الروائي المصري فتحي إمبابي: الساحة النقدية سيرك كبير يفتقد لاعبوه الإبداع
استطاع الأديب المصري فتحي إمبابي منذ بدء الكتابة أن يرصد التحولات الاجتماعية، مرحلة تلو الأخرى، ووصف النقاد روايته الأخيرة «شرف الله» بأنها بمنزلة فتح كبير مثل «الزيني بركات» لجمال الغيطاني، «ويحدث في مصر الآن» ليوسف القعيد، وغيرهما من الأعمال التي أثارت نقاشاً... التقته «الجريدة» في القاهرة ودار الحوار التالي:
تكتب منذ الثمانينات ومع ذلك إنتاجك قليل، لماذا؟لست من أولئك الذين يتواصلون مع الكتابة بكثرة، وقيل لي هذا الكلام بعد «مراعي القتل» مباشرة، وتلاحظ أن ما بين رواية «العرس» و«نهر السماء» 7 سنوات، وما بين الأخيرة و«مراعي القتل» 7 سنوات أخرى. لكن من يكتبون بإجادة قلة يختلفون عن الذين يكتبون بإسهاب، وستجد أن كثيراً من نصوصهم تافهة، وأعتقد أن الكاتب يواجه تحدياً عندما يقدم كشف حساب للرواية، ثمة نسبة لا يستهان بها من إنتاجه لا تكون مهمة، وعلى كل حال من كتب كثيراً غالباً ما يقدّم نصوصاً لا تستحق الذكر لأنها لم تكتب بالمجهود المطلوب لفنّ الرواية. نصوصي كبيرة جداً وتتعامل مع موضوعات شاملة، والرواية عندي ليست أقل من خمسمائة صفحة. ما الذي يغريك في ولوج التاريخ روائياً؟التاريخ جزء أساسي من الوعي الإنساني، «شفرة دافنشي» مثلا محاولة للنظر في معضلة حالية عبر بنية تاريخية، بصرف النظر عن صدق الرواية أو كذبها، لكنها فى لحظة معاصرة تحاول عن طريق التحليل التاريخي أن تصل الى نتيجة معينة. كذلك الامر بالنسبة الى النصوص الأساسية الأوروبية مثل «اسم الوردة» لامبرتو ايكو، الذي يتناول أحد الصراعات داخل دير كنسي وكذلك «اسمي أحمر» للروائي التركي أورهان باموك تتحدث عن التباين الشديد لرؤية الشرق والغرب للفن، ويتحدث فيها عن لحظة معاصرة. عموماً كل أزمة معرفية إنسانية عامة للمجتمع الإنساني تفيد الرواية والكاتب دائما يحاول استلهام التاريخ وفتح مغاليق أسراره، ومن هنا «نهر السماء» طرحت عليَّ أسئلة مرعبة لم أكن أتخيّلها، منها مثلا أنّ مصر حكمت بالعبيد طوال 600 سنة خلال العصر المملوكي، واعتبرنا المماليك أبطالاً. اعتقد أن التاريخ العربي والشرقي عموماً فى حاجة ماسة لإعادة فهمه كما يجب.منذ روايتك «مراعي القتل» وأنت تلح على تطوير اللغة العربية. فهل وصلت إلى نتيجة؟ أعتقد أن اللغة في خطر، اكتشفت الامر أثناء كتابة «مراعي القتل»، حيث خلقت شخصية البطلة من مجموعة من الأسئلة والتحديات، أولها: أن يستدعى البطل الأيديولوجيا من الثقافة الشعبية وسير البطولات والملاحم، ثانياً كان البطل يستدعي تيار وعي مستخدماً اللغة المهمشة لراوي البطولة الشعبية «الملاحم الشعبية» وهذا الاختيار فرضته طبيعة الشخصية، ثالثاً: أن ذلك كان ضرورياً حتى لا تبرز فجوة بين الشخصية التى تستدعي ذاكرتها وكان للكمبيوتر دور هائل فى الكشف عن مكونات اللغة بشكل عام.هل لديك اقتراحات محددة لتطوير اللغة؟هناك مدخلان أساسيان لعملية التطوير. اولا: التقريب بين المنطوق الذى يمثل البنية الجبرية للغات وبين المكتوب الذي يمثل المرجعية الكلاسيكية للغة الفصحى، حيث يبين الكثير منها أن هناك أساليب كثيرة مطروحة مثل المثنى والأسماء الخمسة والخمسين وجمع النسوة والاهتداء بالمنطوق يسقط الكثير من المشاكل ويخفف من أعبائها. ثانياً: الإنتاج الثقافي في الـ 50 سنة الأخيرة أزاح التشكيل الإعرابي جانباً وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة اللغة التى تتحول إلى الاقتصاد وبالتالي مع رفع جمع المؤكد بالياء والنون يتم إزالة تشكيل الإعراب وهذا ينقلنا إلى القضية الثانية، حيث يعاني النحو العربي من إشكالية سببها ديني لأنه أسس في القرن الثاني الهجري لوصف أو رسم لهجة قريش وليس بالضرورة إنشاء بنية تنظم قواعد اللغة بالمعنى الحديث وعليه تحتاج اللغة العربية إلى التخلص من النحو القديم وعمل قواعد حديثة تستند إلى المنطق، في هذه الحالة سوف نجد لغة سهلة وخالية من التعقيدات يغلّفها النحو الشكلي أو التشكيلي الذي يرسم لهجة قديمة وفي الوقت نفسه ترتبط اللغة وقواعدها بالمنطق الذي هو أساس بنية التفكير.لماذا تعادي مؤسسة الدولة وتبتعد عنها؟أنا لا أعادي أحداً، بالعكس المؤسسة الثقافية هي التي تعاديني وأنا لا أريد منها شيئا فهي لم تنشر لي كتاباً، ولم أكن يوما عضواً في أي من لجانها أو سافرت على نفقتها، والجائزة الوحيدة التي منحتها لي هي جائزة الدولة التشجيعية، وجائزة التفوق أخذتها منى عبد العال الحمامصي الدورة الماضية، وفي مؤتمر «الرواية التاريخية» تجاهل المجلس الأعلى للثقافة نصاً لي بالغ الأهمية هو «نهر السماء»، وكان ذلك عاراً على جبين المجلس، حتى مكتبة الأسرة والهيئة العامة لقصور الثقافة لم ينشرا لي أي عمل. في رأيك ما أسباب تراجع القصة القصيرة؟ لم يثبت أن هناك فناً تلاشى، وقيل إن الرواية ستتلاشى أمام التلفزيون، ولم يحدث، القصة القصيرة لا تستطيع تناول الحياة اليومية للناس بشكلها المعتاد لأنها ستفتقد الدهشة، والتكرار أصبح عائقاً أمامها، وهذا ما على كاتب القصة القصيرة استيعابه، إما أن يصبح غامضاً فيصبح عالمه ضيقاً، وإما أن يكون مكرراً، كما أنّ العالم مدهش بطبيعته، هناك كتاب قصة مميّزون للغاية ويتمّ التعتيم عليهم. أما المؤسسة الرسمية فلا تبحث عن أحد، «عندها مجموعة معينة تنفخ فيهم وخلاص».ما موقفك من المقالات النقدية التي كتبت عن اعمالك؟للأسف الساحة النقدية «سيرك كبير» يفتقد لاعبوه الحماسة والرغبة في الإبداع، وهناك نوع من النقد يعبّر عن «احتقار الجماعة ويخفي احتقار الناس» من خلال «رفضه للأيديولوجيا» وهذا غير مقبول لأنّ ساحة حركة المثقفين هي «مجال الانسانيات والفنون والآداب» والجميع يعلم بأن «كل تغييب للأيديولوجيا هو أيضا أيديولوجيا»، فضلا عن أن هناك خللاً كبيراً متسارعاً في الساحة النقدية بسبب كثرة المصطلحات غير المستوعبة حتى أصبحنا نجد حذلقة استخدام المصطلح والهجوم غير المبرّر، مقروناً بسيل من أسماء كتاب غربيين يتم إعلانها بوصفها مرجعيات ومعايير للكتابة. للأسف كما في الرواية والقصة والشعر مبدعون زائفون هناك في النقد نجوم أشد زيفاً».