زحمة موفدين في لبنان:حركة وقلة بركة

نشر في 31-10-2007
آخر تحديث 31-10-2007 | 00:00
 بلال خبيز

ما يحصده اللبنانيون حتى الآن ليس أكثر من قبض ريح. في بلاد أخرى يمكن للريح أن تكون فألاً حسناً، لكننا في لبنان لا نملك الوقت لكي نتفاءل أو نتشاءم، فرأسنا على النطع ويد السيّاف سريعة، وعلينا أن نتجنب الانزلاقة القاتلة بخفة السحرة وسرعة الغزلان.

من ينظر إلى زحمة الموفدين العرب والدوليين إلى لبنان، يكاد يحسد هذا البلد على ما هو فيه، لم يعد ثمة دولة في أقاصي العالم لم تبد رأيها بعد في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لكن هذا الزحام كله لم يوصل اللبنانيين إلى مجرد التوافق على تمرير هذا الاستحقاق بسلام لانتخاب رئيس يجيد إدارة الأزمة.

لا يهدف هذا الكلام إلى النيل من تفاؤل رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري، الذي طفح به الكيل من فرط التشاؤم المحيط به، فصرح بأن الانتخاب سيحصل «ولو بقرد وسعدان»، بل ربما يكون الرئيس نبيه بري قد أصاب حقاً في ما ذهب إليه، وإن كنت لاأزال أجهل لماذ أقام مثل هذا التفريق بين القرد والسعدان، فسماهما باسمين مختلفين.

قد يكون الرئيس بري أصاب كبد المعضلة في ما ذهب إليه، وهذا ليس انتقاصاً من شخصية الرئيس العتيد، بل تقريرٌ لواقع حال يعرفه القاصي والداني، وهو أن اللبنانيين جميعاً غير متفقين على القضايا الأساسية التي تهدد بلدهم، وهم حتى لو نجحوا في انتخاب رئيس بأقل قدر من الخسائر، وهي كثيرة، فإن السجال سيندلع حامياً على الخطاب الرئاسي من دون شك، ذلك أن الخلافات بين اللبنانيين تمس القضايا الأساسية، وليس ثمة مساحة مشتركة يمكن البناء عليها بين الجهات المتصارعة.

مؤدى القول والوقائع ان القوى السياسية اللبنانية منقسمة على التوجهات الأساسية، وليس ثمة ما يجمع بين أولوياتها على أي صعيد، بل إن الأولويات التي تطرحها هذه القوى كل من جهتها، لا تلحظ في اعتبارها أولويات الفريق الخصم ولا تجعل هواجسه جزءاً من هواجس عامة لا يمكن البحث في أي حلول للأزمة من دون الأخذ بها، وقد يكون آخر ما يجمع اللبنانيين حتى اليوم هو التردد الصادق في الاحتكام إلى السلاح، ومباشرة الاحتراب الأهلي الساخن والمدمر، وهم في هذا المعنى لا يستطيعون الاتفاق على برنامج رئاسي، ولن ينجحوا في الاتفاق على بيان حكومي للحكومة العتيدة، وسيجدون أنفسهم في الأيام القليلة المقبلة أمام احتمال من اثنين لا ثالث لهما: إما مباشرة الاحتراب الأهلي في بلد تبدو كلفة تقسيمه أعلى بكثير من كلفة وحدته، وإما الاتفاق على ما يشبه الهدنة التي تعقد بين أطراف متحاربة، والأرجح أن كلفة إنجاز الحروب الأهلية ووضع حد نهائي لها تبدو في لبنان أبهظ من قدرة البلد على الاحتمال، مما يرجح الخيار الثاني الذي يقضي بتفعيل هدنة موقتة بين الأطراف المتنازعة، وإذا ما غلب هذا الخيار سابقه فسيجد الرئيس العتيد نفسه أمام مهمة وحيدة، تتلخص بالفصل بين المتنازعين.

لكن واقع الحال هذا الذي لا يخفى على أي بصير لا يعصم أياً من المرشحين الرئاسيين من الخفة التي تجعلهم عرضة لأن يتم التلاعب بهم من كل جانب، فما ان ترتفع أسهم مرشح ما حتى تلين لهجته، وحين يستفيق في اليوم التالي على خيبة يأخذ يهدد مجدداً بالرد على هذا التهميش المقصود بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، والأرجح أن المسؤولين والمسترئسين في لبنان يأملون في حركة الموفدين تجاه بلدهم الصغير ويستبشرون خيراً معتقدين أن المجتمع الدولي لن يسمح للبنان بالانهيار، لكن ما يفوت هؤلاء جميعاً يمكن ملاحظته بالعين المجردة، ولا يحتاج إلى بعد نظر ثاقب، فإذا كان ثمة حكم يمكن إطلاقه على سائر القوى المتدخلة في شؤون الشرق الأوسط الكبير، فإن هذا الحكم لا يمكن أن يكون سوى التساوي في حدة المأزق، فالقوي يستشعر مأزق قوّته المفرطة والضعيف يستشعر مأزق ضعفه المفرط، مما يجعل الحركة الدبلوماسية التي قد يشهدها أي بلد من البلدان المعنية بأزمة المنطقة لا تعدو أن تكون إدارة علاقات عامة وليست دبلوماسيات ناشطة تهدف إلى ترتيب حلول للمعضلات، ولبنان ليس بمنأى عن هذه التجاذبات الكبرى، لكنه بخلاف كل جيرانه الأقربين والأبعدين لا يملك الوقت الكافي للمناورة، ولا يملك أن يدير علاقات سياسية عامة تنتج حركة كثيرة وبركة قليلة.

مباركة هي حركة الدبلوماسيات العربية والدولية تجاه لبنان، ومباركة أيضاً جهود اللبنانيين المخلصين من أجل وضع حد للتجاذب المفرط بين القوى السياسية، لكن ما يحصده اللبنانيون حتى الآن ليس أكثر من قبض ريح. في بلاد أخرى يمكن للريح أن تكون فألاً حسناً، لكننا في لبنان لا نملك الوقت لكي نتفاءل أو نتشاءم، فرأسنا على النطع ويد السيّاف سريعة، وعلينا أن نتجنب الانزلاقة القاتلة بخفة السحرة وسرعة الغزلان.

* كاتب لبناني

back to top