حيَل الدجّالين
كنت راكباً سيارتي ذات مرة عند إحدى البقالات في أحد البلدان العربية وكانت بصحبتي أم العيال، فجأة تقدم منّا مشعوذ دجّال وبادرني بالقول: والله أنت رجل طيب.. وابن حلال.. وعلى نياتك ولكنك محسود، عميتْ عين الحسود، وأنا سأعمل لك عملاً، لوجه الله، يخلصك من شر الحسود (اللي بعينه عود).. لأنني أعرف هذه الخزعبلات جيداً قلت له اذلف كيلا أخلصك من هذه المهنة الحقيرة!!.
فجأة أرعد وأزبد وهدّد وتوعّد وهمهم وتمتم، وقال لا فض فوه ولا مات حاسدوه: والله إلا أسوي لك حادث أنت وأسرتك وسأطلق عليك «عوز». فقلت له: هل تقصد «عوزي» الرشاش الإسرائيلي أي تطلق عليَّ النار منه؟ فقال لي: كلاَّ.. «الجني عوز» أحد جنودي!! سوف يتلبسك ويعمل لك مشاكل، قلت له: «طز فيك وفي عوز» ثم دعست على بنزين السيارة وانطلقت أجوب الشوارع، أما أم العيال فاضطربت ورجتني أن أعتذر من المشعوذ لئلا يصيب عيالها مكروه! رغم أنني شرحت لها كثيراً أساليب الدجالين إلا أنها أصرت على أن أرضي المشعوذ كيلا يطلق علينا «عوز»، هنا قفزت إلى ذهني فكرة لئيمة وعدت إلى حيث يقف المشعوذ فتظاهرت بالاعتذار إليه وبالندم على ما قلت وبأنني سأكرمه غاية الإكرام إذا ما حل مشكلتي مع الحسد (!!) ونفحته رأساً بعض النقود وقلت له جزافاً: أطال الله عمرك ومسبحتك ولحيتك أيضاً. تنحصر مشكلتي في أنني رغم بلوغي الخمسين لم أحصل بعد على فتاة جميلة ترتضيني زوجاً وها هي أختي هذه، أشرت إلى أم العيال، تبحث في هذه المدينة عن زوجة جميلة لي، فقفز فرحاً ودق صدره قائلاً: عندي.. عندي ولا يهمك هيا. عندها زمجرت أم العيال ونزعت الحذاء لتضرب المشعوذ الذي تحول رأساً إلى مهنة أخرى غير الشعوذة، لكنني أمسكت يدها وقلت لها: على هونك، ألا تخافين من «عوز؟!» فقالت بغضب ظاهر: أي عوز، أي بطيخ، إنه سافل. عندها ارتحت كثيراً وبعدما ابتعد الرجل قلت لها بهدوء: كلهم كذلك يا زوجتي العزيزة، إنهم مجرد كذابين وسفلة أيضاً. و«طز» في عوز أيضاً!!في إحدى المرات كنت راكباً مع سائق تاكسي جوال من مدينة القريات إلى مدينة الرياض وكان يحدثني طوال الطريق بحكاياته الممتعة. من أطرفها ما يلي: يكدّ أبو ليلى لإطعام ثلاثين فماً في منزله بعدما افتقر من جراء الإنفاق على علاج والده ليلقى الثواب من رب العالمين بإذن الله. المهم أن أبا ليلى ذكّرني أنه يعرفني منذ أيام الكويت في بداية السبعينيات الميلادية حينما زرت موقع القوات الكويتية في حرب الاستنزاف عبر مهمة إعلامية، إذ قال إنه كان في الجبهة مع زملائه عندما سقطت طيارة إسرائيلية قربنا وتصور الجنود أن ثمة شبحاً أو عفريتاً عندما شاهدوا الطيّار الإسرائيلي يستند إلى شجرة وأصابهم الهلع. في إحدى الليالي، راهنوا أبو ليلى على الوصول إلى «العفريت – الشبح» فتحداهم قائلاً: بل سأحضره إذا استطعت إلى ذلك سبيلاً. قال: ثم توجهت إلى موقع العفريت الذي يستند إلى الشجرة قرب موقع سقوط الطائرة، وكلما اقتربت ازداد خفقان قلبي إلى أن رأيت بوضوح أن ثمة شخصاً يرتدي معطفاً ويعتمر الشماغ الزرقاء فهجمت عليه وحملته وكان يئن أنيناً يقطع نياط القلب ولما اقتربت من الزملاء هربوا وهم يصرخون: أبو ليلى جاب الجنيّ وحينما وضعته إلى جانب النار اكتشفت أنه «شاب» سوري جريح أصابته بعض الشظايا فمشى مسافة طويلة من حقله باتجاه قريته وأغمي عليه تحت تلك الشجرة تماماً. أسعف المواطن السوري وما إن استعاد وعيه حتى أصر على معرفة من أنقذه من الموت الزؤام قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وحينما أشاروا إلى أبو ليلى أخذ يضمه ويبكي بينما الجنود كانوا يضحكون من الهلع والوهم الذي أصابهم ولم يصب (بو ليلى. اللي جاب الذيب من ذيلو).