إنضّاج التكنولوجيا الأفريقية

نشر في 27-12-2007 | 00:00
آخر تحديث 27-12-2007 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت وداعاً لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأهلاً بجامعة تسينغ هوا. فالمبرمجة الشابة المتحمسة كلوثيلدي تينجيري، التي تعمل في الشركة الأولى لإنتاج برامج الحاسب الآلي في رواندا، تتجسد أحلامها وطموحاتها في بكين وليس في كامبريدج. ومن منطلق رغبتها الشديد في تحصيل المزيد من التعليم، تخطط للالتحاق بكلية للدراسات العليا في علوم الكمبيوتر هذا الخريف ـ في الصين وليس في أميركا.

الحقيقة أن الصينيين ليسوا بالأغراب عن رواندا. فبالقرب من المكتب الذي تعمل فيه تينجيري، تتولى أكبر شركة اتصالات في رواندا، «روانداتيل»، إنشاء معدات هاتفية لاسلكية جديدة من صنع شركة «هيواوي» من شينزين الصينية. وتتباهى أفريقيا الآن بأنها السوق الأسرع نمواً على مستوى العالم في مجال الاتصالات اللاسلكية، وتحتكر شركة «هيواوي» الصينيةـ بمكاتبها المنتشرة في 14 دولة أفريقيةـ هذه الصناعة فترسل أعداداً ضخمة من المهندسين إلى الأدغال لتقديم جيل جديد من التكنولوجيا منخفضة التكاليف لبعض أفقر شعوب الأرض.

ومن منطلق الرغبة في تحقيق الأرباح والحصول على أكبر حصة في السوق، وليس بدافع من حب الخير، تتفوق شركة «هيواوي» على منافسيها من أميركا وأوروبا بالأسعار الأقل، والعمل الأسرع، والقدرة الأعظم على العمل في البيئات الصعبة. ويقول كريس لوند رئيس شركة روانداتيل الأميركي: «هكذا تتم الأمور في أفريقيا الآن، فالصينيون يتولون كل شيء».

حسناً، ليس تماماً. ففي البلدان الأفريقية الواقعة إلى الجنوب من الصحراء الكبرى يعمل مهندسون من الهند أيضاً على ترك بصمتهم مسلحين بالتكنولوجيا المناسبة التي تمكنوا منها وأتقنوها في بلادهم. وتمد الهند أفريقيا ببرامج ودورات تعليم الحاسب الآلي، وأفضل مضخات المياه، وأرخص معدات ضرب الأرز، علاوة على العشرات من التقنيات الأخرى.

إن هذا التدفق المفاجئ من التقنيات الصينية والهندية يمثل عملية «إنضاج» للتكنولوجيا الأفريقية، التي ظلت منذ أمد بعيد تحت هيمنة أميركيين وأوروبيين «بيض» يريدون مد أياديهم لمساعدة أفريقيا في حل مشاكلها.

يقول كاليستوس جوما الأستاذ الكيني بجامعة هارفارد، الذي يستشيره الاتحاد الأفريقي في كل ما يتصل بالسياسات الخاصة بالتكنولوجيا: «إنه تحول هائل نحو الشرق ولسوف تترتب عليه عواقب عميقة».

تنعكس إحدى الفرص الضخمة التي يحملها هذا التحول على التعليم. فهناك ما يقرب من 2000 طالب أفريقي يدرسون في الصين، وأغلبهم يتلقون مناهج هندسية وعلمية. ويرى جوما أن هذا الرقم من المتوقع أن يتضاعف في غضون العامين المقبلين، الأمر الذي يجعل من الصين المقصد الأول للدارسين الأفارقة في مجالات العلوم والهندسة.

إن عملية «إنضاج» التكنولوجيا في أفريقيا ما زالت في مرحلة الطفولة المبكرة، إلا أن التحول من المرجح أن يكتسب المزيد من السرعة. ذلك أن المهندسين الصينيين والهنود يتوافدون على أفريقيا من أماكن تشترك معها في الكثير مقارنة بأماكن أخرى مثل وادي السيلكون أو كامبريدج. كما تشكل أفريقيا أرضاً خصبة لتجربة التقنيات الآسيوية التصميم، التي لم تصبح جاهزة بعد لاقتحام أسواق الولايات المتحدة وأوروبا.

من بين الأمثلة الطيبة لهذه التقنيات، موقد طبخ يعمل بالطاقة الشمسية من الهند، التي تعاملت مع مثل هذه المواقد لعقود من الزمان. ومن المعروف أن المواقد التي تعمل بحرق الأخشاب مسؤولة إلى حد كبير عن إزالة الغابات في أفريقيا، هذا فضلاً عن ارتفاع أسعار أخشاب الوقود في العديد من المدن الأفريقية التي تعتمد عليها بصورة أساسية في الطهي. من الواضح أن الموقد الهندي ما زال تحت التطوير؛ فهو ضخم للغاية وليس بالمتانة الكافية التي تسمح له بتحمل الظروف القاسية في القرية الأفريقية. إلا أن ضخامة السوق الداخلية في الهند تشكل دافعاً للعديد من المصممين لتحسين هذا الموقد. وبطبيعة الحال، لا نستطيع أن نقول الشيء نفسه عن المصممين في أميركا أو أوروبا.

بالطبع، قد تكون مسألة نقل التكنولوجيا من الصين والهند مجرد ستارة دخان تحجب نوعاً جديداً من النزعة الاستعمارية الرامية إلى استغلال النفط، والأغذية، والمعادن في أفريقيا. ففي الأعوام الأخيرة استثمرت الحكومة الصينية وحدها مليارات الدولارات في البنية الأساسية واستخراج الموارد في أفريقيا، وهو ما يثير الشكوك والريب ويشير إلى قرب حدوث اندفاع استعماري جديد نحو أفريقيا.

بيد أن الأفارقة في حاجة ماسة إلى التكنولوجيا الأجنبية، والصينيون بصورة خاصة يبذلون قصارى جهدهم- وبصورة صاخبةـ لسد هذه الفجوة. في وقت سابق من هذا العام اشترت الحكومة النيجيرية قمراً اصطناعياً من إنتاج الصين، بل ودفعت للصينيين في نظير إطلاق ذلك القمر الاصطناعي إلى الفضاء في شهر مايو الماضي. وكانت الصين متلهفة إلى تقديم تكنولوجيا الفضاء إلى هذه الدولة الأكثر ازدحاماً بالسكان في أفريقيا، حتى أنها تغلبت على 21 عرض ففازت بالعقد الذي بلغت قيمته ثلاثمئة مليون دولار.

قد تكون الغزوات التكنولوجية الصينية أقل نشاطاً عادة، إلا أنها ليست أقل قوة. ففي هدوء تكتسب الأعشاب والمستحضرات الصيدلانية الصينية حصة كبيرة في سوق الطب الأفريقي. على سبيل المثال، أصبح عقار «ارتيزيونيت» المضاد للملاريا والمصنوع في الصين يشكل جزءاً من العلاج المعتاد للملاريا في أفريقيا في غضون بضع سنين فقط.

وعلى نحو مماثل، كانت براعة الصين في تشييد السدود المائية الصغيرة، التي تستطيع توليد كميات ضئيلة من الطاقة الكهربية باستخدام روافد مائية بسيطة، بمثابة السحر في أفريقيا الغنية بالأنهار والمتعطشة إلى الطاقة الكهربية. ففي الصين تعمل عشرات الألوف من هذه السدود الصغيرة، التي تكاد أفريقيا تخلو منها.

نجح الأميركيون من فاعلي الخير، مثل نيكولاس نيغروبونتي الذي ابتكر الحاسب المحمول الآلي الذي لا تزيد تكلفته عن مائة دولار، في وضع أيديهم على المشكلة الحقيقية في أفريقيا: فالقارة الأفريقية متأخرة إلى حد كبير في المجالات التكنولوجية، لكن القفزات السريعة أصبحت ممكنة الآن. إلا أن العلماء الصينيين والهنود يزعمون أن أفريقيا تستطيع أن تستفيد من تغيير الحرس التكنولوجي القديم. وربما كانوا محقين في زعمهم هذا.

* ج. باسكال زخاري، مؤلف كتاب «ميزة التنوع: الهوية الثقافية المتعددة في اقتصاد العالم الجديد»، وهو زميل صندوق مارشال الألماني.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top