الجراح على المنصة في مواجهة «الناقلات» وتجاوزات «البترول» الصرعاوي والرومي والبراك قدموا استجوابهم لوزير النفط

نشر في 11-06-2007
آخر تحديث 11-06-2007 | 00:00
ارتكز الاستجواب الثالث في الفصل التشريعي الحالي، والثالث الذي يوجه إلى وزير نفط، على محورين: الأول منهما إخلال وزير النفط رئيس مجلس إدارة «البترول الكويتية» الشيخ علي الجراح بواجباته واستعانته بالمتهم الخامس في قضية اختلاسات النفط كمستشار له في إدارته للوزارة، الأمر الذي اعتبره مقدمو الاستجواب النواب عبدالله الرومي وعادل الصرعاوي ومسلم البراك انحرافا في السلطة ومحاولة للتأثير في سير العدالة وفي الرأي العام والشهود.

فيما جاء المحور الثاني من الاستجواب مستندا إلى تقصير وزير النفط وإخلاله بواجباته الدستورية في اتخاذ إجراءات قانونية بحق مسؤولين في مؤسسة البترول لارتكابهم تجاوزات ومخالفات مالية وإدارية، كما تضمن واقعة اكتشاف شبهة تعارض مصالح من خلال قيام موظف في المؤسسة ذاتها بإجراءات تأجير إحدى السفن في التسويق العالمي عن طريق التزوير.

وفيما يلي نص الاستجواب:

يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه: «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا» صدق الله العظيم.

يبين هذا النص القرآني العظيم ثقل الحمل وجسامة التبعات وعظم المسؤوليات، لمن يتصدى لحمل أمانة أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، والدستور الكويتي، الذي أدرك معنى هذا القول الرباني، ونص في المادة الثانية منه على أن «دين الدولة الإسلام والشريعة» . «لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاتهم».

وإذا كان هذا الحق من الأمور المسلمة والمستقرة في ظل الأنظمة البرلمانية، فإن علينا أن نذكر أنفسنا دائماً بأن الدستور الكويتي لم يكتف بتبني ذلك، بل حذر من المبالغة في ضمانات السلطة التنفيذية، كما أشارت إلى المذكرة التفسيرية، حيث كان من ضمن ما أوردته... «وذلك مخافة أن تطغى هذه الضمانات على شعبية الحكم، أو تضيع في التطبيق جوهر المسؤولية الوزارية التي هي جماع الكلمة في النظام البرلماني، ومما يبعث على الاطمئنان في هذا الشأن ويدفع تلك المظنة إلى حد كبير، ما أثبتته التجارب الدستورية العالمية من أن مجرد التلويح بالمسؤولية فعال في درء الأخطاء قبل وقوعها أو منع التمادي فيها، أو الإصرار عليها، وبذلك تولدت فكرة المسؤولية السياسية تاريخيا عن التلويح أو التهديد بتحريك المسؤولية الجنائية للوزراء، وقد كانت هذه المسؤولية الجنائية هي الوحيدة المقررة قديما، كما أن تجريح الوزير.. كفيل بإحراجه والدفع به إلى الاستقالة، إذا ما استند هذا التجريح إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد أصداؤها في الرأي العام، كما أن هذه الأصداء ستكون تحت نظر رئيس الدولة باعتباره الحكم النهائي في كل ما يثار حول الوزير.. ولو لم تتحقق في مجلس الأمة الأغلبية الكبيرة لإصدار قرار «بعدم الثقة».. كما أن شعور الرجل السياسي الحديث بالمسؤولية الشعبية والبرلمانية وحسه المرهف من الناحية الأدبية لكل نقد أو تجريح، قد حملا الوزير البرلماني على التعجيل بالتخلي عن منصبه إذا ما لاح له أنه فاقد ثقة الأمة أو ممثليها».

وإزاء ما تضمنه الدستور من أحكام صريحة، والتزاماً بالقسم الدستوري، الذي بدأنا به مسؤولياتنا في الفصل التشريعي الحادي عشر، وبالنظر لما ارتكبه وزير النفط من إخلال بمسؤولياته الدستورية والقانونية مما يستوجب مساءلته سياسياً؛ فإننا نتقدم باستجوابنا إلى وزير النفط بصفته، مجملين في ما يلي بصفة عامة وبإيجاز الموضوعات والوقائع التي يتناولها هذا الاستجواب.

المحور الأول (استشارات من متهم)

إخلال وزير النفط رئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية بواجباته، واستعانته باستشارات يطلبها من المتهم الخامس في قضية اختلاسات الناقلات، مما يعتبر انحرافا بالسلطة ومحاولة للتأثير على سير العدالة ومحاولة التأثير كذلك على الرأي العام والشهود، ومما يثير الشكوك حول جديته في متابعة القضية ويفقد الوزير الثقة والاعتبار:

إن هذه الواقعة، التي نستجوب وزير النفط في شأنها ليست مجرد قول عابر أو زلة لسان أو هفوة في حديث أو مجرد تصريح صحفي صدر على لسان الوزير، حتى يقال إن التوضيح والاعتذار عما جاء فيه لايجعلان للمساءلة سبيلا.. وإنما نحن إزاء مخالفة صارخة، وواقعة قائمة أقر بها الوزير في حديثه الصحفي، ولا ينفيها توضيحه ولم يدحضها اعتذاره، وهي تتمثل في أن وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح أعلن بوضوح تام لا يحتمل اللبس أو الغموض في حديثه الصحفي المنشور في جريدة «القبس» العدد الصادر يوم السبت 12 من مايو من العام 2007 إنه كوزير للنفط يستشير في القضايا النفطية، التي تقع ضمن الأمور الداخلة في اختصاصاته، المتهم الخامس في قضية اختلاسات الناقلات علي الخليفة العذبي الصباح، الذي سبق أن قدم وزير النفط رئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية الأسبق الدكتور عادل خالد الصبيح بلاغا ضده إلى النائب العام في 29 مايو من العام 2001 يحمل الرقم 1/2001، وذلك للتحقيق في تجاوزات مالية حدثت في شركة ناقلات النفط الكويتية، حيث أصدرت لجنة التحقيق الدائمة الخاصة بمحكمة الوزراء قرارها المؤرخ في 19 مايو من العام 2003 الذي يقضي بجدية البلاغ والاستمرار في التحقيقات، وقد ورد في البلاغ المقدم من وزير النفط الأسبق ضد المتهم الخامس علي الخليفة العذبي الصباح والمتهمين الآخرين أنهم قد ارتكبوا خلال المدة بين 4 أغسطس من العام 1984 حتى 10 فبراير من العام 1992 الجرائم الواردة في البلاغ، وهي تتمثل في الوقائع التالية: الاستيلاء على فروقات التأجير البالغة ستة وثلاثين مليونا وسبعمئة وخمسة عشر ألفا وثلاثمئة وثلاثة دولارات أميركية (36.715.303) والتربح من صفقة شراء الناقلتين الجابرية وبوبيان عام 1989 بقيمة سبعة ملايين ومئتين وستين ألف دولار أميركي (7.260.000)، والتربح من عملية بناء أربع ناقلات في كوريا الجنوبية بمبلغ ثمانية عشر مليونا ومئتين واثنين وستين ألف دولار أميركي (18.262.000)، والتربح من عملية شراء ناقلتي السلام والسور عام 1990 بقيمة ستة ملايين ومئتين وثلاثين ألف دولار أميركي (6.230.000)، والتربح من عملية بيع حطام الناقلة سيرف سيتي بقيمة مليونين وثمانية وتسعين ألفا وخمسمئة دولار أميركي (2.298.500)، والتزوير في الفواتير المقدمة من شركة بورشستر شيبنغ، بقيمة أحد عشر مليونا وألفين وستمئة وتسعة عشر دولاراً أميركياً (11.002.619)، والاستيلاء على بعض أموال شركة بكتان شيبنغ المملوكة بالكامل لشركة ناقلات النفط الكويتية بقيمة ثلاثة ملايين ومئتين وثمانية وعشرين ألفا وخمسمئة وسبعة وثلاثين دولارا أميركيا (3.228.537)، والاستيلاء على بعض أموال شركة سيتكا شيبنغ المملوكة بالكامل لشركة ناقلات النفط الكويتية بقيمة مليونين ومئة وخمسة وعشرين ألفا وثمانمئة وستين دولارا أميركيا (2.125.860)، والاستيلاء على مبالغ من حساب شركة تارجس شيبنغ المملوكة بالكامل لشركة ناقلات النفط الكويتية بقيمة مئة وخمسة وثلاثين ألف دولار أميركي (135.000) في شكل شيكات سياحية، والاستيلاء على مبالغ من حسابات شركة ناقلات النفط الكويتية بقيمة ستة ملايين وثلاثمئة وواحد وستين ألفا وستمئة وواحد وعشرين دولارا اميركيا (6.361.621) والاستيلاء على عمولات مرتجعة من شركة التأمين سيدويغ بقيمة ستة ملايين وتسعة آلاف وثمانية وأربعين دولارا أميركيا (6.009.048)، والاستيلاء على مبالغ تخص شركة ناقلات النفط الكويتية بعد تزوير الفواتير المقدمة من شركة براون أند رمت المتعلقة بتموين أسطول الحماية الأميركية لناقلات الشركة بقيمة ثلاثة ملايين وسبعمئة وواحد وثمانين ألفا ومئة وستة وخمسين دولارا أميركيا (3.781.156) ولايزال التحقيق مستمرا في هذه القضية.

جريمة منظمة

إن هذه القضية بالإضافة إلى اختلاسات الاستثمارات هما في واقع الأمر من أخطر الانتهاكات، التي تعرض لها المال العام، وأسوأ جرائم اختلاسه وسرقته، بل هما النموذجان الواضحان للجريمة المنظمة، ليس ضد المال العام وحده فحسب، وإنما ضد الشعب الكويتي بأسره، وذلك في فترة من أعصب فترات تاريخه المعاصر وأشدها قسوة، عندما كانت الكويت ترزح تحت الاحتلال، والكويتيون يقاسون الأمرين على أيدي الغزاة، ويقدمون الشهداء والأسرى فداء لحرية الكويت، في ذلك الوقت بالذات انتهز أولئك العابثون الفرصة فنهبوا واختلسوا وتلاعبوا بالمال العام، مستغلين ما كان تحت أيديهم من سلطات ومسؤوليات.

ومنذ أن اكتشفت شركة ناقلات النفط الكويتية قيام شبهات بحدوث تجاوزات مالية في أعمال الشركة، قامت في 6/1/1993 بإبلاغ الأمر إلى النيابة العامة من دون أن تحدد أشخاصاً بذواتهم لتوجيه الاتهام إليهم، وقد قامت النيابة العامة بالتحقيق في تلك التجاوزات التي انتهت منها إلى إقامة الدعوى العمومية في قضية الجناية رقم 275/93 ضد كل من:

عبدالفتاح سليمان خالد البدر، وحسين علي حسن قبازرد، ونسيم حسين محمد محمد محسن، وتيموتي أس تي جون ستافورد، والشيخ علي الخليفة العذبي الصباح باتهام الأربعة الأُول بصفتهم في حكم الموظفين العامين، والخامس بصفته موظفاً عاماً (وزير النفط ورئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية) بأنهم ارتكبوا في حق المال العام الجرائم المبينة بصحيفة الاتهام والبالغ عددها ثلاث عشرة جريمة، وطلبت معاقبتهم بمقتضى قانون الجزاء أمام محكمة الجنايات، التي دفع المتهم الخامس بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى لخضوع محاكمته للاجراءات المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 35 لسنة 1990 في شأن محاكمة الوزراء، والتي قضت بجلسة 20/6/1995 برفض هذا الدفع وباختصاصها والمضي في نظر الدعوى، وقد طعن في هذا الحكم بالاستئناف رقم 150/1996 الذي قضى فيه بجلسة 4/5/1996 بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدفع بعدم اختصاص محاكمة الجنايات ولائيا بنظر الدعوى وبقبول هذا الدفع وبعدم قبول الدعوى الجزائية ضد المتهم الخامس وقد طعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق التمييز بالطعن رقم 137/96 الذي قضت فيه المحكمة بجلسة 23/12/1996 بعدم جواز الاستئناف رقم 150/1996 وبجلسة 21/11/1995 قضت محكمة الجنايات بتحديد جلسة لنظر الدعوى بالنسبة إلى المتهمين الاربعة الأُول وبنسخ صورة من الأوراق وتخصيصها عن التهمة الأولى المسندة إلى المتهمين جميعا وإحالتها إلى المحكمة المختصة بمحاكمة الوزراء، ثم حكمت بعد ذلك بعقوبات مقيدة للحرية متعددة على بعض المتهمين مع الزامهم متضامنين برد المبالغ المختلسة من المال العام فضلا عن الغرامة والتعويض المؤقت للادعاء المدني، وقد طعن في هذا الحكم بالاستئناف الذي قضت فيه محكمة الاستئناف بجلسة 15/3/1997 بإلغاء الحكم المستأنف لصدوره باطلا لخلوه من تاريخ اصداره وبإحالة الدعوى بحالتها لنظرها بالنسبة لجميع المتهمين فيها إلى محكمة محاكمة الوزراء التي قضت بجلسة 22/4/1997 بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون. وقد طعنت النيابة في هذا الحكم بطريق التمييز الذي قيد برقم 138/97 جزائي والذي قضت فيه محكمة التمييز بجلسة 22/12/1997 بقبوله شكلا ورفضه موضوعا تأييدا لحكم محكمة الاستئناف القاضي بإلغاء الحكم لخلوه من تاريخ اصداره، وأسست قضاءها على أن إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة بمحاكمة الوزراء لم يكن قضاء في خصومة الدعوى الجزائية التي كانت مطروحة على المحكمة، بل هو إجراء حتمي ألزمتها به المادة 13 من القانون رقم 88/1995 في شأن محاكمة الوزراء بإحالة الدعوى إلى المحكمة التي نص عليها هذا القانون والتي حلت في محاكمة الوزراء محل المحكمة المشكلة طبقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 35/1990 وباجراءات مغايرة، ولا تعني هذه الاحالة تجريد الدعوى المحالة مما شاب اجراءاتها من مخالفة لأحكام القانون الذي كان ساريا وقت اتخاذها والذي حل محله القانون رقم 88/1995 الذي أصبح هو الواجب اعماله بكل أحكامه في شأن المحاكمة الراهنة.

بلاغ الصبيح

وإذا كان الوقت قد استطال منذ أن قدمت شركة ناقلات النفط الكويتية بلاغها إلى النيابة العامة في 6/1/1993 وما تلا ذلك من أحكام صدرت، وإلى أن قدم وزير النفط رئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية الأسبق الدكتور عادل خالد الصبيح بلاغاً وفقاً لأحكام القانون رقم 88 لسنة 1995 ضد المتهم الخامس وآخرين إلى النائب العام في 29/5/2001، وكان الواجب الوظيفي والمسؤولية الدستورية يفرضان على جميع من تولى حقيبة وزير النفط متابعة هذه القضية المرفوعة ضد المتهم الخامس، فإن وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح، لم يجد غضاضة في أن يفاجئ الجميع ويصدمهم بدلا من متابعة القضية، بتصرف يوحي وكأنه يتجاهل اختلاسات الناقلات وينكرها، لذلك كان للحديث المنشور في جريدة «القبس» في عددها الصادر يوم 12/5/2007، دويه الهائل في الأوساط السياسية وغيرها، بل لدى الشارع الكويتي، فلم يسبق لمسؤول على هذا المستوى أن تدخل علنا في قضية مطروحة على القضاء شغلت ولاتزال تشغل الرأي العام، ليكيل للمتهم المديح والثناء في ما جاء على لسانه عن المتهم الخامس في قضية اختلاسات الناقلات علي الخليفة العذبي الصباح بقوله إنه: (أستاذي أستشيره أحيانا بالقضايا النفطية، فلا يختلف اثنان على أنه مهندس الأوبيك، صحيح أنه اليوم استثماري، لكنه في معلوماته النفطية يعتبر «حجة» وليس معنى ذلك أنه يتدخل... فعمره ما تدخل).

الوزير فاقد للثقة

ولا نريد هنا أن نتوقف أمام مدح الوزير وإطرائه للمتهم الخامس، ولا قوله إنه أستاذه، ولا نريد كذلك أن نتوقف أمام ادعائه الخاطئ أنه مهندس الأوبيك، ولكن ما يعنينا هنا هو أن نتوقف، ويجب أن نتوقف طويلاً أمام قول وزير النفط إنه «يستشير المتهم الخامس أحياناً بالقضايا النفطية!».

فهل يجوز دستورياً وقانونياً وأخلاقياً أن يستشير وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح المتهم الخامس علي الخليفة العذبي الصباح، الذي ينظر القضاء في قضية اختلاسات الناقلات المرفوعة ضده وآخرين من وزير النفط الاسبق؟ وما هذه القضايا النفطية، التي استشار فيها وزير النفط المتهم الخامس؟ وكيف كانت تتم تلك الاستشارات؟ ومتى؟ وأين؟ بل في أي موضوع؟ وما الدوافع والأهداف، التي جعلت وزير النفط يستشير المتهم الخامس؟ بل إعلان ذلك في الوقت الذي استدعي فيه المتهم الخامس أمام لجنة التحقيق، وما الرسالة أو الرسائل التي أراد وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح ايصالها؟ وما القرارات، التي تتصل بوزارة النفط وبمؤسسة البترول الكويتية وبشركاتها التابعة وبالمشروعات المتصلة بها، وبالسياسة النفطية لدولة الكويت،التي أصدرها وزير النفط الحالي بناء على استشارات المتهم الخامس؟!

ويمكن بعد كل هذه التساؤلات إجمال ما قام به الوزير على أنه:

أولاً: الانحراف بالسلطة، ثانيا: محاولة التأثير على سير العدالة، ثالثاً: محاولة التأثير على الرأي العام والشهود، مما يعتبر معه الوزير فاقداً للثقة والاعتبار.

إن وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح قد أصبح مسؤولا مسؤولية دستورية وقانونية كاملة عن ملف هذه القضية، بتوليه الحقيبة الوزارية لوزارة النفط، فهو بالإضافة إلى كونه مواطناً، يفرض عليه الدستور في المادة 17 واجباً هو حماية المال العام، فإن واجبه يصبح مضاعف الأثقال إذا كان أمينا على المال العام المعتدى عليه بموجب نيابة قانونية، تستمد أساسها الدستوري من المادة 130 من الدستور التي عهدت إلى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته، ومن حمله الحقيبة الوزارية لقطاع النفط، وهي نيابة توجب عليه القيام بكل الاجراءات اللازمة لرفع الدعاوى الخاصة بحماية المال العام ومتابعتها بما يعتبر معه الوزير مدعيا منضما في الدعوى الجزائية إلى من يكون قد رفعها، فهو من الناحية القضائية وثيق الصلة بهذه الدعاوى ولو لم يباشر اجراءاتها بنفسه، وتقيد هذه النيابة القانونية حريته وسلوكه الشخصي وتفرض عليه واجبات وتكاليف أقلها ألا يصدر تصريحا بما ينافي ويناقض مقاصد البلاغ المقدم من وزير النفط رئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية الأسبق الدكتور عادل خالد الصبيح ضد المتهم الخامس علي الخليفة العذبي الصباح، الذي يجري تحقيقه الآن أمام لجنة التحقيق الخاصة بمحاكمة الوزراء.

الانحراف بالسلطة

وإذا نصّب وزير النفط نفسه في حديثه مع جريدة «القبس» مدافعا عن المتهم الخامس المقدم ضده البلاغ، ومشيدا بكفاءته وأنه أستاذه ويتخذه مستشارا له فيما يعرض عليه من قضايا النفط، عندما قال بالحرف الواحد «أستاذي وأستشيره أحيانا بالقضايا النفطية، فلا يختلف اثنان على أنه مهندس الأوبيك، فقد تنصل من هذه النيابة القانونية ومن واجباتها وتكاليفها، الأمر الذي يوصف تصرفه هذا بالانحراف بالسلطة، وهي نظرية في القانون الإداري مرادفة لنظرية إساءة استخدام الحق التي صاغها الفقه الإسلامي، بما لا يمكن معه الاطمئنان إلى نيابته القانونية في هذه القضية التي تشغل الرأي العام منذ سنوات طويلة، وهذه أوضح صورة للانحراف بالسلطة حين استخدم منصبه الوزاري في الدفاع عن متهم ماثل أمام العدالة، متهما بانتهاك المال العام، وأموال النفط، التي يعتبر وزير النفط أمينا عليها، وأمينا على الدعوى العمومية المقامة على المتهم الخامس بسبب هذا الانتهاك، بصفة وزير النفط الحالي رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية، الذي تنص المادة 15 من المرسوم بالقانون رقم 6 لسنة 1980 بإنشاء مؤسسة البترول الكويتية بأن «يمثل رئيس مجلس الإدارة المؤسسة أمام القضاء وفي علاقاتها بالغير».

فضلا عما أحدثه حديث وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح عن المتهم الخامس في اختلاسات الناقلات علي الخليفة العذبي الصباح، واشادته به من أثر بالغ الخطورة في ترهيب الشهود، الأمر الذي قد يحجمهم عن الإدلاء بشهاداتهم خوفا ووجلا من سلطان الوزير، أو انسياقا وتصديقا لما قاله الوزير عن أستاذه ومستشاره.

الاعتذار لا ينفي الاستشارة

إن الاعتذار لا ينفي واقعة استشارة الوزير للمتهم الخامس.. كما أن الوزير اعتبر في اعتذاره الأول بتاريخ 15 مايو 2007 أن هناك سوء فهم ممن قرأ التصريح ثم أعقبه بتصريح صحفي نشرته جريدة «الوسط» بتاريخ 29 مايو 2007 قال فيه: «لم أستقل لم أرتكب خطأ... وباق في منصبي»، أما البيان التوضيحي الصادر عن وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح يوم الثلاثاء 29 مايو 2007، الذي نشرته الصحف في أعدادها الصادرة يوم الأربعاء 30 مايو 2007، فلم يتضمن إطلاقا اي وصف لعلي الخليفة العذبي الصباح بأنه المتهم الخامس في قضية اختلاسات الناقلات، وإنما يصفه فقط بأنه وزير النفط الأسبق، وهذا يعني أن وزير النفط الحالي الشيخ علي الجراح الصباح في بيانه التوضيحي لا يتعامل مع المتهم الخامس بوصفه متهما، وهذا ما يثير الشكوك أن الوزير لا يقر بجدية البلاغ المقدم من وزير النفط رئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول الأسبق الدكتور عادل خالد الصبيح ضد المتهم الخامس، الذي اعتبرته لجنة التحقيق الدائمة في محكمة الوزراء بلاغاً جديا.. حيث يحاول الوزير نفي صفة المتهم عن المتهم الخامس، وربما لا يراه كذلك!

تجرؤ على هيبة القانون

إن دفاع وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح المهيمن على هذا المرفق الحيوي، مرفق النفط، عن المتهم الخامس في اختلاسات الناقلات علي الخليفة العذبي الصباح، بالرغم مما يمثله من تجرؤ على هيبة القانون، وعدوان على المال العام، وبالرغم مما خلفته في نفوس المواطنين من ألم وأسى منذ كشف أمرها في أوائل التسعينيات بعد تحرير الكويت، إن هذا الدفاع أصاب المواطنين بحيرة بعدما تداوله الناس عنها، طوال هذه المدة، وإثر صدور حكم قضائي فيها بإدانة أربعة من المتهمين الخمسة، حال دون تنفيذه ودون أن يصير حكما نهائيا عيب شكلي هو خطأ مادي عندما جاء الحكم خلوا من تاريخ صدوره، كما حال دون ذلك أن علي الخليفة العذبي الصباح المتهم الخامس في هذه القضية وشريك المتهمين الذين قُضي بادانتهم، كان يحمل الحقيبة الوزارية عندما اقترف الأفعال التي تكوّن هذه الجريمة، الأمر الذي ينعقد الاختصاص بمحاكمته لمحكمة الوزراء، وهي محكمة تحاط المحاكمة أمامها باجراءات لم يكن قد ألفها الناس عند تقديم البلاغ في هذه القضية.

وقد أراد وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح بهذا الدفاع أن يطفىء جذوة الاهتمام بهذه القضية، التي لم يسدل عليها ستار النسيان طوال المحاكمة واجراءاتها، وقد شغلت الرأي العام طويلا بوقائعها وشخوصها، وهو أمر ما كان يجوز لوزير، على قمة المسؤولية أن يقع فيه أو أن ينزلق إليه، خاصة ما يمكن أن يثيره هذا الحديث الصحفي في نفوس الناس، ولا يمكن أن يصدر عن مسؤول يقدر مسؤوليته في حماية العدالة، ويكشف بجلاء ووضوح عن قناعات للوزير، لا يصلح معها بقاؤه في منصب على أكبر قدر من الأهمية، باعتباره أمينا على الثروة الوطنية للبلاد، وعلى المصدر الرئيسي للدخل القومي فيها، والمسؤول الأول عن المحافظة عليها.

إن ما قام به وزير النفط الشيخ علي الجراح الصباح يعد السابقة الأولى الخطيرة للتدخل في سير العدالة ومحاولة التأثير على القضاء من مسؤول على هذا المستوى في الكويت تدخلا علنيا وعلى صفحات الصحف.

إن المنصب الوزاري تحكمه قواعد سلوك محددة تقيد حرية الإنسان وسلوكه الشخصي، ومن هذه القواعد أن الوزير باعتباره عضوا في الحكومة التي ترسم السياسة العامة للدولة وتهيمن على مصالحها يجب ألا تتباين وجهة نظره مع وجهة نظر الحكومة في ثوابت أساسية، لا يجوز الخروج عليها، فإذا اختلف تقدير الوزير عن تقدير الحكومة فيها، فلا محيص إذا أصر على رأيه وتقديره من أن يقدم استقالته أو يعفى من منصبه، ولا يجوز استمراره في منصبه بالرغم من هذا التباين الظاهر في تقديره عن تقدير الحكومة في قضية أساسية شغلت ولاتزال تشغل الرأي العام، وهي قضية اختلاسات الناقلات.

استقالة الحكومة أو إقالة الوزير

ومن هنا، فإنّ بقاء وزير النفط في منصبه، لا يخرج عن أحد أمرين، إما أن حديثه كان ترجمة دقيقة لشعور الحكومة وسياستها في هذه القضية، أو أنه بهذه التصريحات يخالف السياسة، التي أجمع عليها الوزراء، فإذا كان الأمر الأول، فإنّ على الحكومة أن تستقيل، وإذا كان الأمر الثاني، فإنّ تحريك المسؤولية السياسية قِبَل الوزير وسحب الثقة منه يكون أضعف الإيمان.

ومما سبق يتضح أن وزير النفط رئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية الشيخ علي الجراح الصباح قد أخل بواجباته الدستورية ومسؤولياته، واستعان بالمتهم الخامس في قضية اختلاسات الناقلات علي الخليفة العذبي الصباح للحصول منه على استشارات في القضايا النفطية، التي هي صلب اختصاصاته الوزارية، وذلك بما يتعارض صراحة مع مسؤولياته، التي قررتها المادة 15من المرسرم بالقانون رقم 6 لسنة 1980بإنشاء مؤسسة البترول الكويتية بأن «يمثل رئيس مجلس الإدارة المؤسسة أمام القضاء وفي علاقاتها بالغير»، وهذه الاستشارات، التي حصل عليها الوزير من المتهم الخامس لابد أن تثير الشكوك حول مدى جدية الوزير في متابعة قضية اختلاسات الناقلات، وكذلك تستثير الريبة حول سلامة تمثيله المؤسسة أمام القضاء في هذه القضية تمثيلاً سليماً ... مما يستوجب مساءلته ليس عن حديثه الصحفي فحسب، وإنما عن واقعة استشارته المتهم الخامس، التي أقر بها ولم ينكرها، وكذلك لاستهانته الواضحة بالقضية المُبلغ عنها، التي تخص وزارة النفط ومؤسسة البترول الكويتية، بحيث أصبح الوزير غير محل ثقة لمتابعتها وغير أهل لتمثيل الوزارة والمؤسسة أمام القضاء فيها.

المحور الثاني (مخالفات مالية وإدارية)

أ‌- تقصير وزير النفط رئيس مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية وإخلاله بواجباته الدستورية في اتخاذ الاجراءات القانونية، وأهمها الإحالة إلى النيابة العامة في حق مسؤولين في قطاع التسويق العالمي بالمؤسسة ارتكبوا مخالفات مالية وإدارية وقاموا خلال فترة توليهم واجباتهم وفي لقاءاتهم الرسمية مع وفود أجنبية بتصرفات وأفعال مشينة تتعارض مع مسؤولياتهم الوظيفية، وتتنافى مع الأخلاق والدين، كما قاموا بتسريبات داخلية، يحتمل أن تكون قد وصلت إلى أطراف خارجية، تتعلق بتقديرات العرض والطلب على النفط الكويتي:

توافرت لدى مؤسسة البترول الكويتية، التي يرأس مجلس ادارتها وزير النفط معلومات ووثائق وتقارير تدين بعض المسؤولين في قطاع التسوي العالمي في مؤسسة البترول الكويتية بأنهم ارتكبوا مخالفات مالية وادارية وقاموا خلال فترة توليهم واجباتهم وفي لقاءاتهم الرسمية مع وفود أجنبية بتصرفات وأفعال مشينة تتعارض مع مسؤولياتهم الوظيفية وتتنافى مع الأخلاق والدين، كما ورد في هذه المعلومات، أنهم قاموا بتسريبات داخلية لمعلومات تتعلق بتقديرات العرض والطلب على النفط الكويتي، مما يحتمل أن تكون هذه المعلومات قد سربت كذلك إلى أطراف خارجية، مع ما يمثله ذلك من خطورة وإضرار بالاقتصاد الوطني وبالمصلحة العليا للدولة، وعلى الرغم من أنه من بين ما قدم: التقرير المرفوع من التدقيق الداخلي إلى المؤسسة بتاريخ 14 سبتمبر 2006، الذي وثق العديد من المخالفات والتجاوزات الإدارية والمالية، فإن الوزير قد قصر في اتخاذ الاجراءات القانونية مما تفرضه عليه مسؤولياته الدستورية، وأهم هذه الاجراءات إحالة تقرير التدقيق الداخلي وما وصل إلى الوزير من معلومات ووثائق إلى النيابة العامة لتعلق الأمر بالأموال العامة وبالاقتصاد الوطني، مما يستدعي مساءلة الوزير عن هذا التقصير والتهاون والإهمال.

تأجير سفينة بالتزوير

ب‌- اكتشاف شبهة وجود تعارض مصالح وفقاً للبند 2، 4 من قواعد سلوك العمل في مؤسسة البترول الكويتية، وذلك عندما قام أحد الموظفين في أثناء عمله باجراءات إبرام عقد تأجير احدى السفن في التسويق العالمي، وكذلك واقعة تزوير مستندات رسمية في شأن الموضوع ذاته، وذلك بعد أن استبدل أحد المسؤولين بنص أحد البنود الواردة في تقرير أعد من قبل مسؤول آخر تمهيداً لرفعه الى ديوان المحاسبة، نصاً آخر مخالفاً له بالمعنى:

تتمثل هذه الواقعة عندما قامت إحدى الادارات في مؤسسة البترول الكويتية بجمع معلومات متوافرة لديها فيما يتعلق باجراءات إبرام عقد تأجير احدى السفن حيث تبين للإدارة ان هناك احتمال وجود حالة تعارض مصالح وفقاً للبند 2، 4 من قواعد سلوك العمل لمؤسسة البترول الكويتية، وذلك عند قيام أحد الموظفين في أثناء عمله باجراءات إبرام عقد السفينة المذكورة، وجواباً عن استفسارات ديوان المحاسبة قامت الإدارة ذاتها بإعداد الردود على هذه الاستفسارات بتاريخ 7/8/2006، ورفعتها إلى الجهة الأعلى لتقوم بارسالها إلى ديوان المحاسبة، إلا أن مدير الإدارة الذي وقع على الرسالة المؤرخة في 7/8/2006، التي تضمنت الردود المشار إليها تبين له بعد عودته من الإجازة بتاريخ 10/9/2006 واجتماعه بمسؤولي ديوان المحاسبة بناء على طلبهم لمراجعة الموضوع وإعطائهم المزيد من الإيضاحات، أن البند رقم 11 من الردود زوّر واستبدل بنصه نص آخر مغاير له في المعنى.

وبعد أن تابع مدير الإدارة المشار إليه الموضوع وبعث رسالة بتاريخ 10/9/2006 إلى من يليه في المسؤولية لتسجيل هذا التزوير، وعلى الرغم من خطورة هذه الواقعة التي تثير الشكوك وتزعزع الثقة في المستندات والمحررات الرسمية للمؤسسة، فإن المؤسف أن الوزير قد تقاعس عن اتخاذ إي إجراء قانوني رادع مما يدعو إلى مساءلته سياسياً.

وختاماً يقول المولى جل جلاله: «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا» صدق الله العظيم.

مقدموه

عادل عبدالعزيز الصرعاوي

عبدالله يوسف الرومي

مسلم محمد البراك

back to top