حساسيّتكم المُفرطة... مزايا وصعوبات

نشر في 21-08-2007 | 00:00
آخر تحديث 21-08-2007 | 00:00
No Image Caption

قد تكونين خجولة أو انفعالية أو متقلبة المزاج أو حساسة، لكن هل يمكن أن تكوني مفرطة الحساسية؟ للحساسية المفرطة مزاياها وتغطي عدداً كبيراً من التصرفات السلوكية. أما القاسم المشترك بين تلك التصرفات فهو الحساسية المفرطة التي تجتاح المرء سواء كانت مفيدة له أو مؤذية.

يعمد معظم الذين يصادفون للمرة الأولى شخصاً مفرط الحساسية إلى اعتباره خجولاً أو قلقاً أو متحفظاً. لكن هذه الصورة السلبية التي تترافق دائماً مع وصف الخجل الكبير لا تعبر بذاتها عن الحساسية المفرطة. هذه الحساسية ليست عيباً بل أحد أوجه طباع المرء التي قد تمثل عنصراً إيجابياً في نظره. فالشخص المفرط الحساسية يشعر ويعبر عن عواطفه، الجيدة والسيئة، على نحو مضاعف. ينعكس ذلك تصرفاً غريباً يصدر عنه، لا يفهمه كثر ولا يتقبلونه رغم أنه يُشعر المرء برضى كبير.

جرس إنذار

عندما يدخل شخص مفرط الحساسية مكاناً ما يستطيع بشكل غريزي تقويم الأجواء، سواء كانت متوترة أو هادئة أو حزينة. كما يستطيع تحديد المتنازعين والمتنافسين ومعرفة أي شخص يكره الآخر. يستشف التوتر أو الضغينة أو الرغبات والتمنيات التي يشعر بها الناس في أعماقهم. يستند الى تلك العناصر في تصرفاته فهو قادر مثلاً على الخروج فجأة من مكان ما لو شعر بالتوتر السائد. ولأن الناس يعجزون عن فهمه يصفونه غالباً بالغريب الأطوار أو العدواني. لكنّ هذه الحاسة السادسة التي تميزه أشبه بجرس إنذار ينبهه الى الأوضاع المتوترة والخطرة. بحسب الاختصاصيين: «إن العواطف مصدر قيّم للمعلومات في مختلف الظروف التي تعترضنا في حياتنا اليومية. لذلك من الخطر تجاهلها». من هنا، على المرء أن يصغي جيداً إلى حواسه وعواطفه حين يقدم شخص لا يعرفه نفسه إليه بأسلوب متكلف، فينزعج منه لأنه يشعر بغريزته أنه إنسان مدعٍ، كأنه ذئب في ثوب حمل. في هذا الوضع ليس على الشخص المفرط الحساسية إلا أن يثق بغريزته ويكون حذراً جداً كي لا يقع في الفخ.

من الخصائص التي يتميز بها المفرط الحساسية أن حواسه تبقى دائماً مستنفرة فالضجيج أو حتى بعض الأصوات يمكن أن يجعلاه مريضاً. ورغم أن معظم الناس يحبون السهر والموسيقى والأضواء فإن المفرط الحساسية ينفر من كل ذلك. لو اضطر إلى تمضية يومه عاملاً في أحد المراكز التجارية الضخمة قد يعاني أحياناً كوابيس ليلية إثر ذلك.

أما الناحية الإيجابية للحساسية المفرطة فهي أن من يعانيها يملك في المقابل أذناً موسيقية ذوّاقة. يعشق الموسيقى ويستطيع أن يتعرف إلى أبسط تغيّر في موسيقاه المفضلة. هذا إلى أنه ذوّاقة طعام يمكنه التعرف إلى كل المكونات في الطبق الذي يتناوله.

مزايا هذه الفئة من الناس متعددة وبخاصة حين يتعلق الأمر بالصداقة. يتميزون بقدرة كبيرة على الإصغاء كما أنهم يسدون النصائح الجيدة فهم خير مرشد وناصح. لديهم في المقابل ميل جامح إلى امتصاص أحزان الآخرين والمعاناة الناجمة عنها كما لو أنها مشاكلهم وأحزانهم الخاصة. لكنّ قدرتهم على اختبار المشاعر المتطرفة نقطة قوة تميزهم، على عكس ما توحي به المظاهر. ليست البتة نقطة ضعف.

يقول الاختصاصيون: «تتحكم مشاعرنا فينا وتسيطر علينا عندما نحاول كبتها وتجاهلها وعدم التحرر منها أو فهمها. فالعنف وعدم تقبل الآخرين مثلاً ينجم عن مخاوف تم إنكارها وعن ضيق تم تجاهله. ينجم الاكتئاب من عدم قدرة المرء على التعبير عن مشاعره...». لذلك يمكن أن تكون الحساسية المفرطة مفيدة، شرط ألا يترك المرء مشاعره تجتاحه وتتحكم فيه.

ماذا عن العواطف؟

لكي يتمكن المرء من معرفة أي العواطف مفيد بالنسبة إليه وأيها ضار، عليه أن يتعرف إليها كما ينبغي. بحسب أحد الاختصاصيين النفسيين، يولد المرء حاملاً في جعبته أربع عواطف أساسية: الفرح والغضب والحزن والخوف. الفرح «محرك» الناس والغضب «المسرِّع» والحزن «الناقل الذي يسمح لنا بالانتقال من عاطفة إلى أخرى بدون إلحاق أي ضرر بالمحرك»، أما الخوف فأشبه «بالمكابح». بفضل تشبيه العواطف بالسيارة يمكن المرء أن يستنتج أن لكل من عواطفه فائدتها الخاصة بحسب الإطار الذي تتجلى فيه. أما المشكلة لدى ذوي الحساسية المفرطة فهي أن محركهم يتعطل أحياناً، ما يؤدي إلى اختلاط تلك العواطف.

إن الوضع الأصعب الذي قد يواجهه شخص ذو حساسية مفرطة أن يشعر بأنه مراقب أو حتى خاضع للتقويم والحكم. ذاك ما يحدث مثلاً في اليوم الأول له في العمل، أو في أول موعد مع الحبيب... يسيطر عليه في تلك المواقف الخوف وأحياناً القلق أو حتى الرعب. هذا إلى أن «الخوف من أن يخاف» يشكل العلامة الفارقة التي تميز قلق الشخص المفرط الحساسية.

ينصح الأطباء النفسيون الشخص المفرط الحساسية بمجالسة أشخاص مثله والتحدث إليهم، أو حتى الاقتداء بشخص يعجبه، أو إذا كان ذلك يريحه يمكنه البوح بمشكلته إلى الأشخاص الذين يتعامل معهم يومياً. وأبرز العوارض التي تتجلى لدى الشخص المفرط الحساسية: التعرق الشديد والاحمرار والصعوبة في التنفس والتلعثم... لمعالجة هذه المشكلة يمكنه أن يرتاح قليلاً أو أن يتنفس بعمق، أو حتى أن يمشي لبعض الوقت. لربما كان من المفيد له أن يجلس قبالة النافذة، أو أن يزرع حديقة أمام منزله، أو أن يضع لوحة لمنظر طبيعي جميل في مكتبه، أو حتى في غمرة انزعاجه يمكنه التفكير في مشهد عائلي يريحه نفسياً ويهدئ من روعه...

ناديا (28 عاماً) امرأة تعاني الحساسية المفرطة، تقول: «أنا حساسة إلى درجة أنني أشعر أحياناً بضيق كبير في التنفس وبألم في الصدر. لطالما حلمت بأن أستبدل قلبي الرقيق بقلب من حجر، ليس لأنني حزينة، بل على العكس، فبعض المشاعر يسعدنا لكنه ينتابني بقوة. أنا بكل بساطة كتلة من العواطف المتطرفة التي تتراوح بين الضحك والبكاء، الحب والكره، الخوف والجرأة في مواجهة المجهول، النشوة والاكتئاب... أكره أن يهمّش البعض ما أحس به كأنه شيء تافه. فليحاولوا أن يعيشوا ومليون حالة نفسية تتقاسمهم. لكن عندما أخبر طبيبي النفسي بما أشعر به يحاول إعطائي حبوباً مهدئة فأقول له: «أحب الحياة ولن أهرب أبداً، بل سأكون دائماً في المواجهة».

back to top