محفور في ذاكرة الوطن
الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة... عندما رحل عنا أحمد الربعي، كان ذلك مثل ذاك، بل كان قد عبر باقتدار كعادته عن نيته الرحيل، النية ربما توارت خجلا، خرج أحمد هذه المرة ولم يعد، صمد وتحدى، وحين شعر بدنو الأجل، قام بتأبين نفسه قبل الرحيل، قلة من البشر فعلوا ذلك، فهو على أي حال...
الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة...عندما رحل عنا أحمد الربعي، كان ذلك مثل ذاك، بل كان قد عبر باقتدار كعادته عن نيته الرحيل، النية ربما توارت خجلا، خرج أحمد هذه المرة ولم يعد، صمد وتحدى، وحين شعر بدنو الأجل، قام بتأبين نفسه قبل الرحيل، قلة من البشر فعلوا ذلك، فهو على أي حال من تلك القلة من البشر، كان يتعامل دوما مع اللحظة المناسبة، وعندما حانت كما رآها قرر التعامل معها بعقلانيته المعهودة وفهمه للمنطق كما تعلمه وعلمه.
أينما تقف من أحمد، وكيفما تقف منه، فلن تجد نفسك إلا مشدوها، لا تدرك خطواته القادمة، ولا قفزته التالية.شريط الذكريات امتد ومضى دون توقف، دق ذلك الشريط في الخاطر وفي النفس دق كازميل حاد، أمنيات لم تتوقف، منذ البدايات وحتى النهايات، على امتداد أكثر من ثلاثين عاما، كان التغير والتحول هو الأصل والثبات لا أساس له، ذكريات نسجت محطات أساسية في مسيرة البلاد، ربما لن يكون هذا وقتها.عندما عملنا سويا في وضع الأسس لجريدة الوطن مع استاذنا الكبير محمد مساعد الصالح، كان واضحا أننا كنا نؤسس حينها لخوض «معركة» أو فلنقل «سلام»، وكان أحمد حينها فارسنا المميز، كان السلم فيه يختلط مع الحرب، وكان الصخب يرتطم مع الهدوء، فيحيل ما يحيل الى حالة ليست عادية بأي حال. حركته الدؤوبة والمستمرة نحو الحرية والمساواة لم يكن يحدها حد بل انطلقت في الآفاق، ربما كان من القلائل الذين احترفوا السياسة وتعامل معها كما هي، فن الممكن.جاء من لا موقع، ولا منصب، ولا جاه، ولا مال، ووضع بصماته على كل محطة للسياسة في الكويت، كافح، واجتهد، اصاب، وأخطأ، ونجح، وفشل، ولكنه استطاع ان يضع اسما في مسيرة هذا الوطن لا يمكن لأي كان ان يشطبه أو يقلل من شأنه.قاتل الله السرطان القاتل، فقد غيب عنا خيرة من نحب.مهما قيل في أحمد ومهما كان ما سيقال، سيظل في الخاطر محفورا دون مواربة ودون ارتجال، بل محفورا عن ظهر قلب، فالكويت بلا أحمد الربعي ستبقى ناقصة.خالص العزاء لزوجته ولأولاده ولأهله جميعا، وسيحزن لرحيلك محبوك الكثر وليس من غربة أن يفتقد في الليلة الظلماء البدر.د. غانم النجار