من شابه أباه فقد ظلم!

نشر في 07-09-2007
آخر تحديث 07-09-2007 | 00:00
 رزان زيتونة

الإصرار الواعي أو غير الواعي على نقل الأنماط السلوكية والثقافية المريضة إلى الأجيال الناشئة، لا يختلف عن الصواريخ الإسرائيلية الموقعة من الأطفال، إلا بكون الأخيرة عنفاً موجهاً نحو الخارج، والأولى عنفاً موجهاً نحو الداخل.

في حرب يوليو 2006، عندما وقّع بعض أطفال إسرائيل التذكارات الصاروخية التي دكَّت أرض أقرانهم اللبنانيين، قامت دنيا العرب ولم تقعد. أيعقل إقحام براءة الأطفال في قذارة السياسة ووحشية الحروب؟ وأي دراما سوداء تجعل طفلاً يحتفي بقتل طفل آخر؟ أم أن لعبة الكراهية والقتل أصبحت تهدى إلى الأطفال في أعياد ميلادهم؟!

أما أطفال العرب، فلم يرسلوا بدورهم تواقيعهم على الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل، ربما لإشغالهم من قبل ذويهم وعقلائهم بتوقيع معارك داخلية أكثر إلحاحا!

الابتكار الكرتوني الحمساوي بأسده وفئرانه، ليس ابتكاراً في الحقيقة، كثير من الجماعات والأحزاب السياسية العربية يؤيدها إعلامها الموجه، سبقت «حماس» إلى ذلك. هذا يدخل في باب حرية الرأي والتعبير كما تفهمه تلك الجماعات والأحزاب: التدخل في خيال الأطفال من جهة، وطريقة إدراكهم للأمور من جهة أخرى، وتلويث ذلك بأحقاد الكبار ومعاركهم غير العادلة دائماً. أما مصادرة كتاب أو منع مسرحية أو لجم الألسنة والعقول الحرة، فهو من باب الحفاظ على «الأمن» أو«الأخلاق» حيناً و«الدين» أحياناً أخرى. هذا فقط أحد أعمدة السياسة «التربوية» التي من المأمول أن تنشأ عليها أجيال المستقبل.

هناك أيضا تدريب الناشئة على ممارسة العمل العام القائم على كل من تخوين الآخر والعداء ضده، وتبرير العنف المعنوي وربما المادي الموجه نحوه كنتيجة منطقية. هذه الثقافة «التربوية» التي تخرِّج سياسيي المستقبل الحكماء، والجهاديين الأشداء، كما الجنود المخلصين للقائد الملهم، الزعيم، الرمز...

في تقرير إخباري لإحدى القنوات العربية حول ما بقي من الضاحية الجنوبية إثر حرب يوليو إياها، التقت المذيعة بمجموعة أطفال لايتجاوز أكبرهم ربما العاشرة من عمره. سألتهم عن رأيهم في ما آلت إليه منازلهم وألعابهم وكراريس مدارسهم من خراب، ردّ أحدهم قائلا «فداء لرجل السيّد»! ويقصد بطبيعة الحال السيد حسن نصرالله. معذور هذا الطفل الذي لم يسمع من ذويه ربما أن الحرب طالت وطنه لبنان! ومعذور لأنه أحيط بالراشدين الذين يقدسون ويؤلهون قائداً سياسياً، ولأن قيم البطولة والكرامة التي نقلت إليه تقوم على انتصار الحزب والطائفة والقائد، ضد حزب وطائفة وقائد.

قبل ذلك في المظاهرات والمظاهرات المضادة للمعارضة والموالاة في لبنان، رُفع الأطفال على الأكتاف، وزينت جباههم الصغيرة بالأسود أوالبرتقالي أوالأزرق...، وفقا للانتماء الذي اختير لهم من قبل الكبار. هتفوا بما لا يعون، اللهم ربما إلا أن ذلك الطرف المهتوف ضده هو عدو يتأبط شراً بالماما والبابا!

وأخيرا، اللعبة الإلكترونية التي ابتدعها أحد مناصري المعارضة، التي تدرب الأطفال والمراهقين على قتل أعدائهم، وهم اليوم السنيورة ورفاقه. ولكل غدٍ عدوه، المهم هو إتقان كراهية الآخر وقدرة قتله ولو معنوياً، أوتمنيه حتى. أحد المنتمين إلى التيار الوطني الحر ممن سئلوا عن هذه اللعبة الذكية في لقاء تلفزيوني، اعتبر ذلك مجرد «تنفيس» وأمر لا يجب تضخيمه وتحميله أكثر مما يحتمل! وهو لم يخطئ في الجانب الأول من الإجابة، لأن ذلك بالضبط – أي اللعبة الإلكترونية- هو «تنفيس» للعنف المزروع بعناية، وهو «تنفيس» يحظى بآلية ذاتية لإنتاج مزيد من العنف وتعميمه.

لا تقتصر هذه السياسة «التربوية» على الجماعات السياسية التي تدعي إيمانها بالعمل السلمي الديموقراطي. فللإرهابيين وسائل تعليمهم الخاصة. لهذا ربما، تداولت المواقع الإلكترونية صوراً لمقاتلي «فتح الإسلام» قبيل وأثناء بداية المعارك، وأطفالهم إلى جانبهم يحملون سلاحاً يفوقهم طولاً وثقلاً.

وما اقتصارنا في الأمثلة على لبنان إلا لأن مجتمعه الحيوي حتى في وسائل تربيته العنفية، متخم بالأمثلة والصور، بغير أن يعني ذلك أن أموراً مشابهة أومماثلة لا تحصل في غير مكان من عالمنا العربي.

ففي الأنظمة الاستبدادية، تتولى أجهزة السلطة مهمة تشكيل عقول الناشئة على الخضوع وتأليه القائد وأحادية النظرة. وعلى المفهوم السلطوي للوطنية والحرية، لكن هذا الدور ما كان ليكتب له النجاح من غير الدور المكمل للعائلة والمجتمع الصغير المحيط بالطفل والمراهق.

وحين تتوافر مساحة نسبية من الحرية -كما هو في لبنان- تقوم العائلة والحزب والمجتمع الصغير بالدور السلطوي ذاته، من تربية الطفل على العصبية والعداء للآخر والخضوع الأعمى للمذهب أوالطائفة أوالقائد السياسي.

الإصرار الواعي أو غير الواعي على نقل الأنماط السلوكية والثقافية المريضة إلى الأجيال الناشئة، لا يختلف عن الصواريخ الإسرائيلية الموقعة من الأطفال، إلا بكون الأخيرة عنفاً موجهاً نحو الخارج، والأولى عنفاً موجها نحو الداخل، وفي الحالتين، هو عنف كامن يجري تسمينه ورعايته رسمياً وأسرياً وإعلامياً وحزبياً وطائفياً في بعض الحالات، لا لذبحه في المستقبل القريب، لأن السكين ستكون في يده هو، صاحب القرار الأوحد.

* كاتبة سورية

back to top