أسود وأبيض مشهدٌ يتكرر

نشر في 26-11-2007
آخر تحديث 26-11-2007 | 00:00
 د. موضي عبدالعزيز الحمود

إن مراجعة الأجور والمرتّبات بشكل كامل هي البداية الصحيحة لوقف المزايدات النقابية... ولكن، مع تأييدنا لذلك، لنا كل الحق أن نسأل كمواطنين جميع الأطراف حكومة ونواباً ونقابات: أين هم من مصالحنا التي تعطلت من قلة الإنتاجية طوال هذه السنوات نتيجةً لغياب وتكاسل وفساد كثير من العاملين في الحكومة؟!

الزمان: نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين.

المكان: المملكة المتحدة، لندن والمدن الإنكليزية الأخرى.

في ذلك الوقت وفي ذاك البلد وُجِدنا كطلبة لدراسة الدكتوراه وعاصرنا كثيراً من الأحداث السياسية التي مرت بها بريطانيا، إذ كانت تتولى الحكم آنذاك حكومة العمال.

توالت على المسرح السياسي لذلك البلد في تلك الفترة سلسلة من الاعتصامات والإضرابات العمالية، بدأت مع إضراب عمال السكك الحديدية التي تعدّ عصب البلد لتليها إضرابات عمّال الشحن ثم موظفي الطيران، وبعدها أضربت الطواقم الصحيّة عن العمل في المستشفيات، ولم يكن يمضي شهر أو خلافه حتى نشهد إضراباً جديداً، وعلى إثر ذلك شلّت البلاد وتعطّلت مصالح العباد وضجّ الناس وتراجع الاقتصاد، وعمّت الفوضى مناحي الحياة المختلفة، كان نتيجة ذلك أن مُنيت حكومة العمال بأقصى فشل لها في مسيرتها السياسية الطويلة، وفازت حكومة المحافظين لتحكم بريطانيا بعد فترة غياب طويلة، وتسلّمت القيادة المرأة الحديدية تاتشر لتبدأ على الفور في التصدي لكل محاولات التعطيل وليبدأ أهم برنامج للخصخصة في بريطانيا والعالم.

واليوم من يذهب إلى بريطانيا ينعم بخدمات السكك الحديدية التي تقدمها الشركات المتنافسة على خطوط الجنوب والشمال التي تدار على أسس تجارية بحتة، كما أن شركة الخطوط الجوية البريطانية هي اليوم من أهم شركات الطيران العالمية وأفضلها ربحية... وكذلك شركات الهاتف وخدمات المياه وغيرها... وتغير وجه إنكلترا الذي شاخ ليكتسب نضارة وليكتسب اقتصادها متانة ورفعة.

ما حملني على التفكير في تلك الحقبة التاريخية وأحداثها التي عايشتها وعانيتها كغيري ممن سكن في إنكلترا خلالها، هو ما أراه اليوم يتكرر في بلدي الكويت وبنفس السيناريو، حيث أصبحت الكويت اليوم مسرحاً لاعتصامات وإضرابات ومطالبات لا تنتهي طمعاً في تحقيق مزايا مادية وشخصية تذكي النقابات نارها وينفخ فيها بعض نواب المجلس لمصالح انتخابية ضيّقة حتى أصبحت تعصف بنا جميعاً... ولكن، ولله الحمد، تدخّلَ صاحب السمو أمير البلاد لوضع حد لامتدادها، ونأمل أن تقضي الحكومة على جميع الشرر الذي تطاير منها بشكل جاد وحازم.

إن مراجعة الأجور والمرتّبات بشكل كامل هي البداية الصحيحة لوقف المزايدات النقابية... ولكن، مع تأييدنا لذلك، لنا كل الحق أن نسأل كمواطنين جميع الأطراف حكومة ونواباً ونقابات: أين هم من مصالحنا التي تعطلت من قلة الإنتاجية طوال هذه السنوات نتيجةً لغياب وتكاسل وفساد كثير من العاملين في الحكومة، الذين يرحبون اليوم بزيادة الراتب ولكن لا يتحمّلون المسؤولية كاملة عن الإدارة؟! فمن يحاسبهم؟! وكيف ندفع بأدائهم؟! أسئلة أرجو ممن يضع سيناريو زيادة الرواتب ألا ينسى أن يضع الإجابة عنها على نفس الدرجة، وأن يتحقق كذلك من وضع الضمانات له لنرقى ببلدنا ونقضي على الفوضى والتسيب... والله الموفق.

back to top