أميركا التي أكره!

نشر في 19-07-2007
آخر تحديث 19-07-2007 | 00:00
 د. ساجد العبدلي

على الرغم من كوني تعاملت مع أميركيين كثر وكانوا من أرقى الناس في أخلاقهم وطيبتهم وإنسانيتهم، فإنني لا أزال أجده عسيراً على نفسي وعقلي أن أفصل ما بين السياسة الأميركية المستمرة على ذات النهج السيئ والبشع منذ سنوات طويلة متطاولة، وبين أميركا ككيان بشري أكبر بكثير من أن يجري اختزاله في جانب الممارسة السياسية.

لأحمد مطر، الشاعر العراقي الثائر قصيدة مشهورة جداً، تقول في أبياتها الأولى:

أنا ضد أمريكا إلى أن تنقضي

هذي الحياةُ ويوضعُ الميزانُ

أنا ضدها حتى وإن رقّ الحصى

يوماً، وسال الجلمدُ الصوانُ

بغضي لأمريكا لو الأكوانُ

ضمّت بعضه لانهارت الأكوانُ

وقد كنت، ومازلت، أستمتع بهذه القصيدة... وأظن أن معي كثيرا من المئتين وخمسين مليون فرد من العربان المنتشرين على رقعة هذه الصحارى والقفار والوديان الممتدة من الخليج إلى المحيط، وأظن كذلك أن جانبا من طربنا لهذه القصيدة راجع في حقيقته إلى أنها الوسيلة الوحيدة للتنفيس عن غضبنا تجاه الأميركيين، وتلقينهم علقة ساخنة، ولو على المنابر والورق!

لكن السؤال الجاد الذي يجب أن يُطرح هنا، هل من الموضوعية أن يكره أحد ما أميركا على إطلاق الكلمة؟ هل يصح أن نكره كل ما في أميركا من بشر وفكر وربما جماد وحيوان وشجر؟!

هذه الفكرة المتطرفة التي يعتنقها كثير من العرب، والتي تجعل من أميركا بكل ما فيها شيطاناً أكبر، مع الاستئذان لاستخدام هذا المصطلح من أصحابه، شيطان يجب كرهه على الإطلاق، وتمني زواله من الوجود، وعلى الرغم من اللاموضوعية السافرة لهذه الفكرة، إلا أنها في الواقع لم تأت من فراغ.

نعم، فأميركا، بكل ما فيها من جمال إنساني، وبكل ما فيها من حضارة، وبكل ما قدمته ومازالت تقدمه للبشرية من إنجازات وعطاءات في كل مجال، تتضاءل أنوار الخير فيها من شدة وهج النيران التي تشعلها سياسة الإدارة الأميركية في كل بقعة تطؤها أقدامهم من العالم!

وعلى الرغم من أنني أؤمن بعمق بأن هذه السياسة الأميركية البشعة، لا تمثل وجهة نظر الشعب الأميركي في مجمله، لأنه في حقيقته مكون من فسيفساء مختلفة الأعراق والأديان والأفكار ولا يمكن أن تجتمع على هذا الشر، وعلى الرغم من كوني تعاملت مع أميركيين كثر وكانوا من أرقى الناس في أخلاقهم وطيبتهم وإنسانيتهم، فإنني لاأزال أجده عسيراً على نفسي وعقلي أن أفصل ما بين السياسة الأميركية المستمرة على ذات النهج السيئ والبشع منذ سنوات طويلة متطاولة، وبين أميركا ككيان بشري أكبر بكثير من أن يجري اختزاله في جانب الممارسة السياسية.

أحمد مطر أكمل قصيدته منشداً:

من غيرها زرع الطغاة بأرضنا؟

وبمن سواها أثمـر الطغيــانُ؟

حبكت فصول المسرحية حبكةً

يعيا بها المتمرّس الفنّــــانُ

هذا يكرّ، وذا يفرّ، وذا بهذا

يستجيرُ، ويبدأ الغليــــــــانُ

حتى إذا انقشع الدُخان مضى لنا جرحٌ ، وحلّ محلّـهُ سـرطانُ!

ومع ذلك سأقول، سنحاول أن نحب أميركا، لكن السؤال هو، هل تستطيع أميركا أن تُقنع ساستها وقادتها أن يتوقفوا عن حرقنا وقتلنا وأن يبادلونا الحب؟!

back to top