالب نجاد بالأمن والسلم من دون تدخّل الخارج فيناقض نفسه بتدخله في كل شؤون العرب الداخلية، وها هو بصدد مؤتمر لفصائل فلسطينية معارضة رداً على مؤتمر «أنابوليس» المدعوم من 40 دولة عربية وإسلامية والحكومة الفلسطينية... والسؤال من يريد السلام والاستقرار فلماذا يدس أنفه الضخم في شؤون المنطقة؟ أي أمن يتحدث عنه نجاد وهو ممسك بفتيل العفريت النووي والخليج على كفه؟ وأي سلام يطالبنا به وهو مستمر في احتلال جزر الإمارات ولا يقبل حواراً أو مفاوضة؟ يتحدث نجاد عن المحافظة على بيئة الخليج ومفاعله أكبر خطر يهدد هذه البيئة. على الرئيس الإيراني أن يبني مصداقية مقبولة قبل أن يطالبنا بالتعاون الاقتصادي والأمني حتى يجد آذانا صاغية، إذ لا يتصور أن يفك الخليج روابطه وتحالفاته التاريخية مع أميركا والغرب وهي علاقات ذات مصداقية راسخة الجذور في العمق الخليجي التاريخي جيلاً بعد جيل، وبفضل هذه التحالفات بقي الجسم الخليجي سليماً واستعصى على غزو المد الثوري المغامر.

خطاب نجاد خطاب «مأخوذ خيره» أي أن جدواه قليلة... والخليج أعقل وأحكم وأبصر وأذكى من أن يستبدل من سانده ووقف معه في الملمّات وساعده في تحرير أرضه وفي تخليصه من جار السوء وأمده بكل مقومات التنمية والتقدّم وبكل أسباب الحياة الراقية بمن لم تثبت مصداقيته أو جدارته للصداقة والتعاون. غريب أمر الرئيس الإيراني حين يحاول إقناعنا بمناوءة الولايات المتحدة ونحن في قلق منه ومن مشاريعه ومغامراته، ويدرك نجاد أن الحصار الدولي سيزداد إحكاماً حوله وستضيق حلقاته وإيران أصبحت خلف ستار حديدي وهو مأزوم فعلاً لكنه يعتقد أن المهدي المنتظر معه وسيظهر حينما تشتد الأزمة، وقد جاء ليستدرجنا لنكون معه في أزمته ومحاصرين معه خلف ستار الحصار الدولي. يجب أن نقول لإيران صراحة ومن دون مجاملة إنك بمفاعلك النووي تمثلين خطراً على نفسك وعلينا، وأنه لا بديل عن الحليف الأميركي والغربي.

* بالمشاركة مع جريدة «الوطن» القطرية كاتب قطري

back to top