هل إسرائيل هي الولاية الأميركية الـ51؟
نشرت مجلة شتيرن الألمانية الواسعة الانتشار تحقيقاً صحفياً بقلم ميشائيل شتريك ويان كريستوف فيشمان، تحت عنوان «هل إسرائيل هي الولاية الأميركية الـ51؟»، ووضعت صورة للعلم الأميركي وعليه نجمة اسرائيل قابعة بين نجومه.
يقول الكاتبان في المقدمة ان هذا الموضوع خطير وحساس، وعلى من يكتب عنه ان يخاف من ان يحصل على الترحيب من الجهة الخطأ، أو ان يوصم بالعداء للسامية في ابسط الحالات. مثلما حصل مع مؤلفي الكتاب الجديد «اللوبي الاسرائيلي»، وزيارة نخبة من اليهود الاميركيين والمنظمات التي تمسك بيدها الخيوط وتحرك كل شيء في واشنطن. وفي ما يلي نص التحقيق:هذه قصة سؤال كان يدور في الاذهان عندما بدأت حرب العراق، ودار دورته الكاملة في الغرف الخلفية في واشنطن، وفي اروقة الجامعات، وعلى مواقع الانترنت. الا انه لم يستطع ان ينتشر في اذهان القاعدة الشعبية العريضة. هذا السؤال الخطير والحساس كان يبدو كالمؤامرة، فقد كانت تُشتَمّ منه رائحة العداء للسامية، هذا السؤال، وكل الاسئلة التي تلته هي: هل قامت اميركا بحرب العراق من اجل اسرائيل؟ هل اليهود هم من ارادوا هذا الغزو من دون غيرهم، وهم -يهود اميركا- من ذوي النفوذ يؤيدون اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة؟ هل هم فعلا بهذه القوة وهذا النفوذ؟ وهل هذا اللوبي وحده من يقرر سياسة أميركا في الشرق الأوسط؟ هل يجدر بالمرء ان يوجه اسئلة كهذه؟ عندما طرح البروفيسوران شتيفان فالت وجون ميرسهايمر في السنة الماضية، هذه الاسئلة بالتحديد، في مقالهما المنشور في «دورية لندن للكتاب»، على اللوبي الاسرائيلي، انطلقت عاصفة هوجاء، ونعتهما السفير الاسرائيلي بـ«كومة قذارة». ووصفهما «تحالف مكافحة القذف والسب والمهاترة» بالمتآمرين، واعتبر بروفيسور جامعة هارفارد آلان ديرشوفينتر ما قالاه دعاية نازية جديدة. واستمر الموضوع عدة اشهر بين أخذ ورد، وظهرت مجموعة من الردود على ما جاء في مقال فالت وميرسهايمر اللذين على ما يبدو قد أصابا على الارجح عصب الامة الحساس، واستغربا في بعض الاحيان شدة الانتقاد والهيستيريا والغضب التي تخللته. وعندما لاحت بوادر هدوء العاصفة قرر الاثنان (الآن وبحق) ان يصدرا كتابا عن الموضوع. كان يوم خميس في نهاية شهر اغسطس، في غرف تحرير مجلة «شتيرن» في نيويورك، حيث حضر المؤلفان من بوسطن وشيكاغو، وكانا في جولة لترويج الكتاب، وارادا اعطاء اول حديث صحفي لهما لمجلة اوروبية. لقد انجزا كتابهما «اللوبي الاسرائيلي» بحجم 500 صفحة، يصفان فيه كيف يسيطر اللوبي الموالي لإسرائيل على سياسة الولايات المتحدة شرق الاوسطية، وكيف يقمع كل نقد ضد اسرائيل، وكيف يخون مصالح اميركا، وهو يصف الكتاب بأنه استفزازي، منحاز وغير صحيح سياسيا، لكن هل هو بالفعل معادٍ للسامية؟! «بالتأكيد لم نُفاجأ لنعتنا بأعداء السامية»، كما قال جون ميرسهايمر، فهذا هو تكتيك خصومنا، كما يطلقون حملة قذارة من اجل منع كل حوار بشأن الموضوع، وقد اصدر ابراهام فوكسمان من «تحالف مكافحة القذف والسب» اليهودي، كتابا مضادا لكتابنا أسماه «الأكاذيب القاتلة» في يوم ظهور كتابنا نفسه في الاسواق، وتم منع المحاضرات المقررة مسبقا لنا عن اللوبي الاسرائيلي في جامعة نيويورك، ولدى مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، بسبب ضغط القوى الاسرائيلية، كما قال ميرسهايمر. واضاف «لا نعتبر ذلك رديئا جدا، اذ ان مثل هذه المواقف المتشنجة قد ساعدت كثيرا في التسويق، ومن هذا يعتاش الكتّاب ثم من النقاشات الحادة، ومن كسر المحرمات، لكن هل كسر هذا الكتاب المحرمات بالفعل؟». في الواقع، ان قليلا من العلماء حاولوا التصدي لهذا الموضوع الشائك بصورة جدية، وهناك ايضا اصحاب نظرية المؤامرة، وجاءت الهجمات من اقصى اليسار ومن اقصى اليمين، واجتمعا على اسطورة السيطرة اليهودية العالمية، وقوة اليهود الوحشية التي لا تقاوم... ولم يكن للكاتبين أي عوامل مشتركة مع هؤلاء. موضوع واحد محرّملقد حصل المؤلفان على 750 الف دولار دفعة اولى، لان على احدهما ان يضع البداية. «لقد ناقشنا في الولايات المتحدة كل موضوع محرم من الاجهاض الى قانون السلاح، باستثناء موضوع واحد محرم لا يجوز الخوض فيه، وهو التأييد الاعمى ومن دون شروط لاسرائيل». أعضاء مجلسي الكونغرس الاميركي يسلمون أنفسهم، بلا تحفظ، ويرضخون لضغط المجموعات الموالية لاسرائيل، خصوصا منها لجنة الشؤون العامة الاميركية-الاسرائيلية «AIPAC». وبهذا فإن الولايات المتحدة تعرِّض بسياساتها تجاه اسرائيل وانحيازها الكامل لها، ليس فقط عملية السلام في الشرق الاوسط للخطر، بل ايضا امنها القومي. ان النقاش السياسي -في واشنطن وفي الجامعات- في هذا الموضوع، يتم نسفه من قبل المنظمات الموالية لاسرائيل. ويقرر اللوبي حجم التبرعات التي تمنح للحملات الانتخابية للفائدة، أو للألم السياسي للنواب. ثم هنالك النظرية الأكثر اختلافا: وهي كون الدائرة الاقرب التي تحيط بالرئيس بوش مؤلفة في الغالب من اليهود المحافظين الجدد، مثل ريشارد بيرل، بول وولفوفيتز، دافيد فورمزر، دوغلاس فايت، المسؤولين عن الغزو الاميركي للعراق، ودافعهم الرئيسي الى ذلك: ليس البترول، ولا ادخال الديموقراطية الى الشرق الاوسط، ولا اسلحة الدمار الشامل التي ادّعوا ان صدام يمتلكها، بل ضمان امن اسرائيل. هل يجوز للمرء ان يخوض في مثل هذه المناقشات؟ هل يجوز ان تسأل مثل هذه الاسئلة؟ ومن قبل ألماني؟ أليست ذخيرة معاداة السامية جاهزة؟ إن الالمان -كما قال فالت وميرسهايمر- لا يصنعون للعالم معروفا اذا لم يتكلموا عن هذا الموضوع. مركز اللوبيلقد بدأ البحث عن الاجوبة في بناية مكاتب من الشارع الثالث في مدينة نيويورك، حيث تُعقد مؤتمرات رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية، وهذه هي المنظمة السقف لخمسين رابطة مصالح يهودية في اميركا، يرأسها مالكوم هونلاين الذي يعتبر واحدا من اكثر الهيود نفوذا واقواهم كلمة في البلاد، ويتمتع بعلاقات صداقة غير مسبوقة مع كل من بوش وكلينتون. وعلى الزائر لهذا المقر ان يعطي هويته ويمر ضمن اجهزة التفتيش، التي ذكرتنا بالاجهزة والممرات الضيقة التي كانت عند نقطة العبور من برلين الغربية الى المانيا الديموقراطية سابقا في شارع فريدريش. ثم قابلنا السيد هونلاين في غرفة اجتماعات من دون نوافذ، حيث وضع العلم الاسرائيلي في الجهة اليمنى والعلم الاميركي في الجهة اليسرى. وبدا هونلاين لنا رجلا ودودا متحفزا ومندفعا، كما انه فقد اقاربه في الهولوكوست (محرقة اليهود الهتلرية)، والآن يريد «ألمان» بالذات للتحدث اليه عن قوة وسيطرة اليهود. «ان الاوروبيين مولعون بهذه الافكار»، قال هونلاين، ثم تابع «كلما جاءت الـ«BBC» الى هنا اقول لهم: ان الامر يتعلق باللوبي الاسرائيلي، فلماذا لا نبدأ رأسا بالحديث عنه؟». يجوز طبعا للمرء ان يسأل عن اللوبي الاسرائيلي، ويجوز ايضا حتى للالماني ان يسأل كما قال، الا ان الالمان يحملون مسؤولية خاصة. مالكوم هونلاين كان في اجاباته واضحا ولا يقبل التسوية او الحلول الوسط «لا وجود للوبي يهودي، هنالك مجرد اناس يقومون باعمال اللوبي من اجل العلاقات الاميركية-الاسرائيلية. لكن هذا جزءا من النظام الاميركي، من الكذب والبهتان القول ان السياسة الاميركية توجه بالحيلة والخديعة من هنا». لقد بدا لنا للوهلة الاولى ان هونلاين يريد مناقشة نظريات فالت وميرسهايمر، الا انه سرعان ما عدل عن ذلك؟ وقال «ان هذا الكتاب يؤدي الى تسميم المناخ، والنقاش بشأنه عقيم وغير معقول لانه لا يستند الى الوقائع ولا يعتمد على الحقائق». ويتابع هونلاين «الكتاب لا يستند الى الوقائع، وهو خطير، ونحن نرى ذلك في بريطانيا وهنا. وما كنا سابقا نتحمله على الجوانب، اصبح يُقبل وبازدياد في قلب التيار اتهامات مبسطة: فاذا كانت الصداقة الاسرائيلية-الاميركية متينة الى هذا الحد، فانه على اي طرف آخر تخريبها بالحيلة والخداع، الآن، الامور ليست هكذا: الاميركيون يتعرفون على انفسهم من خلال الاسرائيليين، نحن لدينا القيم نفسها، ونقف معا في مواجهة المتطرفين. ودائما وعبر التاريخ الطويل كانت تظهر نظريات المؤامرة، وهذه صياغة جديدة لبروتوكولات حكماء صهيون. التي ادت الى موت الكثير من اليهود». ثم استراح قليلا. وتابع «يقول البعض ان الوضع هنا يشبه ما كان في زمن الرايخ الالماني عام 1938. انا لا اعتقد ذلك، بل اشبه بما قبل 1932. اننا نواجه تهديدا عالميا، له ايديولوجية تشابه الايديولوجية النازية كثيرا. وأخذ الاكاديميون والعلماء هنا دور هتلر، من اجل تبرير عنصريته». يجسِّد مالكولم هونلاين اللوبي الاسرائيلي بشخصه. فإذا دعت منظمته الى التظاهر حضر الآلاف، كما فعلوا قبل اسابيع امام مقر الامم المتحدة في نيويورك.يشكل اليهود الاميركيون وعددهم ستة ملايين، نسبة اثنين في المئة من مجمل الشعب الاميركي. وتعتبر أغلبيتهم نفسها ليبراليين (أحرار مستقلين)، وتعطي اصواتها في الانتخابات وبشكل تقليدي للحزب الديموقراطي، كما يؤيدون قيام دولة فلسطينية، ويطلبون انسحاب المستوطنين الاسرائيليين من المناطق المحتلة، ويعارضون الحرب في العراق. «الا ان القسم الاكبر من اليهود الاميركيين ينضوون تحت لواء المنظمات اليهودية المهمة»، كما قال لنا المتخصص في شؤون الشرق الاوسط ميشائيل ماسينغ. والسلطة الحقيقية هي في يد اربعة رجال يشكلون ادارة «AIPAC». هؤلاء الاربعة يريدون اسرائيل قوية وفلسطين ضعيفة، واميركا لا تمارس اي ضغط على اسرائيل.... الى أفضل الأصدقاء العلاقات الاميركية-الاسرائيلية، لم تكن اطلاقا دائما بهذا العمق وهذا الود خلال السنوات الخمسين الاخيرة، الرئيس ايزنهاور ضغط بعنف وبشدة من اجل انسحاب الاسرائيليين من منطقة قناة السويس، وبعد حرب الايام الستة عام 1967 تحرك ميزان حرارة العلاقات صعودا من درجة الحلفاء الاصدقاء الى درحة افضل الاصدقاء دفعة واحدة. كما تحدث الزعماء العرب وقتها عن رمي الشعب الاسرائيلي كله في البحر. لقد كان تعصبا شبيها بالهولوكوست عندها اكدت واشنطن ضمانها للوقوف الى جانب اسرائيل، اخلاقيا وعسكريا واقتصاديا. ورأت واشنطن في اسرائيل قلعة او حصنا متقدما لها في الشرق الاوسط، وايضا من اجل مصالحها الخاصة خلال فترة الحرب الباردة، ونادرا ما كان الطرفان يختلفان علنا، مرة عندما فرضت حكومة الرئيس رونالد ريغان بيع عدد من طائرات اواكس الاميركية إلى المملكة العربية السعودية على الرغم من مقاومة اسرائيل ومنظماتها المساعدة ومررت الصفقة في «الكابيتول هيل» غصبا عنهم. ومرة اخرى عندما اصطدم الرئيس جورج بوش الاب عام 1991 مع اللوبي الاسرائيلي، طالبا ضمانة لقرض يزيد على عشرة مليارات دولار، ووعدا اكيدا من رئيس وزراء اسرائيل في حينه اسحق شامير، بعدم بناء مستوطنات جديدة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وهذا ما استنفر اللوبي الاسرائيلي، حيث ارسلوا الفا من اعضاء المنظمات التابعة باتجاه «الكابيتول» من اجل التأثير على قرار الكونغرس، لكن بوش الاب بقي على موقفه. اليوم يبدو امر كهذا غير ممكن، سواء كان سيد البيت الابيض من الجمهوريين او من الديموقراطيين: فانتقاد اسرائيل امر مستحيل ومحرم. ولن يجرؤ اي من مرشحي الرئاسة الاميركية الفعليين على فعل ذلك، او على مهاجمة اسرائيل. ومن المرجح ان يحدث مع اي منهم، تماما مثلما حدث مع هاوارد دين قبل ثلاث سنوات، حين اراد اتباع سياسة اميركية حيادية بين اسرائيل والفلسطينيين، فتمّ انتقاده بعنف من قبل اقرانه الديموقراطيين ثم تمت ازاحته. منذ عام 1976 تكلم ستة من رؤساء الوزراء الاسرائيليين امام الكونغرس الاميركي اكثر من اي دولة اخرى. فلماذا يتساءل الكثيرون؟... تحتاج دولة اقتصاد الرخاء، اسرائيل، الى معونة قدرها ثلاثة مليارات دولار من واشنطن، وهذا يعني 500 دولار للشخص الواحد، اي سدس ميزانية المعونات الخارجية الاميركية. لماذا استعملت اميركا 42 مرة حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة، في حين لا تلام دولة ذات سيادة كإسرائيل لخرقها المستمر والفاضح لحقوق الانسان؟ في استفتاء اجراه معهد استطلاع الرأي (PEW)، اقر 47 في المئة ممن شملهم الاستفتاء من الاسرائيليين، بان اميركا في سياستها الخارجية تحابي وتفضل اسرائيل دائما. اذن لماذا؟ لقد قادتنا رحلة معرفة الحقيقة الى واشنطن. حيث يقع مكتب ندوة السياسة الاسرائيلية (IPF) على بعد بضع بنايات من مبنى الكابيتول، يرأسه م. ج روزنبيرغ، وهو مستودع تفكير ليبرالي، يكتب عمودا اسبوعيا اغلبه نقد لاسرائيل وحكومة بوش. وهو يعمل منذ عشرين عاما في واشنطن، منها بضع سنوات مع منظمة «إيباك»، التي افترق عنها منذ زمن بعيد. يقول روزنبيرغ «ان الكثير مما قاله فالت وميرسهايمر حق. ما عدا نظرية حرب العراق؟ وعندما نتكلم معهما وراء ابواب موصدة، لن يقول احدهما ان فرضيتهما خطأ، لكن لن يجرؤ احد على قول ذلك علنا... فهنا يسيطر مناخ الرعب». لقد احنى روزنبيرغ نفسه الى الامام، ولوح بعزمه على رفع صوته اعلى واعلى، وقال «والواقع لولا وجود اللوبي الاسرائيلي، لاستمرت اميركا بالتالي منحازة الى اسرائيل، لكننا كنا سنحقق تقدما في عملية السلام، فلو صرح جورج بوش مثلا غدا بانه من الآن وصاعدا يريد ان يدفع الى الامام اتفاق السلام في الشرق الاوسط، لهزم الكونغرس اقتراحه هذا بأغلبية الاصوات». يأسف روزنبيرغ كثيرا، لوصم النقد ضد اسرائيل وبسرعة فائقة على انه عداء للسامية، ويحز في نفسه اقرار اللوبي بان وجود دولتين في فلسطين حل جيد للأزمة، «لكن اللوبي الاسرائيلي لا يفعل شيئا بهذا الاتجاه». ويأسف ايضا لان المال يفرض السياسة، حيث صرف اللوبي اكثر من 60 مليون دولار للمجموعات الموالية لاسرائيل وللاحزاب ومرشحي الكونغرس والرئاسة منذ بداية 1990، حتى اليوم، فاذا ترشح احدهم للكونغرس فانه يحتاج الى مليون دولار، اللوبي الاسرائيلي يؤمن المال اللازم ولا يطلب الكثير في المقابل، فقط عليه بين الحين والآخر ان يصوت لمصلحة اسرائيل او أن يصوت ضد العرب. ويضيف روزنبيرغ «يقول هؤلاء: أترغب في المتاعب؟ فاذا كنت لا ترغب في المتاعب فمن الافضل ان تؤيدنا؟». وهو يقصد بهؤلاء: لجنة الشؤون العامة الاميركية-الاسرائيلية (إيباك). وعندما تدعو هذه الأخيرة الى المؤتمر السنوي، يشكل حدث كهذا عيدا بالنسبة لنخبة السياسيين. ويظهر الرئيس الاميركي فترة، امام المدعوين، او على اقل تقدير يظهر نائبه، كما حدث في شهر مارس من هذا العام. وقال نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، في كلمة ألقاها بمناسبة هذا الحدث، «تستطيع اسرائيل ان تعتمد على الولايات المتحدة، وعلى الاخص تجاه التهديد الايراني». وعلق رئيس وزراء اسرائيل اولمرت قائلا «شكرا لله ولـإيباك». لقد حضر اغلب اعضاء الكونغرس، وهذا يتعلق بالتناغم الجيد بين الطرفين. «إيباك» تقوم مبدئيا بلوبي (اي تتدخل) اذا كان الامر يتعلق بالبترول والاسلحة، ومهاجمة كاسترو.الطريق الى المركز الوهمي، الوصول الى القوة والسلطة مجددا يمر عبر معابر امنية، في بناء عادي جدا لا يمثل شيئا، في الشارع الاول. المكاتب مليئة بالكامل، والموظفون يعملون في الردهات، ويتجمع في فناء البناء الخلفي بعض المشردين امام مطبخ. «اهلا بكم في الامبراطورية»، قال المتحدث الصحفي لـ«ايباك» يوش بلوك بسخرية لضيوفه. فقط القليل من الصحافيين يحضرون الى هنا، مجلة «شتيرن» هي الثانية بعد الـ«واشنطن بوست». وفي الواقع هؤلاء لا يقابلون ضيوفهم من غير مداعبة ومزاح، هذا إذن هو مركز السلطة والقوة الغامض، كما قال مارفين فوير المدير السياسي، «عندما أعطي أنا الأمر لرفع الأيادي يمتثل الجميع لأمري». يعمل لدى «إيباك» 260 موظفا ولها 100 ألف عضو، وهذا العدد يزداد بسرعة وعلاقتهم بالنواب مستمرة وحميمة، وتتأكد بأنهم سيصوتون لمصلحة اسرائيل، وإذا لم يفعل أحدهم يهددونه بإنهاء حالة «الحب» المتبادل، ومن النادر ان تبذل «إيباك» أي جهد من أجل ذلك، فالنواب جميعا موالون لاسرائيل ومندفعون من أنفسهم في هذا الاتجاه، كما قال بلوك وشرح لنا كيف يأخذون النواب الشباب في الكونغرس بزيارات إلى الأراضي المقدسة. وقال «وسيذهب فوج آخر في الأسبوع المقبل مؤلف من تسعة عشر سياسيا لرؤية جيروزاليم (القدس) حيث سيرون الوضع الرئيسي السريع العطب في وسط بحر من الأعداء، ومن الطبيعي أنهم سيزورون نصب الهولوكوست التذكاري (اياد فاشيم)، أخيرا وليس آخرا، سيتفهم هؤلاء مدى حاجة إسرائيل الى الحماية وتشعر أميركا بالمسؤولية تجاه الرجل العادي البسيط. إن هذا جزء من الــDNA (الحمض النووي) خاصتنا، فقد تكون اسرائيل قوية إلا أنها محاطة بمئة مليون من الأعداء». تعتبر «ايباك» قصة نجاح، وعلى رئيس المعهد الاميركي-العربي جيمس زغبي المنافس أيضا أن يقر بذلك ومن دون حسد، إنه يقبع في مكتبه الصغير في واشنطن في شارع تمتد فيه مكاتب لجان الضغط اليهودية على مدى ميل، ويتحدث عن قوى اللوبي الاسرائيلي المتغطرسة ولا يعتقد أن نفوذ «ايباك» يصل إلى ذلك الحد الذي يصنع نجاحا مهنيا للبعض أو إلى تحطيمهم. يقول زغبي إن «السر بأن ورقتهم لا يمكن هزيمتها وفي وقت ما تصبح هذه الصورة بديهية للغاية وتنشأ اسطورة القوة التي لا تقهر والسلطة غير المحدودة». غزو العالم الأكاديميهنالك قواعد مغايرة تماما في العالم الاكاديمي، كما أن رهان «ايباك» على الحرم الاكاديمي وحده لا يكفي. بادر مدير ندوة الشرق الأوسط دانييل بايبس قبل سنوات خمس إلى إنشاء منظمة اسماها «صحوة الحرم الجامعي» حرض من خلالها الطلاب على الابلاغ عن أي بروفيسور يتجرأ وينتقد اسرائيل. يفضل بايبس أن يتحدث عن مشروعه، مراقبة أعمال البروفيسورية ومؤلفاتهم المتطرفة، فهنالك تيار رأي رئيسي في أميركا والكثير من الاكاديميين يوجدون خارج ذلك التيار. ويشرح «إننا ندون ذلك، فعندما يقول الأساتذة اي شيء خطأ وغير صحيح لطلابهم، يجب أن يكون هناك مكان يستطيع اللجوء إليه لمعرفة الحقيقة، فالعداء للسامية تحول من ظاهرة يمينية إلى ظاهرة يسارية، والجامعات هي حصون التفكير اليساري وتوجد تقاليد طويلة للتفكير، أميركا تسيطر على اسرائيل والعكس بالعكس». ويضيف «فالعداء للسامية والعداء لاميركا يسيران يدا بيد، وهذا ما نكافحه نحن».إنهم يكافحون الرجال مثل بروفيسور توني يودت الذي يتهمه باييس بتعريض وجود اسرائيل للخطر، وهذا ما لا يمكن أن يفعله يودت حتى مع كونه من العلماء القلائل الذين يتجادلون ويختلفون مع اللوبي اليهودي، وعندما دافع في «نيويورك تايمز» عن كتاب فالت وميرسهايمر عام 2006 تلقت عائلته تهديدات بالقتل. ويقول «لا تتصوروا كم تلقيت من الرسائل الإلكترونية: أنت نازي... أو عندما ينسف اطفالك في الهواء ستفهم كيف يحيا الاسرائيليون». الحديث سراًيجلس يودت في مكتبه في جامعة نيويورك عند ساحة واشنطن، ويستقبل الزوار في غرفة صغيرة مليئة بالكتب، منها كتاب «خط الكذب الاخير» لمؤلفه ابراهام فوكسمان، الذي خصص فيه فصلا كاملا عن يودت الذي ولد في بريطانيا وكان ابوه قد نجا من الهولوكوست، ويعيش منذ عشرين عاما في الولايات المتحدة.عندما انطلق النقاش الحاد عن كتاب اللوبي مجددا، دُعي المؤرخ إلى إلقاء محاضرة في دار القنصلية البولونية، وقبل موعد إلقاء المحاضرة بساعتين الغت القنصلية المحاضرة من اساسها، بعد أن تعرضت إلى ضغط مكثف من منظمة «مكافحة الهزيمة» التي يرأسها فوكسمان، إن المشكلة الكبرى في أميركا ليست المراقبة الصحفية أو الاصدارات السياسية، لكنها المراقبة الذاتية كما قال يودت، وكان قد نشر موضوعا حرجا في اسرائيل، لكن هناك لم يكتفوا بإزالة الموضوع بل تلقى ايضا وسمع كلاما مجنونا مثلما سمع في أميركا.وهو منح فيما بعد في ألمانيا جائزة «هانا ارندث»، وجائزة «ايريش ماريا ريمارك» للسلام، إن الصمت والسكوت عن هذا الموضوع خطران كبيران. ويرى يودت «اذا تكلمت بشكل غير رسمي يشاركك الجميع تقريباً الرأي: إنها لخيبة أمل كبيرة ألا نستطيع التحدث عن اسرائيل، هذه التي تتبع خطاً متشدداً مرعباً مفجعاً منذ 70 عاماً، وأميركا تتصرف حيال ذلك مثل من له صديق مدمن على الكحول يدعه يشرب دائماً وبذلك يتجه كل شيء الى الأسوأ». قبل عدة سنوات -كما قال لنا- قابل سيناتور ديموقراطياً في احد المؤتمرات في باريس، والذي عبر عن استيائه وعدم رضاه عن سياسة اسرائيل تجاه فلسطين، فقال له يودت: لماذا لا تقول ذلك رسمياً وعلناً؟ فرد عليه السيناتور متجرداً من سلاحه «ان شيئاً ما لن يتغير لا في الشرق الأوسط ولا في السياسة الخارجية لأميركا، لكنني أنا السيناتور صاحب النفوذ القوي سأتحطم. لن أقوى على عمل أي شيء بل مجرد انني سأخسر كل شيء». ترجمة:غسان أبو عقل