ما قل ودل: مبدأ الفصل بين السلطات...جوهر الديموقراطية وأزمتها

نشر في 03-12-2007
آخر تحديث 03-12-2007 | 00:00
 المستشار شفيق إمام

لا يمكن من خلال الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية أن يُحل مجلس الأمة إرادته محل إرادة وزيرة التربية والتعليم العالي، ولا يجوز أن يحل مجلس الأمة محل القضاء في ولايته على رقابة مشروعية قرارات وتصرفات السلطة التنفيذية.

لم يكد يجف مداد المرسوم الصادر بتعيين الدكتور عبدالله الطويل، وزيراً للصحة حتى تلقى إنذاراً من النائب د. وليد الطبطبائي، يطالبه فيه بإصلاح وزارة الصحة خلال شهر من تاريخه، وإلاّ فإنه سيقدم استقالته من مجلس الأمة، وهو يرى أنه لا إصلاح من غير إقصاء وكيل الوزارة.

ولم يكد يجف مداد هذا الإنذار، حتى آثار إقصاء وزيرة التربية والتعليم العالي لوكيل الوزارة، استياء بعض النواب، الذين لوّحوا باستجواب الوزيرة، كما طالب بعضهم بطرح الموضوع في مناقشة عامة.

وبالرغم من انبهاري بالتجربة الديموقراطية في الكويت، فإن الربط بين الحدثين في تعاقبهما الزمني يكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها مبدأ الفصل بين السلطات في هذه التجربة، وهو المبدأ الذي تبنته المادة 50 من الدستور عندما نصت على «أن نظام الحكم في الكويت يقوم على أساس الفصل بين السلطات مع تعاونها»، وهو مبدأ استقر في ضمير الأمم منذ بزوغ فجر الديموقراطية، ومنذ أن نادى به الفقيه الفرنسي الفذ شارل مونتسكيو، ومن قبله الفقيه الإنكليزي جون لوك، ويعتبر هذا المبدأ جوهر النظام الديموقراطي، والأساس المكين لقيام الدولة القانونية، وتحقيق مبدأ المشروعية، وأهم ضمانة لكفالة حقوق الأفراد وحرياتهم، لأنه في ظل هذا المبدأ تراقب كل سلطة السلطة الأخرى، أو كما يقال في الفقه الفرنسي أن السلطة تحد السلطة LE POUVOIR ARRET LE POUVOIR، وبهذا يتحقق أكبر ضمان للأفراد ضد تركيز السلطات جميعاً في يد واحدة، فأخطر أنواع الحكم هو ذلك الذي تجمع فيه سلطة واحدة بين أكثر من سلطة من السلطات الثلاث من تشريعية وتنفيذية وقضائية.

وفي هذا السياق عهَد الدستور في المادة 53 إلى الأمير ومجلس الوزراء والوزراء بالسلطة التنفيذية، مثلما عهَد في المادة 52 بالسلطة التشريعية إلى الأمير ومجلس الأمة وفقاً للدستور.

ونصت المادة (74) من الدستور على أن يعين الأمير الموظفين المدنيين والعسكريين ويعزلهم وفقاً للقانون، وهي سلطة يمارسها صاحب السمو بواسطة وزرائه إعمالاً لأحكام المادة 55 من الدستور.

ومن ثم لا يندرج في صلاحيات مجلس الأمة التدخل في ما هو من صميم اختصاص السلطة التنفيذية من تعيين الموظفين أو إقصائهم عن الوظائف العامة أيا كانت مستوياتها الوظيفية، باعتبار ذلك عملاً تنفيذياً متروكاً للسلطة التنفيذية وحدها.

ولا يمكن من خلال الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية أن يحل مجلس الأمة إرادته محل إرادة وزيرة التربية والتعليم العالي، في ما هو من صميم اختصاصها التنفيذي، إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو الطلب من مجلس الوزراء إقصاء وكيل الوزارة وصدور مرسوم بذلك، وهو ما أعلن معه عدد من نواب مجلس الأمة، ومنهم النائب محمد الصقر وسائر أعضاء كتلة العمل الوطني وفيصل الشايع وراعي الفحماء وحسين الحريتي، رفضهم التدخل النيابي في إبقاء أو إقالة أحد قيادي الوزارات، لأن ذلك يعد تدخلاً في أعمال السلطة التنفيذية وانتهاكاً لمبادئ دستورية.

كما لا يجوز كذلك أن يحل مجلس الأمة محل القضاء في ولايته على رقابة مشروعية قرارات وتصرفات السلطة التنفيذية، في أعلى مراتب هذه الرقابة، وهي ولايته بإلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون، وهي رقابة تجد حدها الطبيعي في الجوانب القانونية لهذه القرارات وما قد يشوبها من عوار قانوني، وعلى أساس قرينة قانونية استقر عليها القضاء، وهي أن القرار الإداري يظل محمولاً على الصحة إلى أن يقضي القضاء بإلغائه.

ولا تمتد ولاية القضاء، كما هو معلوم إلى جوانب الملاءمة في القرارات الإدارية التي يراقبها، والتي تترخص فيها الإدارة بموجب سلطتها التقديرية، فلا يحل القضاء محل الإدارة في ما هو من صميم صلاحياتها وتقديرها.

ولعل الحكم الصادر من المحكمة الإدارية منذ أيام بإلغاء مرسوم صادر بتعيين عشرين مستشاراً بإدارة الفتوى هو خير دليل على أن ولاية القضاء بإلغاء القرارات المخالفة للقانون، هي أكبر ضمان للموظفين في مواجهة ما يقع من أخطاء الإدارة في ما تصدره من قرارات يشوبها عيب مخالفة القانون.

ومما يذكر أن وزيرة التربية والتعليم العالي لم تتخذ قرارها بإقصاء وكيل الوزارة إلا بعد أكثر من تسعة أشهر على حملها الحقيبة الوزارية، أي انها لم تتعجل ولم يكن قرارها صادراً عن وشايات أو إشاعات، بل اتخذته بعد تمهل وتأنٍ وروية سواء صادف هذا القرار الصواب أو أخطأت فيه، فتلك قضية أخرى يكون الرأي الحاسم فيها للقضاء، عندما يلجأ وكيل الوزارة إلى ساحته، وهو ما أعلن عزمه عليه.

ولهذا فإن تلويح بعض النواب باستجواب د. نورية الصبيح، بسبب إقصاء وكيل الوزارة يكون خروجاً عن وظيفة الاستجواب تُقصيه عن تحقيق أهدافه، وقد قال المولى عز وجل «ولا تزر وازرة وزر أخرى».

وإلى مقال قادم نطرح فيه ما أثاره هذا الموضوع من قضايا دستورية أخرى، رأينا أن نستكمل بحثها لتغطية الموضوع المطروح من جميع جوانبه.

back to top